رحيل رئيس استثنائي
بي دي ان |
23 مايو 2025 الساعة 12:02ص

هناك زعماء كثر تركوا خلفهم بصمات هامة في تاريخ شعوبهم وبلدانهم والعالم في الحقب التاريخية المتعاقبة، ومازال سجلهم القومي والاممي ناصعا، رغم رحيلهم عن عالمنا الى عالم الخلود الابدي، الا أن ارثهم وتجاربهم المميزة في عطائهم وتفانيهم في الدفاع عن حق شعوبهم وبلدانهم في الحرية والتنمية المستدامة والتطور على الصعد المختلفة، ومساندتهم للشعوب المستضعفة والمناضلة من اجل حريتها واستقلالها وسيادتها على ثرواتها في اقاليمهم والعالم على حد سواء، باقِ ما بقي عالم الكرة الأرضية والإنسانية قائما وموجودا.
من الزعماء المعاصرين البارزين والمؤثرين في حياة شعوبهم، الذين غادروا الحياة الدنيا حديثا، رئيس الاوروغواي الأسبق، الذي توفاه الاجل في 13 من أيار / مايو 2025 عن عمر ناهز ال90 عاما، حيث ولد في 20 مايو 1935 في مونتفيديو، والذي عرف في العالم، بأنه "أفقر رئيس في العالم"، مع انه في الحقيقة أغنى وأهم رئيس، لأنه كان الأكثر عطاءً لشعبه الاوروغواي، وشكل نموذجا استثنائيا بين زعماء العالم المعاصر، انه الرئيس خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو، كونه جسد القيم الإنسانية الرفيعة، وعكسها في تجربته الرئاسية ما بين 2010 و2015، وتمسك بمبادئه التي التزم بها تاريخيا، وظل وفيا لها قولا وفعلا الى آخر يوم في حياته الغنية.
ومن اطلع على سجله التاريخي، وتجربته الكفاحية، أدرك أن الرئيس موخيكا تماهى مع قيمه السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، وعمدها في مسيرته طوال عقود حياته الطويلة، بمعايير العمر الافتراضي للإنسان، فهو لم يكن يساريا تقليديا، ولا زعيما سياسيا، ولا كونه رئيسا لفترة زمنية محدودة، التي تركها ( الرئاسة) طوعا وعن طيب خاطر، وبقرار ارادوي، رغم ان شعبيته تعاظمت، انسجاما مع رغبته العميقة بإفساح المجال أمام الأجيال الجديدة، وحرصا على التجديد، وليعطي المثل الأخلاقي والقيمي والسياسي للزعماء الاخرين في بلاده والعالم اجمع.
كان موخيكا نسيج ذاته، الذي سطع نجمه في ستينات القرن الماضي، مع توليه قيادة جيش من الفقراء والمسحوقين من أبناء شعبه لتحريرهم من ظلم واستغلال واستبداد النظام الديكتاتوري الفاسد والمرتبط بعجلة الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة، وتميز بالشجاعة والكفاءة الثورية، حتى بات أحد القادة الأكثر الهاما في حركة "التوباماروس" الثورية في الاوروغواي، التي تمثلت تجربة القائد الاممي المبدع والملهم تشي جيفارا، وفي البداية انضم الى "الحزب الوطني"، لكنه انشق عنه، وأسس حزبا أطلق عليه اسم "الاتحاد الشعبي"، كأحد الروافد لحركة التوباماروس. في عام 1972 اعتقل، وألقي به في السجن خلال فترة الديكتاتورية العسكرية ما بين العامين 1973 و1985، غير ان ذلك لم يثنيه عن مواصلة النضال لتحرير شعبه من براثن العسكريتاريا، ووفق المعلومات من موقع "ويكيبيديا"، قبع في السجن نحو 14 عاما في السجن الانفرادي، واجه خلالها أنواعا شتى من التعذيب الجسدي والمعنوي، بيد انه واصل انتمائه وكفاحه الديمقراطي، ولم يتنازل عن اهداف شعبه القومية، أو كما قال عنه أبناء شعبه "لم يبع روحه".
مع نيله حريته الشخصية، وسقوط النظام الديكتاتوري، أخذ خيار النضال السياسي الديمقراطي، وانضم الى "الجبهة اليسارية الشاملة"، تم تركها، لأنها لم تنسجم مع توجهاته، واسس "حركة المشاركة الشعبية" بالتعاون مع رفاق درب النضال السابقين، واحتل عضوية مجلسي النواب والشيوخ بين عامي 1994 و1999، وفي 2005 أصبح وزيرا للزراعة، ثم فاز بموقع الرئاسة في نهاية عام 2009، ونجح في الدورة التالية للرئاسة حتى عام 2015، عندما غادر الموقع، رغم الشعبية الكاسحة.
