الشهيد أحمد عبد الحليم.. نجا من صاروخٍ أصابه لكنه لم ينجو من مصيدة "نتساريم"

بي دي ان |

05 ديسمبر 2024 الساعة 10:07م

الشهيد أحمد عبد الحليم
صاروخ سقط على المسجد الرئيسي في ذاك الحي, بعد برهة، صرخ الأب منادياً: أحمد.. أحمد، لكن ابنه لم يجيبه، ثم انتبه أبا أحمد إلى أن قدمه كانت مصابة بشظية عابرة من ذاك الصاروخ،  فراح يبحث عن ولده بين فوضى الركام وهو يبكي بمرارة وألم, علّه يعثر عليه.

فجأةً.. وبعد محاولات عديدة منه ومن الدفاع المدني وأهالي الحي أخرج ولده من تحت الركام، التقطه وحضنه ثم تأمله لثوان ببلاهة.

سرعان ما راح يقفز بسعادة بين الحضور, وهو يصرخ كمجنون: أحمد مازال حي، أحمد ابني حي يرزق.
هرول والده به بخوف إلى المشفى " المعمداني" ليعالجه فلحقته والدته.

وهناك صمت الجميع وذابت ملامح الوجوه، ليخبرهم أحد الأطباء بأن الأحمد لديه نزيف بالدماغ ولم يستطع أحد آسعافه.

ثم ــ وبلحظة ــ وكأنه فقد عقله- كفكف دموعه وهو يرمق الطبيب متألماً بعينيه الحزينتين جثة ولده, علّه يجد لها كفناً يليق بها، ولكن الخطر كان يحيط به وبالجميع ولم يسمح له أن يقيم مراسم الدفن. وترك ولده بكفنه الأبيض ثم ذهب لبيته مثقلاً بالخبر الذي أدمى له قلبه.

وصل خبر استشهاد أحمد للأم الحنون فلم تصدق الخبر, فتسللت بحذر إلى المرايا في بيتها لتتأمل وجهها وهي تشهق مندهشه، ثم مسحت بكفها زجاج مرآتها غير مصدقه وبعد ثوان مسحت بكفها الأخرى دموع عيناها غير مصدقه. فلا أحد يشاطرها الحزن عن قرب، فالأحباء والأبناء نزحوا لجنوب قطاع غزة.

وبالمشفى كانت المفاجأة.. انهمر صوت عذب على مسمع الجميع، فركض أولئك الأطباء والنازحون بصخب  وخوف، وإذ بأحمد يرتل القران ترتيلا وهو فاقد لوعيه، خفق قلوب الحضور بشعور غريب، سمع الجميع صوته بكثير ٍمن الاستغراب.

‎لكن في هذه اللحظة شعروا بالفرح وابتسموا وليس أي ابتسامة، إنما هي ذاتها تلك الابتسامة، التي كانت ترتسم على وجه المعالجون عندما ينقذوا شخصاً ما، 
وبعد برهة، تذكروا أن دم أحمد قد تخثر بالدماغ, وأن المشفى يفتقر لمعدات انقاذه، ووجب عليهم نقله للجنوب.

تمت اجراءات النقل، ليكمل أحمد علاجه هناك.
وهناك بالشق الآخر من القطاع، كانت أختا أحمد "الأميره وضحى" وأخيه الأكبر أديب ينتظرونه بفارغ الصبر والشوق، وكانت الحرب كعادتها اليومية، تمارس قذائفها على مقربة من الجميع سواء بشمال القطاع أو جنوبه.

لم يأبهوا الأخوه أبداً لضجيج الانفجارات، وإنما ظلّوا لساعات ينتظروا أحمد بلا مبالاة،  وعند الحدود التي تفصل الشمال عن الجنوب، انتظر أحمد دوره لساعات عديدة، وكانت القذائف تنهمرعليه والنازحين بقوة، وكان أولئك النازحون يركضوا بصخب ٍوخوف.
‎وأثناء الانتظار المظلم، القذائف قتلت بعضهم وجرحت بعضهم الآخر, لكن لا أحد انتبه لأحد في فوضى الرعب هذه.

بعد أن اجتاز الجميع الحدود تنفسوا الصعداء.. ثم مشوا نحو الجنوب. باستثناء أحمد الذي تخطى الحدود بجسده الهزيل الميت, هذا الجسد الذي لم يستطع تحمل الانتظار والخوف والرعب، فارتقى لربه شهيداً، ورحب اخوته بجثمانه ترحيب المشتاق لحبيبه، وبوشاحٍ يغطي كل جسده باستثناء وجهه، كُفن أحمد ثم دُفن في جنوب قطاع غزة.

(الفتى أحمد عبد الحليم، 15 عاماً ، من سكان مدينة غزة، ارتقى لربه شهيداً بتاريخ 10/12/2023)