رغم قسوة الحرب..

الطالب "حمزة الكحلوت" يُحلق في سماء النجاح والتفوق

بي دي ان |

30 يوليو 2024 الساعة 11:02ص

مهما بلغت حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة من قسوة وشدة، ورغم حجم الألم والوجع والدمار والأرواح التي تُزهق والمرض والجوع، وكل المآسي، يبقى الأمل يترعرع في نفوسنا كثقب صغير منسي في مساحة ظلماء يتسرب منها النور ليعيد لنا الحياة، وليؤكد أن الفلسطيني كطائر العنقاء يخرج من تحت الرماد فارشاً جناحيه ليحلق في سماء النجاح والتفوق.

حمزة الكحلوت (19 عاماً) أحد الطلبة الذين حلقوا في سماء التفوق، وجسدوا قوة الإرادة والعزيمة لتحقيق الهدف، بعد أن تمكن من التقدم لامتحان الثانوية العامة "التوجيهي" في مصر، والحصول على معدل 96.3%، بالفرع الأدبي، رغم كل ما شهده من ظروف قاسية بفعل الحرب الإسرائيلية المتواصلة على قطاع غزة منذ السابع من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.

" قبل بداية العام الدراسي 2023 – 2024م، بدأ حمزة يستعد لهذه المرحلة المهمة في حياة كل طالب، وحرص خلال العطلة الصيفية على جمع المذكرات والكتب من معارفه الذين كانوا على مقاعد الدراسة في العام السابق، ووضع خطة الدراسة، لكن جاءت الأمواج بما لا تشتهي السفن، وبدأت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة بعد مرور شهر على بداية العام الدراسي، شعر حينها بالخوف والقلق على مصيره وعائلته، فدوي الانفجارات والغارات المتواصلة، وأصوات القذائف مرعباً، وكل المؤشرات تؤكد أنها هذه الحرب ستكون مسعورة".

"ومع إعلان جيش الاحتلال بضرورة إخلاء مدينة غزة وشمالها من السكان والتوجه إلى الجنوب، اضطر للنزوح من منطقة تل الهوا غرب مدينة غزة، وترك كل شيء خلفهم، وأخذ بعض الحاجات الأساسية البسيطة، ورغم ذلك كان لديَه إصرار كبير بأخذ حقيبته المدرسة وكافة الكتب والمذكرات التي قام بجمعها خلال العطلة الصيفية".

توجه حمزة وعائلته إلى مدينة رفح جنوب القطاع، وتمكنوا من الإقامة لدى أحد الأقارب، والمعاناة كباقي أبناء القطاع من النزوح المتكرر وقلة توفر الطعام والشراب، عدا عن عدم الشعور بالأمان فكل مكان مستهدف وغير آمن.

قرر والد حمزة رغماً عنه مغادرة القطاع، والانتقال إلى جمهورية مصر، وبدأت معاناة جديدة في توفير السكن وكل ما يحتاجه البيت وأفراد عائلته، إلا أن الخوف والقلق بقي سيد الموقف، ومعظم الوقت يتم قضاؤه في متابعة الأخبار وتطورات الأحداث، واستمر الحال على ما هو عليه حتى أعلنت سفارة فلسطين بالقاهرة، إمكانية أن يقوم طلبة غزة بالتسجيل والتحاق بامتحان الثانوية العامة شأنهم شأن الطلاب في الضفة الغربية، وأن يتم متابعتهم من خلال فريق مختص من وزارة التربية والتعليم، والسفارة بالقاهرة". 
يتابع حمزة:" لم يكن الأمر سهلاً فليس لديَ أي خلفية عن المناهج، ولا يوجد مدرسين، ولا مدارس، وحتى الوقت المتبقي لا يسمح بالمراجعة، ومع ذلك كان لديّ تحدي حقيقي، كيف سأجتاز الامتحانات، وكيف سأنجح، ولم استسلم، ووضعت خطة الدراسة حسب الوقت المتبقي".

