ليس كل ما يتمناه نتنياهو سيدركه!

بي دي ان |

05 أكتوبر 2024 الساعة 12:04م

المشرف العام
ونحن على أبواب طي سنة كاملة من حرب الإبادة الجماعية البشعة، التي تشنها الدولة المارقة على غزة ولحقت بها الضفة الغربية، وفيما يتطلع الفلسطينيون المغلوب على أمرهم والمتروكون لمواجهة أبشع عدوان في التاريخ لوحدهم، بعد أن باتت أهم المنظمات الدولية تعاني عجزاً وشلل على الحركة والتحرك فيما يخص وقف عدوان الدولة الفاشية، ورغم محاولة رفع معنوياتها ومساندتها من قبل دول وحكومات، إلا أنها عجزت عن الفعل.
 
وفيما يأمل الفلسطينيون أن ينتهي هذا الكابوس الذي عرض ليس الفلسطينيين فحسب، بل العالم كله لصدمة، لكنهم مازالوا على أمل الخلاص والانعتاق من وحشية الاحتلال ومجازره، رغم تراجع الأمل بقوة جراء استيقاظهم على حرب مشابهة من ذات العدو، لذات شعب شقيق عزيز علينا، يمقت الحرب ولا يستحقها. 

نتنياهو الساحر الذي حطم رقما قياسيا في جلوسه على عرش إسرائيل، والذي نبذه رؤساء دول وحكومات، مازال يسير كما البلدوزر على جثث وأشلاء الضحايا في فلسطين ولبنان، في معركة تكاد تتشابه كثيرا من حيث استخدام آلاف الأطنان من المتفجرات والمدعومة أمريكيا، وعدد الشهداء الذي يتخطى العشرات يوميا بل وصل إلى أكثر من الفين شهيد وما يقارب عشرة آلاف جريح بفترة وجيزة منذ بدء ضرباته الأولى للبنان.
 
نتنياهو غير مستعجل للتفكير باليوم التالي لغزة، فهو شخص شره للحرب، دخوله للبنان بدأ وكأنه بدأ جولاته العسكرية الانتقامية "للتو". يبذل نتنياهو جهداً كبيرا ويتكلف خسائر عسكرية وإقتصادية دون أي مبالاة في سبيل توسيع نطاق المعركة، يحاول ابتزاز إيران في أكثر من حدث، تارة باغتيال قيادات حزب الله، وتارة باغتيال إسماعيل هنية على أرضها، ثم يعود ليغتال الحليف الأهم والرمز الأخطر لوكلاء إيران "حسن نصرالله"، ومن ثم أحدث زلزال آخر من خلال اغتياله الأمين العام الجديد لحزب الله "هشام صفي الدين". 

ولكن على ما يبدو أن إيران تختبىء كل مرة خلف قناعتها ورغبتها بعدم الإنجرار وراء سعي نتنياهو لزجها في معركة هي مدركة تماما حجم خسارتها بها، خاصة في ظل الاستعداد العسكري الأمريكي والغربي لدعم إسرائيل بكل ما تحتاج وما لا تحتاج من ذخائر وترسانة عسكرية لن تستطيع إيران مجابهتها مهما حدث، ولأن إيران تخلت "حين جد الجد" عن حماس وحزب الله، هي تدرك أيضاً، أنه حين تصل الأمور لنقطة الصفر، فلن تخوض روسيا أو الصين (حلفائها) حربا لأجلها، لأن في نهاية الأمر، الدول تحكمها مصالحها وليس صداقاتها، ورغم ذلك تجرأت إيران (ولو لحفظ ماء الوجه)، ووجهت ضربات لمواقع عسكرية حساسة في إسرائيل (جيفعات) في رسالة منها، أننا قادرون أن نصل للعمق في حال أضطر الأمر، مع ذلك لا يستطيع نتنياهو ضرب إيران مباشرة دون سحق أذرعها العسكرية ووكلائها بالمنطقة، فبعد تقليم أظافر حماس بغزة والقضاء على ما يقارب 70% من قدراتها العسكرية ومسلحيها، يتجه الآن نحو جنوب لبنان للخلاص من قدرات حزب الله بعد إحرازه ضربات قاتلة للصف الأول والثاني لقيادة الحزب بما فيهم رأس الهرم. 

ليس بالضرورة لنتنياهو أن ينال كل ما يتمنى فجغرافية لبنان وترسانة حزب الله لا تشبه أبدا جغرافية غزة ولا سلاح حماس، والدليل على ذلك خسارة  الجيش الإسرائيلي لعشرات الجنود من النخبة في بداية دخولهم للجنوب، مع صعوبة الاشتباكات المباشرة بينهم وبين جنود الحزب، ولربما يبدأ نتنياهو بتغيير خططه التي أعدها للدخول البري، فلا بد أن هنالك عملية "جس نبض" قوة الحزب واستعداداته ومعنوياته بعد تلقيه ضربات قاسية من خلال جملة الاغتيالات التي نفذتها إسرائيل بسهولة بالغة، مع ذلك أعتقد أن إسرائيل صحيح قضت على القيادات لكن هنالك ترسانته العسكرية باقية وكوادره التي تقدر بعشرات الآلاف.

مؤكد أن نتنياهو مُصر أن يبقى ماضيا في معركته، على أمل حسم الصراع بالمنطقة كاملا، والقضاء على كل معارضيه ومقاوميه، علها تكون المعركة الكبرى التي ينجح خلالها في رسم شرق أوسط جديد خالي الدسم من أي مقاومة، يفرض فيه اتفاقيات سلام واتفاقيات إبراهيمية أكثر، ويا حبذا لديه لو تم ترسيم حدود إسرائيل الكبرى التي يحلم بها، معتمدا على اتفاقيات السلام مع البعض، وعجز الباقي العربي لاتخاذ أي خطوة من شأنها وقف الزحف الاستعماري القديم الجديد، إضافة لانحياز العالم المنافق له، وكذلك  المجتمع الدولي. 

بكل الأحوال وأياً كان الحلم الصهيوني والقدرات العسكرية التي يمتلكها، لن تموت القضية الفلسطينية، ولن تنام تل أبيب ليلة هانئة، طالما يعيش الفلسطينيون تحت وطأة الاحتلال، مع إدراك الفلسطينيين القطعي أنهم وحدهم، وإيمانهم بحقهم الوجودي على أرضهم يشفع لهم هذا النضال والصمود والإصرار على مقارعة الاحتلال بشتى الوسائل والطرق، مؤمنا أن كل احتلال إلى زوال، وكل الإمبراطوريات الاستعمارية، مهما علا شأنها وجبروتها، مصيرها السقوط والزوال، هذه سنة الكون والثابت به التغيير.