خطيئة تصريحات مشعل

بي دي ان |

19 سبتمبر 2024 الساعة 08:55م

المشرف العام
لم تكن تصريحات خالد مشعل القيادي بحركة حماس يوم الثلاثاء 17 سبتمبر الجاري، لـ"نيويورك تايمز" بالغريبة على المواطنين في غزة، والذين هم بالأساس ضحايا قرار استفردت به حركة صاحب التصريحات، التي لم تختلف عن تصريحات فريقه بالحركة السياسية، فمشعل الذي يقول إن سبب طوفان الأقصى في السابع من أكتوبر الماضي لم يكن هدفه تحرير الأقصى، وإنما لإيصال رسالة لإسرائيل مفادها "جعل إسرائيل تدرك أن سياستها غير مستدامة"! وهذا نسف كامل لادعاءات حماس السابقة والتي ادعت فيها تحرير الأقصى. 
في ذات السياق تبرز هذه التصريحات جملة من التناقضات، كما تشكل حالة إنكار لما وصلت إليه حركته من هبوط واضح في شعبيتها خاصة لدى المواطنين في غزة والذين عاشوا ومازالوا حرب الإبادة الجماعية ضدهم بلا هوادة، مصاحبة معها ضرب المنظومة القيمية والأخلاقية بعد انتشار ظاهرة الملثمين التي تسرق المساعدات وتقتل المواطنين، وساهموا بتجويع غزة.
مشعل يصر على أن منتقديهم (قلة)، وهذا يعني أنه لا يدري ماذا يحدث وسط الخيام وفي الخيام وبين الخيام في غزة. حماس التي تخيمها الغرور كالعادة دون أي جرأة في اعتراف أي خطأ ارتكبته على مدار سنوات وجودها، أي ما قبل الحرب. 
بالتالي، لم يكن مستهجناً كثيراً اصرارها على العودة إلى حكم غزة، ولست أدري ماذا تريد أن تحكم بعد كل هذا الرماد وهذه الأشلاء ؟! لكن يبدو أن الحركة مازالت تعمل للحركة، وهذا ماصرح به موسى أبو مرزوق في تصريحه الصادم الشهير "الأنفاق لحماية عسكرنا، أما باقي المواطنين فهم ما يعادل 80% من الشعب معظمهم لاجئون ( تحميهم الأمم المتحدة)". في تصريح خطير يفصل فيه عناصره العسكرية ويرمي ظلال الحماية الكاملة لهم، في حين يترك باقي الشعب (للتواكيل). 
ولأن حماس لاترى المواطنين ولا تشعر بحالة بؤسهم وكربهم "فهم ليسوا على عجلة من أمرهم لوقف النار مع إسرائيل"، حسب تباهي خالد مشعل، وأستذكر هنا تصريح القائل ذاته، "نعترف أننا فشلنا في إدارة حكم غزة"، والإعتراف بالذنب فضيلة، وكان هذا وقت السلم، بالتالي الأولى الإعتراف بالفشل في ظل هذه النكبة، وإعادة الإعتبار ولو القليل لكرامة المواطنين والنزول عند حمايتهم ومساعدتهم بالوصول للغذاء والدواء والحماية المجتمعية في هذه المحنة القاسية، كان عليهم الكثير للتكفير ( إذا اعترفوا بالخطيئة )، أما أنهم ليسوا على عجلة من أمرهم لوقف الحرب، فهذه أظنها خطيئة أعظم من خطيئة التفرد بحياة أكثر من مليوني مواطن.
كان بإمكان حركة حماس الرجوع للخلف خطوة واحتواء المشهد بشكل وطني، وتسليم بعض الملفات خاصة ملف المفاوضات لمنظمة التحرير الفلسطينية كونها ممثل الشعب الفلسطيني ولوجود خبرة طويلة في هذا المجال، ولتكن خطوة في الاتجاه الصحيح ولو في الوقت الضائع، لإظهار  بادرة حسن نية وإرادة لعودة القرار لقيادة الشعب الفلسطيني، بدلاً من رمي القرار في أروقة قاعات إقليمية يتلقفها من له مصلحة على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته، لكن الواقع يدلل أن حركة حماس مازالت غريبة عن الشعب الفلسطيني، وليس لديها رغبة ولا نوايا لتكون يوماً جزءا من النسيج السياسي والاجتماعي الفلسطيني، وأنها في حالة انفصال تامة عنه.
أعتقد أن تصريحات خالد مشعل وما يتبنى من قناعات هي سابقة لأوانها، وعليه أن ينتظر حين تضع الحرب أوزارها، (إن وضعت قريبا) ، حينها عليه مشاهدة الأمور على حقيقتها أكثر مما يتخيل هو وحركته.