الذكرى التاسعة والأربعين لانتفاضة يوم الأرض المجيدة... "هنا باقون ولن نرحل"

بي دي ان |

29 مارس 2025 الساعة 02:01ص

الكاتب
في 30 آذار من كلِّ عام  يُحيي شعبنا الفلسطيني في الداخل والشتات والمتضامنون معه من مختلف دول العالم ذكرى يوم الأرض ، الذي يشكل مَعْلَماً بارزاً في التاريخ النضالي لشعبنا العربي الفلسطيني ، باعتباره اليوم الذي أَعلن فيه الفلسطينيون تمسكهم بأرض آبائهم وأجدادهم، وتشبثهم بهويتهم الوطنية والقومية العربية الفلسطينية ، وحقَّهم في الدفاع عن وجودهم رُغم عمليات القتل والإرهاب والتنكيل التي كانت وما زالت تمارسها سلطات الاحتلال بحقهم بهدف إبعادهم عن الأرض  التي كان 75 ٪ من الفلسطينيين البالغ عددهم  156 الفاً عام 1948م  ، فيما بلغ عددهم 1٫47 مليون عام 2015م ، يحصلون على عيشهم من تلك الأرض والتي بقيت تلعب دوراً هاماً في حياة العرب الفلسطينيين الذين بقوا  في الداخل الفلسطيني ، وتشير الإحصائيات إلى أن الاحتلال صادر ما يقارب مليون ونصف دونم منذ النكبة 1948 حتى عام 1976م . ورافق ذلك سلسلة من المجازر البشعة والمروعة ارتكبتها العصابات الصِّهْيَوْنية إضافة لعمليات الإبعاد القسري التي مورست بحق شعبنا عام 1948م
وبلغت ذروة مصادرة الأراضي في مطلع عام 1976م بمختلف الذرائع والمسوغات التي كان من أهمها تفعيل قوانين الطوارئ الانتدابية، خاصة "أرض المل" التي تقع ضمن مساحات قرى سخنين ، وعرَّابة البطوف ، ودير حنا التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم استخدمت خلال الفترة من 1942 إلى 1944  كمنطقة تدريبات عسكرية لجيش الانتداب البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية مقابل دفع بدل إيجار لأصحابها .
وبعد النكبة عام 1948م بقيت تلك الأرض على نفس وضعها، ولم يسمح للمواطنين بدخولها لزراعتها إلا بموجب تصاريح خاصة تصدر عن قوات الاحتلال ، وفي عام 1956 تم إغلاقها بهدف اقامة مخططات استيطانية ضمن مشروع تهويد الجليل الذي أمعن فيه الصهاينة في تطبيق سياسة التهويد ضمن مشروع تهويد الجليل بهدف تشييد ثمان مدن صناعية مما  تتطلب الأمر مصادرة 20 ألف دونم من الأرضي العربية المحتلة حيث أن نظرية الاستيطان توصي بأن لا تُقام مظاهر التطوير فوق الأراضي المطور، وإنما فوق الأراضي البور، والمهملة، وهي التسميات التي دائماً تُطلق على الأراضي التي يمتلكها العرب الفلسطينيين، ومن أجل ذلك أصدرت سلطات الاحتلال الصِّهيوني العديد من القوانين الغير شرعية، والتي تمهد إلى مصادرة مزيداً من الأراضي لصالح الاستيطان ؛ مثل :  قانون الأرض البور، وقانون المناطق المغلقة ، وقانون أملاك الغائبين ، وقانون استملاك الأراضي، ... إلخ .
في 1/3/1976 أصدر متصرف لواء الشمال لدى الاحتلال «يسرائيل كننغ» وثيقته السرية، والتي عرفت فيما بعد بوثيقة «كننغ»، حيث دعت إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في الجليل، والنقب، تمهيداً للاستيلاء على ما تبقى من الأراضي الزراعية ومحاصرتهم اقتصادياً، واجتماعياً، وتوجيه المهاجرين الجدد للاستيطان في تلك المناطق، بالإضافة إلى التشديد على العرب الفلسطينيين من خلال ملاحقتهم، وارهاقهم بالضرائب، واعطاء أولوية فرص العمل لليهود ، وخفض  نسبة التحصيل العلمي للفلسطينيين ، وبالتالي تشجيع التوجهات المهنية لدى الطلاب الفلسطينيين، ناهيك عن تسهيل هجرتهم إلى خارج فلسطين ومنعهم من العودة.