"لكن سرعان ما سيطر الحزن والخوف والألم على نفسي بعد قيام طائرات الاحتلال الإسرائيلي باستهداف منزل يقيم فيه عائلتي واستشهاد 35 فرداً غالبيتهم من الأطفال والنساء، ومنهم عمتي وأولادها، لم يكن الخبر هيناً، ولم يكن وقعه سهلاً، وبقيت على هذا الحال لأكثر من أسبوعين، ومع ذلك لم أترك اليأس يتسلل لقلبي وعقلي".

"توكلت على الله وعدت للمذاكرة من جديد، إلا أن القدر لم يمهلني كثيراً حتى علمت من أحد الأصدقاء باستشهاد صديق طفولتي يزن العجل الذي استشهد برصاص قوات الاحتلال الإسرائيلي مع أحد أصدقائه في منطقة الزهراء وسط القطاع أثناء محاولته العودة إلى منزله، وهنا لم أستطع السيطرة على نفسي، وعشت لحظات مؤلمة ومبكية قبل أن أستعيد توازني من جديد".

وبدأت أتذكر كيف كنا نخطط ونرسم ونحلم سوياً على مدار أكثر من ثمان سنوات بالمستقبل المشرق الذي ينتظرنا، وحينها قررت أن أهيئ كل الأجواء وأن أجتهد وأثابر حتى أحقق هذا الحلم الذي طال أنتظره، وحتى أفي بوعدي لصديق الطفولة، كنت أصل الليل بالنهار، وبدأت بالبحث عبر يوتيوب عن شروح سابقة لمختلف المواد، حتى تم الإعلان عن الدراسة عبر الإنترنت مع معلمي الضفة الغربية، حيث حرصت على حضورها، والمراجعة أولاً بأول".

"جاء موعد امتحانات الثانوية العامة وفي القلب غصة كبيرة فزملائي وأصدقائي في غزة حرموا قسراً من المشاركة في الامتحانات، وخسروا عاماً دراسياً بفعل الاحتلال الإسرائيلي وحربه على القطاع منذ أكثر من 9 أشهر، فلم يتمكن 39 ألف طالب وطالبة من التقدم لامتحانات "التوجيهي"، إما بسبب ارتقاء المئات منهم ضحايا، أو لانقطاعهم عن التعليم بفعل الحرب وما تسببت به من تدمير شامل لبنية العملية التربوية".

يقول بفخر واعتزاز :"لم تكن الامتحانات سهلة، فقد أجمع معلمو المدارس الثانوية بأن هناك امتحانات هي الأصعب منذ 10 سنوات، ولم يكن هناك أي تفضيل لطلاب غزة عن الضفة الغربية، ومع ذلك وبفضل من الله، وبدعم كبير من أسرتي تمكنت من التفوق والحصول على هذا المعدل، وكنت أتوقع أن أحصد أكثر من ذلك، ولكني سعيد بهذا الإنجاز رغم كل الظروف القاسية التي مررت بها".

ويطمح حمزة باستكمال دراسته الجامعية في الجامعات المصرية في تخصص القانون الدولي للدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني، وهو التخصص الذي أحبه وأراده منذ الصغر، موجهاً رسالة لطلبة الثانوية العامة الذين حرموا من التقدّم لامتحان الثانوية العامة هذا العام، ستنتهي الحرب، وستكونون على موعد مع الفرح وتحقيق الأحلام، وبالإرادة والتصميم ستصلون إلى الهدف المنشود.

وأعلنت وزارة التربية والتعليم نتائج الثانوية العامة للعام 2024، واستثنت طلاب غزة، وهي المرة الأولى في تاريخ التعليم الفلسطيني حيث انطلقت امتحانات الثانوية العامة "التوجيهي" في فلسطين دون قطاع غزة، كنتاج طبيعي لتوقف العملية التعليمية بكل مراحلها، وتحويل كل المدارس إلى مراكز إيواء وتشرذم العائلات والمعلمين.