حجر الرحى في الخطاب

بي دي ان |

17 أغسطس 2024 الساعة 11:08ص

الكاتب
القى الرئيس محمود عباس خطابا هاما ونوعيا، حمل في طياته موقفا شجاعا وحكيما امام قبة البرلمان التركي اول أمس الخميس 15 آب/ أغسطس الحالي بحضور الرئيس رجب طيب اردوغان ورئيس وأعضاء مجلس النواب جميعا وأعضاء السلك الديبلوماسي الأجنبي في الجمهورية التركية.
وجاءت زيارة الرئيس عباس، والقاء خطابه الهام تلبية لدعوة رئيس البرلمان التركي، نعمان كورتولموش، التي وجهها له في اعقاب المسرحية الهزلية، والهمروجة المفتعلة لكلمة نتنياهو امام قبة الكابيتول وبمشاركة أعضاء المجلسين: الشيوخ والكونغرس الأربعاء 24 يوليو الماضي، وتكمن أهمية الدعوة لإلقاء الخطاب في استثنائية الجلسة، وحضور أعضاء البرلمان لها، رغم أنهم في إجازة البرلمان الصيفية، ومشاركتهم جميعا فيها، والترحيب والتصفيق الحار والصادق من النواب بمواقف رئيس الشعب الفلسطيني ومواقفه الشجاعة.
وهذا الموقف الإيجابي لرئيس البرلمان كورتولموش، جاء انسجاما مع مواقف الرئيس اردوغان والشعب التركي وقواه ونخبه السياسية عموما، الداعمة لحقوق الشعب العربي الفلسطيني، والمؤيدة للعدالة الإنسانية والسياسية والقانونية، والرافضة للنازية الاستعمارية الإسرائيلية المدعومة من الولايات المتحدة الأميركية والغرب الأوروبي عموما ومن يدور في فلكهم من قوى الإقليم. وهذا ما ثمنه الزعيم الفلسطيني في سياق خطابه الهام، حيث أكد على الدعم المباشر وغير المباشر للنظام السياسي التركي للشعب الفلسطيني الواقع تحت هول وفظاعة ووحشية الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، رغم مرور 315 يوما نتاج الفيتو الأميركي، واستباحة مجلس الامن الدولي، وحماية إسرائيل من المحاسبة.
ومن أهم وأبرز وأشجع المواقف التي أعلنها رئيس منظمة التحرير الفلسطينية في خطابه، والتي شكلت حجر الرحى فيه، هو إعلانه التوجه الى قطاع غزة مع اركان القيادة الفلسطينية والأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، بعد ان تؤمن الأمم المتحدة وخاصة مجلس الامن الدولي وصول الوفد الفلسطيني للقطاع، وتامين سلامتهم. كما دعا الزعماء العرب للمشاركة في الزيارة لمؤازرة الشعب الفلسطيني، وتضميد جراحه، ولفرض وقف الإبادة الجماعية على أبناء الشعب، وتعزيز صمودهم وتجذرهم في أرض الوطن الفلسطيني بعد الانسحاب الإسرائيلي الكامل من محافظات الجنوب الفلسطينية.
وهذا الموقف النبيل، الذي أكده عباس في لحظة سياسية وكفاحية مهمة من نضال الشعب الفلسطيني، عكس إصراره على تحقيق العديد من الأهداف، وارسال رسائل عديدة للعالم اجمع، منها أولا التأكيد ان أرواح الرئيس أبو مازن وأركان القيادة الفلسطينية ليست أغلى من أرواح الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، الذين بلغ عدد الشهداء منهم أكثر من 40 الفا، وعدد الجرحى فاق ال92 الفا، غير المفقودين تحت الأنقاض ويفوق عددهم ال10 الاف شهيد؛ ثانيا لتكريس التلاحم بين القيادة والشعب. التي لم تنفصم عراها يوما، رغم الهنات والمنغصات التي نجمت عن ال17 عاما الماضية من الانقلاب الحمساوي على الشرعية الوطنية. لا سيما وان الجميع يقف في ذات الخندق المتقدم لمواجهة الفاشية الإسرائيلية المنفلتة من عقال القوانين والمواثيق والمعاهدات الدولية؛ ثالثا الإصرار على المضي قدما في خيار الوحدة الوطنية، وكسر حالة الجمود والمراوحة طيلة السنوات الماضية، وتجاوز لغة البيانات السياسية الصادرة عن لقاءات صنعاء والقاهرة والدوحة والشاطئ والجزائر وموسكو وبكين، ومد اليد الرئاسية والوطنية عموما لحركتي حماس والجهاد الإسلامي لتعميد قواعد الشراكة السياسية مع الكل الفلسطيني تحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد للشعب؛ رابعا التأكيد على أهمية ومركزية تجسيد الوحدة الوطنية في تعزيز وتعميق عوامل الصمود في مسيرة الكفاح الوطني التحرري، باعتبارها الرافعة الأساسية لمواجهة التحديات الصهيو أميركية، ورفض عوامل التفتيت والتمزيق والفتن الداخلية؛ خامسا حماية المصالح الوطنية العليا، والتقدم بثبات نحو أهداف الحرية والاستقلال والعودة وتقرير المصير؛ سادسا رفض وجود اية قوى محلية مثل روابط القرى، أو غيرها في قطاع غزة؛ سابعا تعميق ما تضمنه خطابه، بأن القطاع جزءا أصيلا لا يتجزأ من الوطن الفلسطيني، ولا يمكن السماح تحت أي اعتبار فصله عن محافظات الشمال وفي مقدمتها القدس الشرقية، العاصمة الأبدية للدولة الفلسطينية؛ ثامنا الاستعداد من خلال الحكومة الفلسطينية الواحدة، الممثلة للكل الفلسطيني وتحت راية منظمة التحرير الفلسطينية، الممثل الشرعي والوحيد على إعادة إعمار ما دمرته الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية من خلال تضافر الجهود الفلسطينية والعربية والإسلامية والعالمية، وكنس كل ملمح للاستعمار النازي الصهيوني عن ارض الوطن والدولة الفلسطينية ومحافظاتها ومدنها وقراها ومخيماتها.
خطاب الرئيس عباس حمل الكثير من الرسائل للأشقاء العرب والدول الاسلامية والأصدقاء الامميين عموما في ارجاء المعمورة، ولهذا وجب اعتباره وثيقة هامة من وثائق منظمة التحرير، وهو ما يستدعي عقد المجلس المركزي للمنظمة فورا وفي أقرب الآجال لتدارس الواقع واشتقاق الرؤية البرنامجية السياسية والتنظيمية والكفاحية التي تتواءم مع طبيعة المرحلة الراهنة من الصراع.
[email protected]
[email protected]