وبفضل قيادته الحكيمة والشجاعة حققت حكومته العديد من الإنجازات الاقتصادية الهامة، منها: خفض معدلات الفقر بشكل تدريجي من 40% الى 12%، وتم تخفيض معدلات الفقر المدقع بنحو 10 اضعاف، وحققت نموا اقتصاديا بنسبة 75%، وزيادة الانفاق العام بنسبة 50%، مما أحدث تحولا نوعيا في حياة الشعب، انعكست في ارتفاع منسوب شعبيته.
ومن ابرز سماته الثورية التي تمثلها في رئاسته، أولا رفض السكن في القصر الرئاسي، وبقي يقيم في منزله الريفي المتواضع على مشارف مونتفيديو مع شريكة حياته، ورفيقة دربه لوسيا توبولينسكي، وتخلى عن الموكب الرئاسي، وقاد بنفسه سيارته الفولكس فاغن موديل 1987، وكان يتبرع شهريا بما يزيد عن 90% من راتبه الشهري الذي يبلغ نحو 12 الف دولار للأعمال الخيرية، واستضاف ذات مرة أكثر من 100 يتيم سوري ممن فروا من بلادهم بسبب الحرب، واستضاف في بيته 5 سجناء أطلق سراحهم من سجن غوانتانامو، وواصل عطائه بإيواء التائهين والمشردين، وقدم الطعام للجوعى من غذاء بيته الحر، وتابع نهجه حتى اخر يوم في حياته.
وفي خطوة تعكس سماته الشخصية الثورية، كما فعل في تخليه عن موقع الرئاسة طوعا، قدم في 2022 استقالته من البرلمان، بعد استمراره 22 عاما عضوا في البرلمان، ومع ذلك أبقاه البرلمان عضو شرف فيه، نتاج رصيده السياسي والأخلاقي القيمي.
هذه التجربة الثرية والغنية للرئيس موخيكا، جعلت من شخصيته، شخصية عالمية بامتياز، لأنه حافظ على دفاعه عن العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، ورفض الظلم الاستبداد والاستغلال بكل تلاوينها وعناوينها، ودافع عن مصالح الفقراء والمسحوقين من شعبه وشعوب العالم، وكان نصيرا قويا للقضية الفلسطينية. رحل الرئيس الأغنى خوسيه ألبرتو موخيكا، لكنه لم يمت، ومازال بمورثه وعطائه وأصالته الثورية حاضرا في سجل الخالدين القوميين والعالميين.
[email protected]
[email protected]
من الزعماء المعاصرين البارزين والمؤثرين في حياة شعوبهم، الذين غادروا الحياة الدنيا حديثا، رئيس الاوروغواي الأسبق، الذي توفاه الاجل في 13 من أيار / مايو 2025 عن عمر ناهز ال90 عاما، حيث ولد في 20 مايو 1935 في مونتفيديو، والذي عرف في العالم، بأنه "أفقر رئيس في العالم"، مع انه في الحقيقة أغنى وأهم رئيس، لأنه كان الأكثر عطاءً لشعبه الاوروغواي، وشكل نموذجا استثنائيا بين زعماء العالم المعاصر، انه الرئيس خوسيه ألبرتو موخيكا كوردانو، كونه جسد القيم الإنسانية الرفيعة، وعكسها في تجربته الرئاسية ما بين 2010 و2015، وتمسك بمبادئه التي التزم بها تاريخيا، وظل وفيا لها قولا وفعلا الى آخر يوم في حياته الغنية.
ومن اطلع على سجله التاريخي، وتجربته الكفاحية، أدرك أن الرئيس موخيكا تماهى مع قيمه السياسية والأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية، وعمدها في مسيرته طوال عقود حياته الطويلة، بمعايير العمر الافتراضي للإنسان، فهو لم يكن يساريا تقليديا، ولا زعيما سياسيا، ولا كونه رئيسا لفترة زمنية محدودة، التي تركها ( الرئاسة) طوعا وعن طيب خاطر، وبقرار ارادوي، رغم ان شعبيته تعاظمت، انسجاما مع رغبته العميقة بإفساح المجال أمام الأجيال الجديدة، وحرصا على التجديد، وليعطي المثل الأخلاقي والقيمي والسياسي للزعماء الاخرين في بلاده والعالم اجمع.
