سوريا مجددا في قلب العاصفة

بي دي ان |

30 نوفمبر 2024 الساعة 11:40م

الكاتب
في كلمة بنيامين نتنياهو مساء يوم الثلاثاء 26 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي أعلن عن موافقة الكابينيت الإسرائيلي على إتقاق وقف أطلاق النار في لبنان، وجه في ذات الكلمة تحذيرا للرئيس السوري بشار الأسد، قائلا إن "الأسد يجب ان يعلم، انه يلعب بالنار." وبعد ساعات قليلة من فجر الأربعاء شنت قوات المجموعات الإرهابية بقيادة "هيئة تحرير الشام"، قوات ما يسمى النصرة سابقا، وهي من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي وجماعة الاخوان المسلمين على محافظتي ادلب وحلب، وتمكنت تلك القوات خلال الأيام ال3 الماضية (حتى مساء أمس السبت) من السيطرة على القطاع الأكبر من المحافظتين في شمالي سوريا، حيث يمكن الجزم أنه حدث تقهقر وارباك في أوساط قوات الجيش السوري، وسقوط أعداد كبيرة من القتلى والجرحى والأسرى بيد تلك القوات الإرهابية، مع أن القيادة والجيش السوري كانت لديهم معلومات مسبقة عن الهجوم المضاد من قبل تلك القوات المأجورة، والمدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والإسرائيلية والتركية، ومع ذلك بدا كأنها تفاجأت في الهجوم، ولم تأخذ الاستعدادات والاحتياطات الكافية، ولم تضع في حسبانها السيناريوهات المختلفة لمواجهة التحدي القادم رغم انها عززت قواتها في المنطقة المستهدفة.
واستباقا للهجوم الجاري منذ 4 أيام، كانت إسرائيل خلال الشهرين الماضيين، وتحديدا منذ 26 أيلول / سبتمبر الماضي ضاعفت من هجماتها على سوريا، ووفق المرصد السوري لحقوق الانسان، ومركزه لندن، نفذت 86 هجوما على الأقل، ما أسفر عن مقتل 199 مقاتلا و39 مدنيا، وهو ما يمكن اعتباره عمليات تمهيد لهجوم حلفائها من الجماعات الإرهابية بقيادة "هيئة تحرير الشام"، ونقل المعركة الى سوريا مباشرة بعد وقف أطلاق النار مع حزب الله في جنوب لبنان.
وبدأ هجوم المجموعات الإرهابية بتمهيد ناري كثيف على الشمال الغربي للمحافظتين السوريتين، بالتلازم مع اختراق لخطوط الدفاع الأولى والثانية والثالثة للجيش النظامي من الخلف، والذي ترافق مع استخدام 3 أنواع من سلاح الطائرات المسيرة للمرة الأولى في عملياتها القتالية، مما أحدث الانهيار الكبير داخل صفوف الجيش السوري، وعلى إثر ذلك تقدمت قوات "هيئة تحرير الشام" و"الجبهة الوطنية للتحرير" و"جيش العزة"، أكبر المجموعات الإرهابية ومشاركة مجموعة نور الدين زنكي ومجموعات ما يسمى الجيش الوطني السوري المدعوم من تركيا في ادلب وحلب. واعترفت أمس السبت الحكومة السورية 30 تشرين ثاني / نوفمبر الماضي بالهجوم المعادي، وانسحاب قوات الجيش النظامي من العديد من الاحياء في كلا المحافظتين، وسقوط اعداد كبيرة من القتلى والجرحى والأسرى من الجيش والأجهزة الأمنية الرسمية.
