?>

في خضم الحرب الشرسة شمال غزة.. "آلاء محسن" أيقونةٌ بالصمودِ وعظيمةٌ بالتحمل

بي دي ان |

19 يوليو 2024 الساعة 10:43م

صورة من الحدث
معاناة ٌمضاعفة وآلالامٌ مستمرة، وواقع ٌمرير يعيشه النساء الحوامل في قطاع غزة المنكوب بالحرب، وخاصة في شماله. 
 
سيداتٌ حوامل يعانين آلام النزوح وفقدان الرعاية الطبية والتغذية الصحية، وأخريات يلدن بعمليات قيصرية دون تخدير كافٍ، وبعضهن يلدن بمراكز إيواءٍ قذرة ومكتظة، وخيامٍ باردة، ومنهن من تنتظر دورها للميلاد و تأمل أن تقف الحرب قبل وقت ولادتها

الشابة الفلسطينية ألاء أنور محسن، "26 عاماً"، من سكان غرب غزة تحديداً " منطقة الشيخ رضوان "، كانت أحد النساء الحوامل التي لم تظفر برؤية مولودها البكر إلا بعد مرور أشهر عديدة من حرب الإبادة الجماعية على القطاع. 
 
السيدة محسن كانت تنتظر بشغف ولهفة لحظة ضم فلذة كبدها "ناهض" بين أحضانها مع أولى لحظات ميلاده، دائما كانت حريصة على إجراء المتابعة الطبية الدورية منتظرة موعد ولادتها، حيث كانت تتابع دقات قلب جنينها البكر بشغف، ومراحل تكوينه عبر أجهزة السونار الحديثة وكانت عائلتها بل وعائلة زوجها ينتظرون قدوم المولود الجديد بفرحة غامرة .
 
وبحسب ماروته آلاء :" كنت أنتظر جنيني بشغف وسط تحضيرات رائعة لاستقباله لكن في غزة الوضع فيما بعد أصبح مختلف؛ انتظاره وولادته تحولت لكابوس يؤرقني نهارًا وليلًا؛ في ظل الحرب الإسرائيلية المستمرة." 
 
وتضيف محسن ،:" فأنا أُجبرت على النزوح من منزلي غرب غزة بليلة السابع عشر من أكتوبر الماضي، مخلفةً ورائي بيتنا وذكرياتنا، البيت الذي عشت فيه مع زوجي مدة عام واحد فأنا تزوجت مؤخراً وعند نزوحنا لبيت أقاربي جنوب القطاع ، كنت بذات الوقت حامل بالأشهر الأولى،ولكن عدت بعد أيام من نزوحي للجنوب لشمال القطاع ظناً مني أن حرب الابادة الجماعية ستتوقف حينها"  

وتتابع آلاء :" وعندما عدت للشمال مكثت بمنزل عائلتي لأن منزلي قد قصف بالفعل وظننت أنني سأجد هناك مكان آمن يأوينا من القصف المستمر والرصاص الجوي الإسرائيلي المتواصل على المدينة، بتنا لوقت طويل مع عائلتي ، لكن ما إن اقترب الخطر ، نزحنا من البيت معهم لمكان آخر بسبب الهجوم الوشيك على الأحياء الشرقية للمدينة من قِبل جيش الاحتلال." 
 
وتكمل حديثها :"بالنسبة لي كوني، حامل وبالشهر السابع كنت عندما اضطررت للنزوح، تطلبت كل خطوة مني جهداً بدنياً كبيراً، إذ كنا ننزح مشياً على الأقدام وإذ كانت أقراص الحديد والفيتامينات اللازمة لحملي قد نفذت بالفعل وكنت أشعر بالقلق الشديد لأن ذلك يؤثر على حركة جنيني، وهذا زاد الألم وفقدت وزني بسبب المجاعة والفقر المنتشر بشمال القطاع"
 
وتوضح محسن أن النزوح والتشرد من مكان لآخر تحت نيران الاحتلال رحلة محفوفًة بالمخاطر بالنسبه للحامل وذلك لعدم وجود أطباء لإستشارتهم، ،لافتةً إلى جيش الاحتلال لم يتوان في حرب إبادته الجماعية عن قصف واقتحام المراكز الصحية والمستشفيات، واستهداف المرضى، والطواقم الطبية، واعتقالهم مما جعل الوضع غاية في الصعوبة.
 
وتبين أن خدمات الرعاية الطبية للحوامل قد توقفت في شمال غزة عن الخدمة، ولقد أصبح على النساء الحوامل تحمل مشقة البحث عن طبيب أو مكان للولادة.
 
وتؤكد أن اجراء الفحوصات الطبية اللازمة للأم والجنين أصبح في هذه الأيام درباً من دروب الرفاهية وفقاً لما قاله لها أحد الأطباء عندما طالبته بتصوير جنينها والاطمئنان عليه. 
 