كان موخيكا نسيج ذاته، الذي سطع نجمه في ستينات القرن الماضي، مع توليه قيادة جيش من الفقراء والمسحوقين من أبناء شعبه لتحريرهم من ظلم واستغلال واستبداد النظام الديكتاتوري الفاسد والمرتبط بعجلة الامبريالية العالمية وخاصة الولايات المتحدة، وتميز بالشجاعة والكفاءة الثورية، حتى بات أحد القادة الأكثر الهاما في حركة "التوباماروس" الثورية في الاوروغواي، التي تمثلت تجربة القائد الاممي المبدع والملهم تشي جيفارا، وفي البداية انضم الى "الحزب الوطني"، لكنه انشق عنه، وأسس حزبا أطلق عليه اسم "الاتحاد الشعبي"، كأحد الروافد لحركة التوباماروس. في عام 1972 اعتقل، وألقي به في السجن خلال فترة الديكتاتورية العسكرية ما بين العامين 1973 و1985، غير ان ذلك لم يثنيه عن مواصلة النضال لتحرير شعبه من براثن العسكريتاريا، ووفق المعلومات من موقع "ويكيبيديا"، قبع في السجن نحو 14 عاما في السجن الانفرادي، واجه خلالها أنواعا شتى من التعذيب الجسدي والمعنوي، بيد انه واصل انتمائه وكفاحه الديمقراطي، ولم يتنازل عن اهداف شعبه القومية، أو كما قال عنه أبناء شعبه "لم يبع روحه".
مع نيله حريته الشخصية، وسقوط النظام الديكتاتوري، أخذ خيار النضال السياسي الديمقراطي، وانضم الى "الجبهة اليسارية الشاملة"، تم تركها، لأنها لم تنسجم مع توجهاته، واسس "حركة المشاركة الشعبية" بالتعاون مع رفاق درب النضال السابقين، واحتل عضوية مجلسي النواب والشيوخ بين عامي 1994 و1999، وفي 2005 أصبح وزيرا للزراعة، ثم فاز بموقع الرئاسة في نهاية عام 2009، ونجح في الدورة التالية للرئاسة حتى عام 2015، عندما غادر الموقع، رغم الشعبية الكاسحة.
وبفضل قيادته الحكيمة والشجاعة حققت حكومته العديد من الإنجازات الاقتصادية الهامة، منها: خفض معدلات الفقر بشكل تدريجي من 40% الى 12%، وتم تخفيض معدلات الفقر المدقع بنحو 10 اضعاف، وحققت نموا اقتصاديا بنسبة 75%، وزيادة الانفاق العام بنسبة 50%، مما أحدث تحولا نوعيا في حياة الشعب، انعكست في ارتفاع منسوب شعبيته.
ومن ابرز سماته الثورية التي تمثلها في رئاسته، أولا رفض السكن في القصر الرئاسي، وبقي يقيم في منزله الريفي المتواضع على مشارف مونتفيديو مع شريكة حياته، ورفيقة دربه لوسيا توبولينسكي، وتخلى عن الموكب الرئاسي، وقاد بنفسه سيارته الفولكس فاغن موديل 1987، وكان يتبرع شهريا بما يزيد عن 90% من راتبه الشهري الذي يبلغ نحو 12 الف دولار للأعمال الخيرية، واستضاف ذات مرة أكثر من 100 يتيم سوري ممن فروا من بلادهم بسبب الحرب، واستضاف في بيته 5 سجناء أطلق سراحهم من سجن غوانتانامو، وواصل عطائه بإيواء التائهين والمشردين، وقدم الطعام للجوعى من غذاء بيته الحر، وتابع نهجه حتى اخر يوم في حياته.
وفي خطوة تعكس سماته الشخصية الثورية، كما فعل في تخليه عن موقع الرئاسة طوعا، قدم في 2022 استقالته من البرلمان، بعد استمراره 22 عاما عضوا في البرلمان، ومع ذلك أبقاه البرلمان عضو شرف فيه، نتاج رصيده السياسي والأخلاقي القيمي.
هذه التجربة الثرية والغنية للرئيس موخيكا، جعلت من شخصيته، شخصية عالمية بامتياز، لأنه حافظ على دفاعه عن العدالة والحرية والكرامة الإنسانية، ورفض الظلم الاستبداد والاستغلال بكل تلاوينها وعناوينها، ودافع عن مصالح الفقراء والمسحوقين من شعبه وشعوب العالم، وكان نصيرا قويا للقضية الفلسطينية. رحل الرئيس الأغنى خوسيه ألبرتو موخيكا، لكنه لم يمت، ومازال بمورثه وعطائه وأصالته الثورية حاضرا في سجل الخالدين القوميين والعالميين.
[email protected]
[email protected]