ديمقراطية الديمقراطيين ناقصة

بي دي ان |

23 أغسطس 2024 الساعة 09:29م

الكاتب
عقد مؤتمر الحزب الديمقراطي في مدينة شيكاغو، ولاية الينوي الأميركية بين الاثنين 19 والخميس 22 آب / أغسطس الحالي بحضور نحو 50 ألف شخص من الولايات المتحدة، في مقدمتهم مندبوهم في مجمع الانتخابات الرئاسية، وعددهم 3979 مندوبا، وأعضاء المؤتمر الأساسيين، ويقدر عددهم نحو 10 الاف عضو، 10% منهم من العرب والمسلمين، أي 1000 عضو. ومن مفارقات هذا المؤتمر انعقاده قبل 56 عاما بالضبط في ذات المدينة، والذي كانت نتائجه كارثية على الحزب، حيث قامت شرطة شيكاغو بضرب المتظاهرين والمحتجين على حرب فيتنام في الشوارع، ما تسبب بخسارة مرشحهم آنذاك هيوبرت همفوي أمام الجمهوري ريتشارد نيكسون الجمهوري. ومفارقة أخرى، ان ولاية الينوي ومدينة شيكاغو تحديدا فيها أكبر تجمعين لاتباع الديانة اليهودية، وأحد معاقل الصهيونية، وفيها أكبر تجمع للأميركيين من أصول فلسطينية.  
وما اشبه اليوم بالبارحة حيث قامت شرطة شيكاغو وولاية الينوي بملاحقة المتظاهرين والرافضين سياسة الحزب تجاه الإبادة الجماعية في غزة، المطالبين بوقف الحرب، ومنح الشعب الفلسطيني حقوقه السياسية، ووقف ارسال السلاح والمال لإسرائيل، ووقف الدعم السياسي والقانوني والإعلامي لها. وقد تعرض اعداد كبيرة من المحتجين على الحرب القذرة للضرب والاعتقال، مما فاقم من حدة الانتقادات لتوجهات الحزب الديمقراطي. لا سيما وان الكثير من المسؤولين الديمقراطيين أعربوا عن قلقهم المتزايد من تعهد الجماعات المؤيدة للفلسطينيين بتنظيم المظاهرات (التي تمت بالفعل) خارج مقر المؤتمر الرئيسي، وانعكست سلبا على أجواء المؤتمر.
ومما زاد الطين بلة، أن المشرفين على تنظيم المؤتمر وكلمات المندوبين رفضوا طلب متحدث أميركي فلسطيني بعد يوم واحد فقط من عرض والدي رهينة أميركي إسرائيلي محتجز لدى أذرع المقاومة، مما ضاعف من حدة الانتقادات في أوساط بعض اليساريين. مع ان أحد المنظمين للمؤتمر التقى بممثلي الاميركيين الفلسطينيين والعرب والمسلمين، ووعدهم بمنح ممثل أميركي فلسطيني الفرصة لإلقاء كلمة امام المؤتمر. بيد انهم نكثوا بالوعد، نجم عن ذلك زيادة سخط وغضب المؤيدون للشعب الفلسطيني. وكان اتحاد عمال السيارات القوي سياسيا، والذي أيد الحملة الرئاسية لنائبة الرئيس كمالا هاريس، طالب بالسماح ل"متحدث أميركي فلسطيني بالظهور من منصة المؤتمر الوطني الديمقراطي." وذكر على موقعه في منصة إكس " إذا أردنا أن تنتهي الحرب في غزة، فلا يمكننا أن نضع رؤوسنا في الرمال أو نتجاهل أصوات الأمريكيين من أصل فلسطيني في الحزب الديمقراطي"..