وتصف آلاء رحلة نزوحها ومعاناتها:"بعد شهر تقريبًا وبعد انسحاب الجيش من الحيّ، عودنا إلى البيت وكانت المنطقة مازالت ضمن مربع الخطر وفجأه بعد يومين بدأت تتساقط القذائف، على البيوت من حولنا " 
 
وتواصل سرد الأحداث قائلة:" حينها اضطررت انا وزوجي فقط إلى النزوح بعد ذلك الخطر لجأنا لمجمع الشفاء، "المجمع الذي اتخذوه الأهالي مركزاً للايواء بعد حرقه وتدميره من قِبل الجيش"، وكان يفتقر المجمع ومحيطه لأدنى مقومات الحياة من ماء وطعام وغيره، وقتها لم استطع أكل الطعام لمدة طويلة فلقد كنت اكتفي بعلبة اندومي واحدة يومياً" 
 
وهنا، توقفت محسن عن الحديث وأجهشت بالبكاء، ثم استكملت أنه :" وبالوقت ذاته كنت انتظر مكالمة واحدة أطمن بها على عائلتي التي رفضت آخر النزوح معها نظراً للمعاناة المتواصلة لكنّ الشبكة معطلة، وبيوم ما وقفت أمام شباك المبنى المتواجده به ودعوت ربي أن يطمئنني على عائلتي، واذ ما انهيت دعوتي إلا استجيبت، جاءني أحدهم يخبرني بأن لي أقارب تعرضوا للقصف الصاروخي وعليً أن أتوجه للمبنى السفلي، وحينها وجدت بنات أخي قد استشهدوا وأصيب الأغلب من عائلتي وقلت حينها بأن بيت العائله سقط حتمًا ولكن حمدا لله أنهم مازالوا أحياء وبخير" 
 
وتتابع موضحةً:"مكثت هناك لشهرين متتابعين، دون طعام صحي او متنوع، إلى أن حاصرت الدبابات المجمع للمرة الثالثة، وبدأنا نسمع تهديدات جيش الاحتلال بقصف المكان، وسط عويل النساء وصرخات الأطفال ففقدت الوعى لساعات، وحينما استفقت وجدت الجميع يهرع بكل اتجاه؛ هربًا من نيران المدفعيات التي تمطر علينا وابل من القنابل الحارقة، فى مشهد أشبه بيوم القيامة، وبصعوبة بالغة خرجت ومعى زوجي، فقطعت عدة كيلومترات مشياً على الأقدام، عائدين إلى بيت عائلتي الذي قد استهدف جزء منه من قبل" 

 وتشير آلاء أن "موعد ولادتي اقترب جداً، وصلنا لمكانٍ لعلنا ننجو ونجد الأمان، ومع استمرار الغارات الصاروخية وصوت المدافع ورصاص الطائرات الإسرائيلية، وعناء النزوج من مكان لآخر، في ليلة ما وضحاها جاءني المخاض، لكن الخوف كان يحاصرني من كل جانب، ذهبت وزوجي وأخي لمجمع الصحابة الطبي بخطواتٍ مسرعة بعد متصف الليل ولكن الوصول إلى المجمع كان "مسألة حظ" في ذلك الوقت". 
 
وتستطرد ألاء أن مجمع الصحابة الطبي، كان مكتظاً بالمصابين والمرضى، ونساء حوامل قد جئن "للولادة" فمنهن من وضعت جنينها على الأرض دون أي تجهيزات طبية، وأخرى قد تعرضت للنزيف والموت جراء انفصال المشيمة وتسمم الدم وفقاً لحالة الطوارئ المتواجدة. 

 وتردف أن بعض المواليد منهم من يظفر بالنجاة لكن المجهول ينتظره والبعض الآخر لن يجد حضانات لرعايته رغم حاجته. 
 
وتستكمل آلاء روايتها بأنفاس مرتعشة متقطعة وكأنها لا تزال فى قلب تلك الأحداث: "كنا نسأل عن أي طبيب يمكنه مساعدتي، وعلى الفور جاءني أحدهم وأخبرني أنه يجب عليّ أن أنتظر حتى أستطيع أن ألد بشكل طبيعي، لكن الوقت مر دون جدوى أو جديد على حالتي فتعثرت ولادتي، وبعد وقت طالبني الطبيب بالتوقيع على عمليه قيصرية فأخذنى لغرفة العمليات ولكنها غرفة تفتقر لأي تجهيزات طبية لم يكن بها سوى مشرط وشاش وقطن، وأخبرنى الطبيب أننى أحتاج إجراء القيصرية على الفور ، وأنها ستكون بدون تخدير، لعدم توفره ، وافقت مضطرة أن أخضع للعملية، لأتخلص من الألم الذي لم أتحمله، لكن الألم الأضخم كان ينتظرني أثناء العملية فقدت وعيي حينها ولكن الأطباء تمكنوا من إنقاذ حياتى وحياة ابنى" 
 
وتسرد بقية التفاصيل، قائلة "وأنار دنيتي طفلي البكر "ناهض" مع متابعة مشقة البحث عن الحليب الصناعي والاحتياجات الطيبة، والحفاضات وقلة الغذاء ونقص الألبسة اللازمه له والتطعيمات أيضاً" 
 
وفي هذه الأيام، أشارت آلاء أنها عادت لتمارس عملها في الإرشاد التربوي النفسي، من خلال جلسات دعم وترفيه للأطفال داخل مراكز إيواء شمال قطاع غزة. 
 
وتعد آلاء واحدة من آلاف النساء الحوامل التي ولدن بظروف سيئة وواجهن خطر الموت كل ثانية، و مازلن وأطفالهن لا يتلقين أي نوع من الرعاية الصحية التي يحتجنها منذ السابع من أكتوبر الماضي. 
 
وتحذر وزارة الصحة الفلسطينية من خطورة الوضع الصحي للنساء خاصة الحوامل والأطفال في غزة، مشيرةً إلى أنهن يعشن الجوع والعطش، مع انعدام الرعاية الطبية وتكدس أعداد النازحين في أماكن النزوح، فهناك نحو 1.9 مليون نازح في 155 مركز إيواء تابع لوكالة "الأونروا". 

 ومنذ السابع من أكتوبر/ 2023 يشن جيش الاحتلال حرباً مدمرة على قطاع غزة خلّفت دماراً هائلاً في البنى التحتية واستشهد أكثر من 38794 شهيد و أصيب أكثر من 89364 شخصاً