ما بعد سقوط مكارثي

بي دي ان |

07 أكتوبر 2023 الساعة 12:05ص

الكاتب
هناك اشخاص ليسوا محظوظين في حقول عملهم، لان لعنة التعثر، وسوء الإدارة، وغياب الحكمة، والارتهان للاخرين، فضلا عن سوء الطالع الذي يلاحقهم، جميعها عوامل تضاعف من ثقل العراقيل امامهم، وتزيد من نسبة الفشل والسقوط السريع، وغياب شمس نجاحهم. من بين هولاء، كيفن مكارثي، رئيس مجلس النواب السابق، الذي هوى بسرعة البرق عن سدة الكونغرس، حيث لم يتجاوز جلوسه على كرسي المنصب التسعة شهور، بعكس انتخابه في السابع من كانون اول / يناير 2023، الذي احتاج الى خمسة عشر جولة على مدار أربعة ايام، وبعد مساومة مهزوزة مع مجموعة من اليمينيين الجمهوريين من انصار الرئيس السابق ترامب قوامها (20) نائبا، كونهم أفشلوا محاولات انتخابه، مما وضع الحكومة الأميركية في موقف لا تحسد عليه منذ الحرب الاهلية الأميركية، وهذا لم يحصل مع أي مرشح أميركي منذ 160 عاما.
وكانت فترة ولايته القصيرة جدا مغمسة بالمرارة ومزروعة بالالغام، الى ان حدثت الازمة نتيجة قبول مكارثي إبرام صفقة مع الديمقراطيين لتفادي اشكالية الاغلاق الحكومي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وكادت تؤدي الى حافة الهاوية بسبب عدم سداد ديون بقيمة 31.4 تريليون دولار، وعلى إثره تم اقرار مجلس النواب مشروع قانون مؤقت للتمويل يوم السبت الموافق الثلاثون من أيلول / سبتمبر الماضي، مما حدا ب"مات غيتس"، عضو المجلس من مجموعة العشرين بقيادة تمرد لعزل زميله في الحزب. لأنه لم يف بما تم الاتفاق مع مجموعة العشرين، الذي يتضمن عدم تمرير أي مشروع قانون الا بعد التوافق بين نواب الحزب الجمهوري.
وللمرة الأولى في تاريخ الكونغرس منذ 234 عاما، صوت أعضاء المجلس يوم الثلاثاء الموافق 3/10/2023 الحالي بأغلبية 216 نائبا دعما لخيار العزل لرئيسه المثخن بجراح الموقع، مقابل 210 قوام ممثلي الحزب الديمقراطي، الذين لم يتدخلوا لإنقاذ رئيس المجلس، الذي انقذ الإدارة والحزب والأمة الأميركية لبعض الوقت لاكثر من اعتبار، أولا لعدم قناعتهم بأهلية مكارثي في قيادة الكونغرس؛ ثانيا لتعميق أزمة الحزب الجمهوري؛ ثالثا بهدف تعزيز موقعهم عشية الانتخابات الرئاسية 2024 التي تحل بعد عام تقريبا.
ومباشرة بعد اعفاء مكارثي، تم تكليف باتريك مكهنري رئيسا مؤقتا للكونغرس، وهو ما يعني دخول المؤسسة التشريعية الأميركية في حالة من الشلل والضبابية النسبية حتى 11 /10 القادم، موعد اختيار بديل للرئيس المعزول. ومما يضفي المزيد من الارباك داخل الحزب الجمهوري والمؤسسة التشريعية: تداول أسماء اكثر من مرشح لخلافة مكارثي، وعدم الاتفاق على مرشح بعينه حتى الان، وحسب صحيفة "واشنطن بوست" "لا يعلم احد ماذا سيحدث بعد ذلك. ورغم تناثر الاخبار عن وجود اكثر من مرشح للخلافة، لا يوجد بينهم من هو قادرا على تولي المنصب"، وعلى المستوى القومي في حال تم تنصيب مرشحا جمهوريا من اقطاب اليمين المتطرف، فإن البلاد ستدخل في 17 تشرين ثاني / نوفمبر القادم مجددا في ازمة ان لم بمدد الكونغرس التمويل للحكومة، بالاضافة تأخر مشروع برنامج دعم المزارع والتغذية، ودعم أوكرانيا وغيرها من المشاريع الضرورية للبلاد. ويراهن الديمقراطيون على السرعة في اختيار بديل وحلول جمهوري معتدل نسبيا دون ابتزاز من مجموعة العشرين. ولكن ان خاب ظن الديمقراطيون، فإن اميركا ستعيش لحظة صعبة، لان تعثر انتخاب رئيس للكونغرس سيترك تداعيات غير حميدة. لان الموقع بمثابة المنصب الثاني في البلاد بعد نائب الرئيس. وحدوث فراغ نتيجة صراع الديكه الجمهوريون.
وبسبب الصراعات بين تيارات الحزب الجمهوري، لا يبدو أي من المتداولة أسماءهم للخلافة أمثال ستيف سكاليس وتوم ايمير لديه الاهتمام بالمنصب. ووفق الصحيفة، فإن مكهنري قد يحتفظ بالرئاسة في حال استعصى اختيار بديل متوافق عليه، أو الى حين التوافق على بديل للرئيس المعزول. كما ان الرئيس المؤقت لا يعرف ماهي صلاحياته التي يتمتع بها حتى الان. لان كل ما حدث غير مسبوق في السلطة التشريعية. وعلى ما يبدو ان اللوائح الناظمة لعمل الكونغرس لا تتضمن هذه المسألة. لهذا قد يضطر مجلس النواب لاقرار بعض التشريعات الضرورية ذات الصلة وفقا لما يتناسب مع الدستور.
وهناك سيناريو آخر، من المحتمل اللجوء له، يقوم على تعاون الحزبين الجمهوري والديمقراطي لبناء تحالف وسط. ولكن هذا السيناريو سيواجه بالرفض من النواب الجمهوريين المحافظين، وبالتالي قد يتعثر. الا اذا اتفق المعتدلون من الحزبين على دعم رئيس ديمقراطي، عندئذ يمكن الخروج المؤقت من نفق ازمة الخلافة، التي هي جزء من ازمة اعمق تطال كل مكونات الدولة الفيدرالية. لا سيما وان مكارثي صرح للصحافيين، انه لن يترشح مرة أخرى للمنصب، وأضاف "لقد ناضلت من اجل ما اؤمن به .. اعتقد بوسعي مواصلة القتال، ولكن ربما بطريقة أخرى." ورهانه يرتكز على أنصاره ومنهم عدد من المحافظين البارزين، الذي دعموا تمريره مشروع القانون السبب في كل الازمة الحالية، لاعتقادهم انه نجح في الحد من الانفاق والدفع بأولويات أخرى لدى المحافظين على الرغم من سيطرة الديمقراطيين على البيت الأبيض ومجلس الشيوخ. لذا على الجميع انتظار ما ستؤول اليه الأمور اما انفراجا او انفجارا.
[email protected]
[email protected]