درويش وايقونة الشهادة والبقاء

بي دي ان |

14 مارس 2024 الساعة 03:41ص

الكاتب
أحيت مؤسسة محمود درويش ومؤسسة ياسر عرفات أمس الأربعاء 13 مارس الحالي الذكرى ال83 لولادة رمز الثقافة الفلسطينية، الشاعر الفلسطيني والعربي والعالمي محمود درويش سيد الكلم، وناسج خيوط الابجدية العربية من الماس المصقول في اشعاره وقصائده ونثره، التي ضاقت بها لغة الضاد، رغم انها من اغنى لغات الأرض بمصادرها وسعة كناياتها واستعاراتها وبحورها وصورها الإبداعية.
لذا تربع على عرش الثقافة الوطنية، واحتل بجدارة عطائه وابداعه وسعة خياله، وغنى ما أنتج شعرا ونثرا، فكان نثره شعرا، وشعره نثرا بديعا مترامي الأطراف حتى وصل أصقاع الكرة الأرضية، وتجلى يوم ميلاده عنوانا ويوما للثقافة الوطنية. لأنه جسد الحقيقة الفلسطينية، وخاط تاريخ وتجذر ومجد وديمومة وعظمة الوجود والموروث الحضاري والثورة بأبهى الصور وارقاها، وحاكى جمال مدنها وقراها وهواءها وبحرها وتضاريسها، ومجازرها ووحشة وجرائم اعدائها الذين مرروا، وأعداء اليوم الصهاينة الذين سيعبروا أسوة بغيرهم من الغزاة السابقين.
وأمس الأربعاء تداخل إحياء الذكرى لرمز الثقافة الوطنية مع مرور اليوم 159 من حرب الإبادة الجماعية للشعب العربي الفلسطيني عموما، وفي قطاع غزة خصوصا، حيث فاق عدد الشهداء 31 الفا والجرحى 73 الفا والمفقودين 10 الاف مع تدمير هائل لمئات الالاف من الوحدات السكنية ومئات المدارس والجامعات والمعاهد والمساجد والكنائس وإخراج 31 مستشفى عن الخدمة وعشرات المراكز الصحية، وحرب التجويع والامراض والاوبئة والاعتقال الوحشي، ورغم الوجع والموت الأسود المعلن، وسطوع همجية النازية الإسرائيلية وسادتها في واشنطن ومن لف لفهم من عرب وعجم، كان شعر ونثر درويش حاضرا في ملحمة الموت والحياة والفقد في غزة، التي حاكى فيها شاعر العرب المعاصر الفذ والعبقري آلامها وفجيعتها وفرادتها وبساطتها في الحضور الفلسطيني، بقوله: غزة ليست أجمل المدن .. وليست اغنى المدن.. وليست أرقى المدن.. وليست أكبر المدن.. ولكنها تعادل تاريخ أمة..
نعم غزة تعادل تاريخ أمة العرب من أقصاها إلى أقصاها، لأنها أشد قبحا في عيون الأعداء، وفقرا وبؤسا وشراسة.. لأنها أشدنا قدرة على تعكير مزاج العدو وراحته.. لأنها كابوسه.. لأنها برتقال ملغوم.. وأطفال بلا طفولة..وشيوخ بلا شيخوخة .. ونساء بلا رغبات. وهي طائر الفنيق النابت من رماد المحرقة والابادة الجماعية الصهيو أميركية، رغم نكباتها وكوارثها المتوالية من غزاة ونازيي العصر الحديث، ولم ولن ترفع راية الاستسلام، وكما أضاف رمز الثقافة الوطنية في احدى قصائده: لكنها لن تكرر الأكاذيب، ولن تقول للغزاة: نعم وستستمر في الانفجار، لا هو موت ولا هو انتحار. لكنه أسلوب غزة في إعلان جدارتها بالحياة..
ولخص درويش المشهد في غزة، كما لو انه حاضرا الان، وشاهد يوميات الإبادة الجماعية وفظائعها وويلاتها وبشاعة ووحشية نازيو العصر الصهاينة بكلمات بسيطة وبالغة الدقة في استنطاقها ملحمة الموت والشهادة في غزة العظيمة بالقول: إن سألوك عن غزة، قل لهم بها شهيد، يسعفه شهيد، ويصوره شهيد، ويودعه شهيد، ويصلي عليه شهيد." ولكنها وهي تتلفع بثوب الشهادة اليومي واللحظي، وتودع قوافل الشهداء بالعشرات والمئات يوميا، وتنزف على مدار الساعة من أجساد الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، حتى فاضت الدماء، لكنها امست بركانا متفجرا في وجه الأعداء الغزاة المتوحشين بصمودها وشموخها وصبر ابنائها.
غزة ودرويش صوان متعامدان في الابداع والخلق، كل بطريقته واسلوبه في العطاء، في الموت والحياة. محمود رحل عن الدنيا، لكنه باق ما بقي التاريخ وكوكب الأرض، لم يمت وينبت كل يوم من السنة، وليس في آذار ومع زهر اللوز فقط، فكل فصل من العام له أزهاره وجمالياته، وغزة رغم كل الحروب والدمار الهائل والذي يفوق كل جرائم وحروب الإبادة في التاريخ باقية، وتنبت مع كل فجر جديد، تستنطق تاريخ الامة، وتعيد إحياء امجادها، وتكحل عيون العرب بدماء أبنائها لعلهم يفيقوا من غيبوبة الموت الكلينيكي.
سلاما لروح رمز الثقافة الوطنية، وسلاما على غزة واطفالها ونسائها وشيوخها وشبابها شهداء وأحياء على رصيف الشهادة ينتظرون، ولعنة ستلاحق أعداء اليوم مهما تفننوا في عمليات الإبادة والجريمة المنظمة، حتى يندثر وينقشع غيمهم عن ارض الوطن التليد.
[email protected]
[email protected]