وتعود أحداث يوم الأرض إلى يوم السبت  30 آذار (مارس) 1976م ،بعد أن قامت سُلطات الكيان الصِّهْيوْني بمصادرة 21 ألف دونماً من أراضي عدد من القرى العربية الفلسطينية في الجليل؛ ومنها :  عرَّابة البطوف، وسخنين، ودير حنّا، وعرب السواعد بهدف تخصيصها لإقامة المزيد من المستوطنات الصِّهْيوْنية؛ في سياق مخطّط تهويد الجليل شمال فلسطين المحتلة، وتفريغها من السكان العرب الفلسطينيون، ورافق ذلك إعلان حظر التجول على قرى سخنين، وعرّابة البطوف، ودير حنا، وطرعان، وطمرة، وكابول من الساعة 5 مساءً  يوم 29 مارس 1976 م ، فدخلت قوات جيش وشرطة الاحتلال إلى عرَّبة البطوف، وأخذت تستفز الفلسطينيين بالضرب واطلاق النار مما أدى إلى اشتباكات عنيفة مع الأهالي نتج عنها ارتقاء الشهيد خير أحمد ياسين  32 سنة كأول شهداء انتفاضة يوم الأرض .
في يوم 30/3/1976م أصدرت سلطات الاحتلال أمراً بمنع التجوال لمدة 24 ساعة في كل من قُرى الجليل والمثلث إلا أن ذلك لم يُثني الأهالي عن التعبير عن سخطهم وحقدهم وخرج الشعب العربي الفلسطيني عن بكرة ابيه ودارت اشتباكات عنيفة ففي سخنين استعملت قوات شرطة الاحتلال القوة المفرطة وإطلاق ناري عنيف أدى إلى ارتقاء ثلاث شهداء هم: الشهيدة خديجة قاسم شواهنة 32 عاماً، الشهيد رجا حسين أبوريا 32 عاماً، الشهيد خضر عيد محمود خلايلة 30 عاماً.
بينما في كفر كنا قامت شرطة الاحتلال بإطلاق النار على المتظاهرين، والقاء قنابل الغاز المسيلة للدموع واستعملت الهراوات، وتم اقتحام البيوت، والاعتداء على النساء، والأطفال، وارتقى الشهيد محسن حسن سيد طه 32 عاماً حيث كان في زيارة لأقاربه، واعتقل العشرات من الشبان الفلسطينيين.
كما حاولت قوات الاحتلال قرية الطيبة تفريق المتظاهرين بالهراوات وقنابل الغاز وأطلقت النار بكثافة دون تمييز فارتقى الشهيد رأفت علي زهيري 12 عاماً من مخيم نور شمس قضاء طولكرم بالضفة الغربية المحتلة عام 1967 الذي كان في زيارة لأقاربه، وقد جرح واعتقل العشرات من الشبان.
وفي الناصرة شمل الإضراب نحو 80٪ من المدينة فانتهزت قوات الاحتلال هذه الفرصة للاعتداء على رئيس بلديتها فقامت وتم اقتحام منزله بحجة ملاحقة بعض الشبان الذين رموا قوات الاحتلال بالحجارة، والزجاجات، وقنابل المولوتوف، واعتدت على زوجته وابنته، وفي طمرة استدعى رئيس مجلسها المحلي قوات الاحتلال لتفريق المتظاهرين، فتحوَّلت البلدة إلى ساحة حرب، استخدمت فيها قوات الاحتلال المجنزرات، والسيارات العسكرية، فيما شوهدت السيارات العسكرية محترقة عند مدخل القرية .
أيضاً في دير حنا نشبت مظاهرات عارمة، فأصيب العشرات من أبناء البلدة بجراح، وأعلن الاحتلال عن اصابة 83 جندياً صهيونياً، وأحرقت 6 سيارات عسكرية، بينما في الطيرة حاول رئيس مجلسها المحلي المدعو طارق عبد الحي تفريق المتظاهرين، وتصدى له الأهالي، فاستدعى قوات الاحتلال التي هُرعت إلى المكان، واستخدمت أقصى درجات القوة، مما أدى إلى إصابة بعض الشبان، واعتقال ما يقارب 40 فرداً.
بينما خرج الأهالي في باقة الغربية إلى الشوارع في تظاهرة عارمة متحدية قوات الاحتلال التي كانت تتجول في شوارع البلدة، واعتقل العشرات من الشبان، وفي قرية كسرى تصدى الأهالي لجرافات الاحتلال التي دخلت القرية بحماية قوات الشرطة بهدف مصادرة الأراضي فمنعت الجرافات من دخول القرية، وأقسم الأهالي على التمسك بالأرض، ومقاومة أي مصادرات جديدة، وفي كفر قاسم أضربت المتاجر والمدارس وانطلقت مظاهرة حاشدة صوب الأسلاك الشائكة التي اقامتها «إدارة أراضي» حول الأراضي المصادرة، واقتلعوها فعمدت قوات الاحتلال إلـى تفريق المتظاهرة بالقوة المفرطة، واعتقال العديد من الشبان، وقد شملت المظاهرات قلنسوة، والرامه، ونحف، ومجد الكروم، ودير الأسد، والبعنة، وأبوسنان، وكفر ياسيف، وشفا عمر، وعبلين، وكابول، وامتدت إلى جميع أنحاء الضفة الغربية بما فيها القدس، وقطاع غزة مهد الثورة .
