غزة: شهادات مروعة يرويها ناجون من المحرقة المتدحرجة

بي دي ان |

10 أكتوبر 2023 الساعة 02:14م

صورة أرشيفية

كانت عشرات الأسر تغط في نوم عميق عندما قصفت طائرات الاحتلال منازلها، فجر أمس.

أكثر من ساعة لا أحد يعلم ما الذي جرى؛ حينما غطى الدخان وغبار الركام أرجاء المكان كافة.

ومع بزوغ النهار وزوال الغبار تكشفت ملامح الجريمة التي ارتكبتها قوات الاحتلال بحق عائلات: حمدان وأحمد وسويلم، والتي فقدت خمسة من أبنائها من بينهم نساء وأطفال، فيما نقلت سيارات الإسعاف باقي أفراد هذه الأُسر إلى المستشفى.

كافة المنازل التي تقع في المربع السكني نفسه قصفت فوق رؤوس ساكنيها، ودمرت بشكل شبه كلي أيضاً.

قال والد الشهيدة نسرين أحمد لـ"الأيام": فقدت ابنتي وحفيدي تحت الركام جراء القصف، ونجوت أنا رغم أكوام الركام على جسدي.

وبدا المواطن أحمد، في الخمسين من عمره، منهك القوى وهو يقاوم جروحاً أصيب بها ويزيل آثار دماء عن جسده، ويواصل البحث بين الركام عن أشياء أُسرته الثمينة.

وتتشابه قصص الكثير من المواطنين الذين تعرضت منازلهم ومنازل جيرانهم للقصف، سواء الذين كانوا قد غادروا المنزل قبل قصفه بعدة دقائق، ومَن لم يكونوا على علم بالقصف.

قبالة منزل عائلة الزعانين في بيت حانون، الذي قصفته طائرات الاحتلال، ما تسبّب باستشهاد 20 مواطناً،
كان الشاب إيهاب (26 عاماً) يجلس مصدوماً وحائراً.

قال إيهاب وهو أحد الجيران لـ"الأيام": لم نكن على علم بقيام الطائرات بقصف المنزل، وجلسنا نتابع أحداث العدوان الإسرائيلي على غزة، مشيراً إلى أنه شعر بقلق من كثرة قصف المنازل في باقي المناطق، ليجد نفسه في المستشفى.

أضاف: "تيقنت أن القصف طال منزلنا، وسقطت على الأرض لأجد نفسي جريحاً ولا أحد قربي.

وقال الشاب محمد أحد الناجين من القصف لـ"الأيام": تخيّل أن تستيقظ على صوت انفجار وتستنشق الغبار، وتخرج لتُصدم بأشلاء شهيد في غرفة نومك.

هكذا وصف محمد (26 عاماً) اللحظات القليلة التي عاشها عقب القصف الذي استهدف مربعاً سكنياً في حي تل الزعتر شرق جباليا.

أضاف لـ"الأيام": حملت ابنتي وابني، وبالكاد مشيت في الظلام الدامس حتى خرجت للشارع واحداً لا يعرف ما الذي حدث.

واعتبر المواطن أحمد أبو حمام (55 عاماً)، من بيت لاهيا، أن الموت كان بانتظاره لو تلكأ في الخروج من منزله، عقب قصف جوي عنيف في حي السلاطين.

وقال لـ"الأيام": كانت الساعة تشير إلى الواحدة والنصف صباحاً، عندما سمعنا صوت قصف هز أرجاء المنزل، فاستيقظت بسرعة وأيقظت أطفالي، لنغادر البيت لمسافة 20 متراً فقط، وبعدها سمعنا صوتاً مدوياً جعلنا نسقط على الأرض، لنشاهد ناراً ملتهبة أعقبها غبار يتصاعد إلى السماء وشظايا، وتساقط الركام فوق رؤوسنا.

وأضاف: "هما دقيقتان فقط فصلتا بين خروجنا من منزلنا المجاور للمنزل المستهدف بالقصف".

أما المواطن سعيد أبو صلاح فقد ضرب الصاروخ الأول منزله المكون من 5 طوابق، في مدينة بيت حانون أقصى شمال غزة، فطار الطفل عابد ابن الأعوام السبعة بجانب باب الشقة، وسقط عليه كرسي وامتلأ الجو بالغبار.

أزاح عابد الكرسي جانبا ونزل على الدرج ليهرب فوجد أخاه يحيى غارقا في دمه.

"صرت أحكي معه وأنادي عليه لكن لم يستجب، تركته وهربت"، قال الطفل عابد.

واصل الطفل طريقه نحو باب البيت لكن الركام أغلقه، "قفزت من فوق الباب ولحقت أبي، الذي كان ينزف وذهبنا مشيا إلى المستشفى"، قال عابد.

وقصفت طائرات الاحتلال منزل أبو صلاح، ما أدى إلى استشهاد نجليه يحيى (28 عاما) وإبراهيم (27 عاما) ونجل إبراهيم "عبيدة" الذي يبلغ من العمر عاما ونصف العام.

"كان إبراهيم وطفله نائمين بعد تناول الغداء"، قال أبو صلاح.

وقال أبو صلاح (58 عاما)، الذي ودع للتو أحد أبنائه "يحيى" في ثلاجة الموتى في المستشفى الإندونيسي، إن ولده الثاني وحفيده تحت الركام ولا يستطيع أحد أن يصل إليهما.

وقال أبو صلاح، إن بيته المكون من 4 طوابق يؤوي 40 فردا من أطفال ونساء، وإنه تعرض للقصف دون أي إنذار.

"بعد الصاروخ الأول، ملأ الغبار المنزل ولم يرَ ساكنوه شيئا، توقعت صاروخا آخر فتحسست حافة الدرج وناديت الأولاد ليهربوا، خرجت وهبط الصاروخ الثاني ولا أعرف كيف خرج البقية أحياءً، ربما الملائكة أنقذتهم، مشيت إلى المستشفى وابني الطفل عابد يمشي بجانبي وكان مصابا أيضا"، قال أبو صلاح.

وكشف أن بيت حانون تتعرض لقصف عشوائي للمنازل المأهولة، لا سيما في المنطقة الشرقية.

وحول عدم انتظاره للإسعاف قال أبو صلاح، "لا يوجد إسعاف يستطيع أن يصل إلينا، فالطريق مغلق بالركام".

حاول جارهم، أحمد أبو عودة، تقديم المساعدة بسيارته "الصغيرة" ونقل أكثر من 15 طفلا وامرأة داخل السيارة وفي صندوقها الخلفي، دخل في أزقة وشوارع فرعية لا تتسع لسيارة الإسعاف، كما قال.

في الطريق، سقطت إحدى الفتيات من الصندوق فتوقف وأرجعها ثانية.

رأى أناسا على الأرض ولم يعرف إذا ما كانوا أحياءً أو أمواتا، لكنه فضل إنقاذ الأطفال.

"أكملت الطريق تحت القصف ومن طرق متعرجة، لقد كانت لحظات من أهوال يوم القيامة"، قال أبو عودة.