غير ان القائمين على المؤتمر لم يصغوا لما تم الاتفاق عليه، ولا للأصوات المنادية بالسماح لممثل الاميركيين الفلسطينيين بمخاطبة مندوبي المؤتمر. لان صوتهم "صار مخيفا، وصمتهم بالإسكات مقلقا". حتى بات تعامل إدارة بايدن مع الحرب على قطاع غزة نقطة خلاف داخل الحزب، مما دفع بعض المندوبين الى البقاء مع "غير الملتزمين" بدعم هارس.
وأعرب زعماء الحزب الديمقراطي عن خشيتهم وتحفظهم من أي خطاب يتناول الحرب على القطاع من شأنه ان يهز الوحدة التي كانت حاضرة طوال فترة عقد المؤتمر، باستثناء اليومين الأخيرين منه. ولم يعر قادة الحزب اهتماما للصوت الأميركي الفلسطيني، مع أن المؤتمر المنعقد في شيكاغو، التي تضم مقاطعة كوك وفيها أكبر عدد من الاميركيين الفلسطينيين في الولايات المتحدة. ومع ذلك، لم يتزحزح الحزب وتجاهل الديمقراطي البارز في مجلس الشيوخ، تشاك شومر التأثير السياسي المحتمل للاعتصام خارج المؤتمر. وقال امام مجموعة صغيرة من الصحفيين يوم الخميس الماضي قبل الجلسة الختامية، لقد قلت " التزموا الصمت إن لم ترغبوا في انتخاب ترامب." مكررا كلمه سابقة لهاريس امام تجمع انتخابي قاطعها مرات عدة اثناء القاء خطابها أمامه.
وكان عباس علوية، وهو مندوب من ميتشيغان، وزعيم الحركة الوطنية غير الملتزمة، قال في مقطع فيديو "إن هاريس والرئيس بايدن وفريقهما على علم بطلب المندوبين غير الملتزمين بوجود متحدث أميركي من أصل فلسطيني في المؤتمر الوطني الديمقراطي." واقترحت الحركة الوطنية غير الملتزمة أسماء متحدثين منهم، عضو مجلس النواب عن ولاية جورجيا رواء رمان، وعضو مجلس النواب عن ولاية الينوي عبد الناصر رشيد، والدكتورة تانيا الحاج حسن، طبيبة رعاية الاطفال التي عالجت المرضى في غزة. ومع ذلك لم يسمح لأي منهم بإلقاء كلمة في المؤتمر. وأضاف علوية "بعد مفاوضات مع الحزب قيل لهم: لا ". وتابع "نحن نعتقد ان هذا هو الحزب الذي ينبغي لنا فيه إسكات صوت الناس، حتى عندما تكون بيننا خلافات حول السياسة"، ما أدى الى تنظيم المندوبين والحلفاء غير الملتزمين اعتصاما احتجاجيا خارج المؤتمر مساء يوم الأربعاء الماضي.
وقالت مجموعة النساء المسلمات: "إن هذه رسالة فظيعة يتم توجيهها الى الديمقراطيين، وان الفلسطينيين لديهم الحق في التحدث عن فلسطين؟" كما ذكرت الحركة الوطنية غير الملتزمة على موقعها على الانترنت: "لا نستطيع ان نتحمل ترك هذه القاعدة تشعر بخيبة الامل او النفور الدائم في تشرين ثاني/ نوفمبر القادة" موعد الانتخابات.
بالنتيجة نخلص الى نتيجة، ان الحزب الديمقراطي غير ديمقراطي، او يعتمد ديمقراطية انتقائية مشوهة، بعيدة عن الديمقراطية الحقيقية، وتتنافى مع ابسط حقوق الانسان في حرية الرأي والتعبير، حيث لا يسمح داخل أروقة المؤتمر، الذي يفترض انه الساحة الديمقراطية الارحب، التي تسمح لجميع المندوبين بالتعبير عن مواقفهم، بغض النظر عن اية خلافات بين مكوناته وخلفياتهم. لكنها الديمقراطية الأميركية العرجاء والمشوهة.
[email protected]
[email protected]