ونتج عن أحداث يوم الأرض ارتقاء 6 شهداء، وإصابة عشرات الجرحى ، وبلغ عدد الذين اعتقلتهم قوات الاحتلال أكثر من 300 فلسطيني، مما دعى إلى المطالبة بتشكيل لجنة تحقيق في قيام جيش وشرطة الاحتلال بقتل مواطنين عزل يحملون جنسية الاحتلال قوبلت بالرفض.
تعد انتفاضة الأرض المجيدة بمثابة صرخة احتجاجية في وجه سياسات المصادرة، والاقتلاع، والتهويد التي انتهجتها سلطات الاحتلال الصِّهْيوْني، ويعتبر يوم الأرض حدثاً محورياً في الصراع على الأرض، وفي علاقة المواطنين العرب بالجسم السياسي الصِّهْيَوْني، فهذه المرة الأولى التي يُنظم فلسطينيوا الداخل المحتل عام 1948 احتجاجاتٍ رداً على السياسات الصِّهْيوْنية؛ بصفة جماعية، وطنية، فلسطينية موحدة  تؤكد على مسيرة بقائهم وانتمائهم وهويتهم الوطنية الفلسطينية الجامعة  .
وبعد مرور 49 عاماً على أحداث يوم الأرض المجيد ما زالت سلطات الاحتلال الصِّهْيوْني تقتل وتشرد، وتسرق ، والمياه، وتقطع اشجار وتصادر الموارد الطبيعية للفلسطينيين، وتكرس سيطرتها على الأرض من خلال تعزيز تواجد المستوطنين، وحمايتهم وخصوصاً في العاصمة المحتلة القدس الشريف وفي الأغوار التي أصبح ما يربو على 92٪ من أراضيها مصادر بالإضافة إلى عمليات الاعدام الممنهج وبدم بارد ، وهدم المنازل  خاصة في شمال الضفة الغربية حيث تم تدمير معظم منازل مخيم جنين ومخيم طولكرم، ومخيم نور شمس بعد تهجير كافة السكان، واستهداف الأونروا بغرض تصفية قضية اللاجئين، بالإضافة إلى تقطيع أواصر الأرض بجدران الفصل العنصري ، وعدوان صارخ على أهلنا في قطاع غزة من قبل سلطات الاحتلال الصِّهو-أمريكي والتحالف الدولي حيث ارتكبت جرائم الإبادة الجماعية، والتطهير العرقي، وتدمير كافة المرافق الحكومية ،والشعبية، وهدم المدارس ،والجامعات، والمستشفيات، ناهيك عن ،تدمير البنية التحتية وما يقارب من 80% من المنازل و أكثر من 250 ألف بين شهيد وجريح ومفقود 70% من الأطفال والنساء وكل ذلك بعد حصار جائر استمر لمدة 17 سنة ، بالإضافة إلى تعزيز الخطاب العنصري  المقيت ناهيك عن معاناة اسرانا الاشاوس في باستيلات الاحتلال الذين يعانون من الجوع والمرض والتنكيل المستمر والانقطاع عن العالم الخارجي حقاً أنها مقابر الاحياء .
ورغم ذلك ظل شعبنا العربي الفلسطيني متمسكاً بقسمه، وثوابته، وحقوقه المشروعة، مواصلاً معركة البقاء، والوجود، لكن هذا الوضع المأساوي الذي يعشه شعبنا يحتم علينا وضع استراتيجية فلسطينية شاملة لحماية الأرض التي هي جوهر الصراع، واستصلاحها وزراعتها، واقامة المشاريع الإسكانية عليها خاصة في المنطقة "ج" و"الأغوار"
أما على المستوى الداخلي رغم النكبة التي يعيشها شعبنا الفلسطيني بشكل عام، وفي قطاع غزة وشمال الضفة ما زال الانقسام البغيض يراوح مكانه بسبب قوى الشد العكسي، والمصلحة الفلسطينية العليا تقتضي سرعة وحدة جميع الفصائل بعيداً عن المصالح الضيقة  ومن ثم توحيد أراضي دولة فلسطين سياسياً وجغرافياً ،و لا بد من تكثيف العمل على إيقاف عدوان الاحتلال الصِّهوي-أمريكي والتحالف الدولي على شعبنا تمهيداً لإعادة الإعمار الوطني، وتجديد الشرعيات بمختلف أنواعها التشريعية، والرئاسية، وإعادة تشكيل المجلس الوطني، وضخ دماء جديدة شابة قادرة على الحركة والعمل ضمن استراتيجية فلسطينية تحررية توحد الطاقات بما تمليه المصلحة العليا لشعبنا، ولا بد من إعادة صياغة الخطاب السياسي الفلسطيني ليصبح خطاب جمعي يبتعد عن الخطاب الكشفي بالإضافة إلى تطوير شكل العلاقات الداخلية الفلسطينية التي تقربنا من مشروعنا الوطني، وتحقيق أماني شعبنا بالاستقلال، واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا العربي الفلسطيني  في كافة أماكن، ونقول للجميع هنا باقون .. لن نرحل ..