ومع تصاعد حدة الهجوم الإرهابي على الجيش السوري، والتقدم والسيطرة على مساحات واسعة من المحافظتين يصعب التكهن بحدود الهجوم، هل سيقتصر على ادلب وحلب، أم سيتمدد الى محافظة حماة، التي تمكن الارهابيون من السيطرة على بعض قراها وغيرها، أم سيقتصر على حلب وادلب وبعض حماة؟ وهل يستهدف استعادة الأراضي التي انسحبت منها بعد اتفاقية سوتشي التي ابرمت بين روسيا وإيران وتركيا في شباط / فبراير 2019، بعد انسحاب القوات الأميركية من الأراضي السورية؟ وهل لذلك علاقة برفض النظام السوري التطبيع مع النظام التركي؟ ام هو جزء من المخطط الاوسع للحلف الأميركي الإسرائيلي ومن يدور في فلكهم من دول الإقليم المتعلق بإعادة تشكيل الشرق الأوسط استباقا للتحولات الجيوسياسية العالمية، ومحاصرة النفوذ الروسي الإيراني في سوريا، لاعتقادهم ان المشهد في الإقليم بات ملائما بعد اخراج حزب الله ومعها إيران من المعركة، وفصل جبهة غزة عن جبهة لبنان ونظام الملالي في إيران، واسقاط ما يسمى "وحدة الساحات"؟ وهل لذلك علاقة بأن روسيا مشغولة بالجبهة الأوكرانية، ولن تكون قادرة على التدخل بقوة، كما حصل في أيلول / سبتمبر 2015 لدعم سوريا، الذي أدى لسيطرة النظام السوري على حلب وادلب وفتح طريق دمشق حلب عام 2016، ولتحفظ روسيا على النفوذ الإيراني المنافس لوجودها في الدولة السورية؟
من المؤكد أن هجوم المجموعات الإرهابية على سوريا فجر الأربعاء الماضي لصيق الصلة بالمشروع الاستراتيجي الأميركي الإسرائيلي وحلفائهم في الإقليم، الذي يستهدف إعادة تشكل إقليم الشرق الأوسط وفق المصالح الحيوية للغرب النيو ليبرالي واداته الوظيفية الإسرائيلية، وفرض الامر الواقع لتقليم اظافر إيران في سوريا، وتقليص النفوذ الروسي فيها، وفرض التطبيع المعلن مع حكومة نتنياهو على نظام بشار الأسد، الذي زار موسكو مع الإعلان عن الهجوم المباغت للمجموعات الإرهابية على المحافظتين لتعزيز التحالف بين البلدين، ومناقشة كيفية تقليص وجود نظام الملالي الإيراني وابعاد مجموعات حزب الله الباقية في الأراضي السورية.
من المؤكد ان نظام الدب الروسي بقيادة بوتين، رغم أية تحفظات له على الوجود الايراني، لن يسمح بتقليص نفوذه في سوريا، وبالضرورة سيشارك مع نظام الأسد الابن في صد الهجوم المضاد للمجموعات الإرهابية، وقد بدأت الطائرات الروسية في قاعدة حميميم بشن غارات على القوات المعادية لنظام بشار، ووفق ما أعتقد ان النظام السوري سيعود لطاولة المفاوضات مع نظام اردوغان التركي لتطبيع العلاقات الثنائية مقابل رفع يده عن دعم الهجوم على النظام السوري، بالتلازم مع هجوم مضاد مشترك مع روسيا الاتحادية، ولن يطول بتقديري أمد انحسار هجوم المجموعات الإرهابية على المحافظات الشمالية في حال ادار النظام السوري المعركة بحنكة، وأعاد تنظيم جيشه لشن الهجوم المضاد، بالتوافق مع ضرورة رفع بوتين الكرت الأحمر في وجه نتنياهو، وإلغاء التفاهمات غير المعلنة بينهما بشأن استمرار الهجمات الإسرائيلية على سوريا. لا سيما وان الكرملين لوح قبل نحو الأسبوعين بالتصدي المباشر للتغول الإسرائيلي على نظام الأسد. المستقبل المنظور بالضرورة سيميط اللثام عن التطورات العاصفة في سوريا، لكن من المؤكد النظام السوري برمته وعلى رأسه بشار الأسد في عين العاصفة.
[email protected]
[email protected]