لجنة إدارة غزة: الدلالات والتحديات

بي دي ان |

08 مارس 2025 الساعة 03:40م

الكاتبة
انتشرت في العديد من المواقع  والصفحات قائمة أسماء يُقال إنها تشكّل لجنة إدارة غزة، والتي يُفترض أن تتولى شؤون القطاع بعد الحرب. وبينما لم يصدر تأكيد رسمي حول صحة هذه القائمة، فإن مجرد طرحها يثير تساؤلات مهمة حول طبيعتها، أهدافها، والتحديات التي قد تواجهها.

1. التشكيلة: هل هي كفاءات فنية أم توافق سياسي؟
في نظرة سريعة على الأسماء تكشف عن شخصيات ذات خلفيات متنوعة، فمنهم مختصون في الإدارة العامة، الاقتصاد، العمل الأهلي، وحتى حقوق الإنسان. هذا يعكس ظاهريًا توجهًا نحو تشكيل إدارة تكنوقراطية، بعيدًا عن الحسابات السياسية المباشرة. لكن هل يمكن حقًا فصل السياسة عن إدارة غزة؟
ان غياب الشخصيات الحزبية عن القائمة قد يُفسَّر برغبة في تجنب الخلافات السياسية المعتادة، لكنه يثير تساؤلًا آخر: هل يمكن لمثل هذه اللجنة أن تعمل دون دعم أو مباركة من القوى المسيطرة على الأرض، وتحديدًا حركة حماس؟ التجارب السابقة أثبتت أن أي كيان إداري لا يحظى بغطاء سياسي كافٍ يجد نفسه عاجزًا عن تنفيذ قراراته، حتى لو كان يضم أفضل الكفاءات.

2. هل تمثل القائمة تسوية أم مرحلة انتقالية؟
ان غياب الشخصيات الأمنية والسياسية المؤثرة عن التشكيلة يجعل من الصعب اعتبارها إطارًا دائمًا لحكم غزة، قد تكون مجرد “إدارة مؤقتة”، تُستخدم كمرحلة انتقالية لتسهيل الأمور الإدارية والإنسانية، دون المساس بالتوازنات السياسية القائمة.
لكن السؤال الأهم: من صاغ هذه القائمة؟ هل جاءت نتيجة تفاهمات دولية أو إقليمية، أم أنها مجرد طرح نظري لم يُبحث بجدية بعد؟ في السياسة، لا شيء يحدث بالمصادفة، وإذا كانت هذه الأسماء قد سُربت عمدًا، فقد يكون الهدف هو جسّ نبض الشارع الفلسطيني، ومعرفة ردود الفعل قبل اتخاذ أي خطوات فعلية.

3. علاقة اللجنة بالواقع السياسي في غزة
حتى الآن، لم تعلّق حماس رسميًا على هذه القائمة، ولكن من غير المتوقع أن تسمح لأي لجنة بالعمل دون تفاهم مسبق معها. لا يمكن نسيان تجربة حكومة الوفاق الوطني عام 2014، حين اتُّفق على حكومة برئاسة رامي الحمد الله، لكن سرعان ما تعثّرت مهامها بسبب غياب التنسيق الكامل مع حماس. فهل نحن أمام سيناريو مشابه؟
الأهم من ذلك، كيف سيتفاعل المواطنون في غزة مع هذه اللجنة؟ الناس في القطاع مرّوا بسنوات من الأزمات، وباتوا ينظرون بحذر لأي محاولات جديدة لإدارة شؤونهم. أي فشل في تلبية الاحتياجات الأساسية – مثل الكهرباء، المياه، وإعادة الإعمار – سيعني أن هذه اللجنة، إن تشكّلت، لن تحظى بقبول شعبي، حتى لو ضمّت أفضل الخبرات.

4. الدور الدولي والإقليمي
وجود شخصيات ذات خبرات دولية، مثل مسؤول سابق في البنك الدولي وأشخاص من منظمات أهلية وحقوقية، يشير إلى وجود بُعد خارجي في هذا الطرح. هل نحن أمام محاولة لإيجاد إدارة تتماشى مع رؤية إعادة الإعمار؟ أم أن هناك ضغوطًا دولية لإيجاد كيان إداري يمكن التعامل معه بسهولة، بعيدًا عن التجاذبات السياسية الفلسطينية الداخلية؟
التجربة التاريخية تُخبرنا أن أي مبادرة دولية في غزة تُواجه بتحديات معقدة، خصوصًا إذا لم تكن هناك ضمانات واضحة حول طبيعة العلاقة بين هذه الإدارة والجهات الفاعلة على الأرض.

5. التحديات التي ستواجه اللجنة
حتى لو شُكلت هذه اللجنة رسميًا، فإنها ستواجه تحديات جوهرية، أهمها:
 • الشرعية السياسية: كيف سيتم الاعتراف بها، سواء فلسطينيًا أو دوليًا؟
 • التنسيق مع حماس: هل ستقبل الحركة بعملها، أم ستعتبرها محاولة لتجاوزها؟
 • الملف الاقتصادي: هل ستكون قادرة على تحريك عجلة الاقتصاد في ظل الحصار والانقسام؟
 • التفاعل الشعبي: هل ستُقبل شعبيًا أم ستُنظر إليها ككيان مفروض من الخارج؟

ختامًا: بداية مسار أم مجرد قائمة مسربة؟
برأيي، هذه القائمة قد تكون مؤشرًا على محاولات لإعادة تشكيل إدارة غزة بعد الحرب، لكنها لا تزال في مرحلة التسريبات، مما يعني أنها قابلة للتغيير أو حتى الإلغاء، بناءً على ردود الفعل السياسية والميدانية.
والسؤال الأهم الآن: هل سيتم تشكيل هذه اللجنة بالتوافق مع القوى الفلسطينية الفاعلة، أم ستكون خطوة أحادية تزيد من تعقيد المشهد؟

التجارب السابقة تجعلنا متشككين في أي حلول سريعة، لكن إن كان لهذه القائمة أن تنجح، فسيكون ذلك مرهونًا بقدرتها على التوازن بين الواقع السياسي والمطالب الشعبية.