أجواء إيجابية... !

بي دي ان |

22 أغسطس 2024 الساعة 04:12م

أما بعد أصابتني نوبة ضحك لاإرادية عندما رأيت منشورا أنزله أحد الأصدقاء على facebook بعدما أطلق بايدن تصريحه عن الأجواء الإيجابية التي تسود محادثات الدوحة يقول فيه "الكوكب عليه 8مليار و 200 مليون نسمة؛ بايدن هو الشخص الوحيد المتفائل بالصفقة" ليس غريباً أن تتحول مواقف أحد أكبر دبلوماسيي العالم وقادته ورئيس دولة عظمى كالولايات المتحدة الأمريكية إلى نكات يتداولها الناس خصوصاً بعدما باتت مفهومة أو" مفقوسة" بالعامية البحتة.
نحن هنا في قطاع غزة لا يعنينا ما يحدث من مفاوضات فوق الطاولة أو حتى تحت الطاولة فكلاهما سيّان؛ الشيء الذي يعنينا فقط مواقف بناءة وعملية توقف الحرب فوراً دون مناورات سياسية غرضها الوحيد مزيد من إراقة الدماء في غزة.
بات لا يخفى على أحد ان ما يحدث خلف كواليس المفاوضات بحجة محاولات لتقريب وجهات النظر بين فريقي التفاوض لا يتعدى مناورات أشبه بمطاردات القط والفأر في المسلسل الكرتوني الشهير توم آند جيري وإذا أردنا تتبع التصريحات التي تواردت عبر وسائل الإعلام حول محادثات الدوحة الأخيرة سنجدها غير مستقرة، ويعتريها التردد، وكثير منها متضارب فمثلا صرح بايدن:" نحن أقرب من أي وقت مضى لإبرام الصفقة، ولا ينبغي لأحد في الشرق الأوسط تقويض التوصل إلى وقف إطلاق نار، وإطلاق سراح الرهائن"، في حين أوردت رويترز عن قيادي في حماس" الإدارة الأمريكية تحاول إشاعة أجواء إيجابية كاذبة، وليست جادة في وقف الحرب".
في نفس الوقت نشرت يديعوت عن مسؤول أمريكي كبير" لا تأخذوا تصريحات حماس العلنية على محمل الجد وما يعلنون عنه عبر الإعلام لا يعكس حقيقة ما يجري في غرف المفاوضات".
وعن قناة كان" نتنياهو اجرى مشاورات سياسية بشان كيفية تمرير الصفقة داخل الائتلاف"،  وفي المقابل يديعوت عن مسؤول أمني إسرائيلي" إسرائيل تسلمت المقترح الأمريكي وهو غير مقبول تماما بالنسبة لنتنياهو، ومن المؤسف خداع مواطنينا بالأوهام ، ولا نؤيد المبالغة بالتفاؤل في المفاوضات". ما سبق فقط جزء من عشرات التصريحات المتعارضة والواضح انها بعيدة كل البعد عن إمكانية الإتفاق على رأي محدد بين أيٍّ من أطراف التفاوض.
  ما يجري من تخبط في المواقف السياسة مؤخرا أفقدنا الثقة في كل القرارات السياسية وإن بدت جديّة في ظاهرها فمثلا عند إمعان النظر في البيان الذي صدر عن وسطاء التفاوض الثلاثة " قطر ومصر والولايات المتحدة الأمريكية" بعد محادثات الخميس الماضي في قطر والذي أكدوا فيه على أنّ حكومات الدول الثلاثة ستجتمع مرة اخرى نهاية الأسبوع الحالي لمحاولة التوصل إلى اتفاق وفقا للشروط المطروحة والتي تتوافق مع المبادئ التي وضعها بايدن في 31 مايو 2024، و قرار مجلس الأمن رقم 3735 حيث قال قادة الدول الثلاث الأسبوع الماضي" لم يعد هناك وقت لتضييعه، ولا أعذار يمكن ان تُقبل من اي طرف لتبرير مزيدا من التأخير؛ لقد حان الوقت لإعادة الرهائن، والمحتجزين وتنفيذ وقف إطلاق نار فوري"، " الآن أصبح الطريق ممهدا لإنقاذ الأرواح، وتقديم الإغاثة لشعب غزة، وتهدئة التوترات الإقليمية" ماسبق يبدو أنه جدّي في ظاهره ويعطي آمالا بقرب انتهاء الحرب لكن إذا أردنا التمعن في مضمونه حتما سيخطر في بالنا أسئلة جوهرية أهمها: لِمَ الآن أصبح الطريق ممهداً لوقف إطلاق النار وإنقاذ الأرواح؟ لماذا لم يكن ممهداً قبل عشرة شهور مثلا؟ وستكون الإجابة كالتالي:- من المؤكد أن  أمريكا تريد مفاوضات وفق أجندتها المتفقة مع مطالب الحكومة الإسرائيلية التي تريد نصراً بأي وسيلة كانت فكان لابد من اتخاذ التدابير اللازمة، والمتمثلة في ضغط عسكري، ونفسي كبيرين لإرهاق المقاومة، وإرباك جبهتها الداخلية، و محاولة ضربها في مقتل من خلال ممارسة الإبادة بحق المدنيين، وتدمير جميع مؤسسات المجتمع المدني في غزة، وبالتالي فهم يرون  أن قطاع غزة الآن في أسوأ حالاته، ويمر بظروف كارثية ممكن ان تجعل منه بيئة سهلة لكسب التنازلات لصالح نتنياهو وحكومته وإظهاره في صورة المنتصر،  هذا من جهة ومن جهة أخرى الضغط باتجاه توظيف الدور القطري المصري، وتحويله من دور وسيط إلى دور شريك لممارسة مزيد من الضغط على المقاومة. ومما لا شك فيه أيضا أنّ البيت الأبيض لا يريد توجيه ضربة إنتقامية  لإسرائيل من قِبَل إيران، أو محور المقاومة و إدخال المنطقة في حرب إقليمية تجبر الولايات المتحدة على المشاركة فيها باعتبارها حليفاً استراتيجياً لإسرائيل خصوصاً قبيل الإنتخابات الأمريكية المزمع عقدها في نوفمبر القادم، لذلك فإن الإدارة الأمريكية ترى أنّ الوقت قد حان لإبرام صفقة. ما سبق من إجابات على أسئلتي ولّد اسئلة أخرى؛ هل سيتحقق ما نظَّرت له الولايات المتحدة على صفحات أجندتها؟ وهل ستقدم المقاومة مزيدا من التنازلات على حساب ما يزيد عن 50000 شهيد، وأكثر من مئة ألف مصاب، وتدمير مجتمع بأكمله؟ هل ستوافق على مقترح أمريكي جل بنوده تصب في مصلحة الحكومة الإسرائيلية؟ لا أظن أنّ المقاومة ستقدم تنازلات لأنها لو أرادت لفعلت ذلك في اول فرصة مفاوضات سنحت لها، وبالتالي سيرفض نتنياهو وحكومته القبول بصفقة دون تنازلات تقدم له النصر على طبق من ذهب، و هكذا دواليك. وسيبقى سؤالا  لا أعتقد أن له إجابة مقنعة، عن أيِّ إيجابيةٍ يتحدث بايدن؟!