عشرة أيام هزت سوريا

بي دي ان |

08 ديسمبر 2024 الساعة 10:09م

الكاتب
كان فجر أمس الاحد الثامن من كانون اول / ديسمبر 2024، فجرا جديدا في سجل التاريخ السوري المعاصر، حيث طوت التطورات الدراماتيكية 54 عاما ثقيلة وطويلة، كرست الديكتاتورية والطائفية والنظام الملكي بثوب جمهوري، وبقيادة حزب عربي قومي، حولته عائلة الأسد الاب والابن الى خرقة بالية جوفاء، فارغ المضامين الا من التصفيق والتهليل، وبناء الصروح والتماثيل مرة للأب حافظ، ومرة للابن بشار، وديست قيم الحزب القومية والوطنية بهتافات بلا صدى، وسياسات عرجاء وكسيحة، حتى مات الحزب قبل رحيل الأب والابن.
لم يترك نظام آل الأسد بابا مفتوحا بينه وبين الحزب والجماهير الشعبية، الا واغلقه، وحتى النوافذ سدها، رغم انه ظل يردد الشعارات القومية والوطنية، التي رددتها الأجيال السورية العربية بقناعة وحب وانتماء. لكن الرئيس حافظ الأسد، الذي حكم سوريا مع توليه منصب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع ونائب القائد الأعلى للجيش والقوات المسلحة في 21 تشرين ثاني / نوفمبر 1970، بعد ان قاد الانقلاب على الرئيس نور الدين الاتاسي، الذي وقف الى جانب الثورة الفلسطينية، ثم ما لبث (حافظ) أن أصبح رئيس الجمهورية العربية السورية، وأمين عام حزب البعث الاشتراكي (إقليم سوريا) والقائد الأعلى للجيش في 22 شباط / فبراير 1971، فأحكم قبضته على النظام باسم الطائفة العلوية، التي لا ذنب لها بسياسات آل الأسد، ودفعت ثمنا باهضا اسوة بأبناء الشعب العربي السوري، رغم استفادة قلة منها من فتات النظام.
وظل رئيسا وحاكما بأمره طيلة ثلاثة عقود طويلة، الى أن وافاه الاجل في 10 حزيران / يونيو 2000، وعلى إثر ذلك غيرت القيادة السورية الدستور لتفصله على مقاس الوريث غير الشرعي، ابنه بشار، حيث لم يكن بلغ السن القانونية لتولي الحكم، والذي حكم سوريا طيلة ال24 عاما الماضية، وللأسف لم يحد عن حكم والده، رغم انه وعد في خطابه الأول، ان يكرس نظام المؤسسات، ويعزز الديمقراطية والحوار مع المعارضة الوطنية والقومية والديمقراطية، ويفرج عن المعتقلين، لكنه ارتد بسرعة البرق الى الديكتاتورية، وقيل ان الحرس القديم من حزب البعث، هو من أقنع الرجل بالابتعاد عن شعاراته الديمقراطية، لكن "دود الخل منه وفيه"، فهو ابن ابيه، وكان لوالدته السيدة انيسة مخلوف دورا هاما فيما سار عليه.
هذا النظام المتهالك والفاسد حتى النخاع، الممسك بخناق الشعب والأرض والثروات، أغترب عن أهل البلاد، وغزلانها بسياساته القمعية والارهابية وفتح المزيد من السجون، ومصادرة مكتسبات الشعب السوري العظيم، رغم انه نجا من تداعيات الحراك الشعبي، الذي بدأ في عام 2011، الى ان أفسدته آنذاك الجماعات الإرهابية الاسلاموية: "النصرة" و"داعش" وعشرات الأسماء المتناسلة من رحم جماعة الاخوان المسلمين، بفضل العكازتين الروسية والإيرانية الفارسية، ورغم التوقيع على اتفاقية الأستانة وسوتشي، الا ان نظام بشار لم يطبق منها شيء، وعندما أعلن بنيامين نتنياهو ساعة الصفر لتدشين هجوم عصابات "هيئة تحرير الشام" في خطابه مساء الثلاثاء 28 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي، مع إعلانه عن القبول باتفاق وقف اطلاق النار مع لبنان، لم يقوى النظام على الصمود، ومع اليوم العاشر لهجوم جماعات المعارضة المدعومة من قوى الإقليم والغرب بقيادة الولايات المتحدة سقط النظام السوري، وهرب الأسد الابن الى جهة غير معلومة، وان كانت الأنظار تتجه الى موسكو، حيث نقل عائلته قبل أيام اليها.
نعم عشرة أيام هزت سوريا، وأركان نظام بشار الاسد المستبد، وطويت صفحة معقدة من التاريخ السوري الى غير رجعة ورغم أني أعتبر سقوط نظام آل الأسد محطة هامة في تاريخ سوريا الحديثة. لكني لم أكن، ولن أكون مع الطغاة الجدد، الذين لا يقلون خطورة عن حكم آل الأسد الديكتاتوري، لا بل أكثر خطورة، لأن "هيئة تحرير الشام" بقيادة أحمد الشرع "أبو محمد الجولاني"، الذي هو من صلب تنظيم القاعدة الاخواني، وهو تابع لنظام الحكم التركي، وأداة من أدوات إسرائيل والولايات المتحدة، لن يحمل الخير للشعب العربي السوري، الذي أقدر فرحته، وانتشائه بزوال نظام آل الأسد الديكتاتوري، ولكن يا فرحة لن تدوم، واستحضر هنا بيت الشاعر "دعوت على عمرو فمات فسرني ... فعاشرت أقواما بكيت على عمرو.".
أضف الى ان النظام الجديد يشكل خطرا على العديد من الأنظمة العربية وخاصة مصر والأردن، وبالتالي خطره لا يقتصر على الداخل السوري، وانما على المحيط العربي، أي كان الثوب الذي سيتلفع به، وأن غدٍ لناظره قريب.
[email protected]
[email protected]