درس ذكرى الانفصال

بي دي ان |

02 أكتوبر 2023 الساعة 12:10ص

الكاتب
هناك أيام في التاريخ توازي في انعكاساتها الإيجابية او السلبية عشرات ومئات السنين. لانها اما ان تكون رافعة لامة من الأمم، او إنكسارا وهدما لاحلام وطموحات واهداف شعب من الشعوب، ولها تداعيات خطيرة على مستقبله. ومن أمثال تلك الأيام، إنقلاب القطر السوري بقيادة حزب البعث العربي الاشتراكي على الوحدة العربية في 28 أيلول / سبتمبر 1961، التي بنى ركائزها القائدان العربيان جمال عبد الناصر، رئيس مصر العربية، وشكري القوتلي، رئيس سوريا العربية، ووقعوا على وثيقة وبرتوكول اقامتها في 22 من شباط/ فبراير 1958، الذي شكل ذلك اليوم عرسا قوميا، وتجسيدا لاحلام كل احرار الامة العربية من المحيط الى الخليج.
وتولى الزعيم المصري العربي الخالد جمال عبد الناصر رئاسة الجمهورية العربية المتحدة، اول جمهورية عربية للوحدة، واهم وانضج تجربة في التاريخ المعاصر، رغم كل الملاحظات والاخطاء والعيوب التي لازمتها. لكن عوامل عدة ذاتية وموضوعية وضعت الكوابح والعراقيل في دواليب عربة الوحدة العربية. وكان ضيق الأفق، ونرجسية وتواطؤ قوى عربية ضد نجاح التجربة، بالتلازم مع تكالب قوى الاستعمارين القديم والجديد لقيادة الولايات المتحدة الأميركية وربيبتها دولة إسرائيل اللقيطة ومع عملاء الاستعمار والرأسمالية من اهل النظام الرسمي العربي، لعبوا جميعا دورا في تحطيم وتدمير تجربة الوحدة العربية الأهم، والتي تميزت عن كل التجارب اللاحقة، والتي حملت عنوان الوحدة. لكنها كانت تفتقد لروح ومقومات الوحدة.
في ذكرى الانفصال وتمزيق الوحدة العربية ال62، تستحق التجربة التوقف امامها مجددا. لا سيما واننا في حضرة ذكراها المرة والمريرة، التي عصفت بمستقبل المشروع القومي العربي الواعد، والحامل لطموح العرب بمشاربهم المختلفة، باستثناء الغرب المعادي واعوانه، الذين رفضوا من حيث المبدأ نهوض العرب ومشروعهم القومي التحرري، ولا اضيف جديدا للقارىء، عندما اعيد تذكيره بمخطط مؤتمر كامبل نبرمان 1905 /1907 الذي صاغته واتفقت عليه ست دول غربية استعمارية من مطلع القرن العشرين لوأد نهوض الامة العربية، وتوجتها اتفاقية سايكس بيكو عام 1916 التي قسمت الوطن العربي الى 22 دولة، ووضعت إسرائيل الاجلائية الاحلالية في مركز الوطن العربي لفصل المشرق عن المغرب العربي، واداة تمزيق لشملهم، ودعمتها بادوات من أبناء جلدتهم، حكام أنظمة عربية كرتونية تافهة ومأجورة، وعززتها بادوات حزبية دينية ك"جماعة الاخوان المسلمين" وحزب التحرير، وغيرها من المسميات الفطرية السامة. فضلا عن لعبها على وتر الهويات القزمية الجهوية والدينية والطائفية والمذهبية والاثنية لتعميق عمليات التفتيت والتمزيق والنهب لثروات الوطن العربي، التي ازدادت وتوسعت وتعمقت شراستها بعد غياب زعيم الامة الخالد، جمال عبد الناصر، الذي كان لغيابه أثر عميق على تعطيل وتفتيت حركة التحرر الوطني العربية والمشروع القومي مع تولي السادات الحكم وتحالفه مع جماعة الاخوان المسلمين، وتوقيع اتفاقية كامب ديفيد 1978 و1979، وما تلا ذلك من انكسارات مروعة وخطيرة ساهمت في هزيمة وضياع العراق، وثم ضياع سوريا وليبيا واليمن والصومال والسودان، وكادت تضيع مصر والجزائر وتونس وغيرها من الدول العربية زمن ما يسمى "الربيع العربي"، الذي مازالت اثاره الخطيرة والدمية حتى يوم الدنيا هذا.
الان في الذكرى ال62 للانفصال اللعين، ما العمل في ظل حالة الانكسار والهزيمة العربية القاتلة؟ وكيف السبيل للخروج من مقصلة الموت الصهيو أميركية؟ ومن يملك القدرة من عرب الريادة الان على قرع جرس الحرية، والانتصار للذات الوطنية والقومية بشروط المرحلة السياسية والاقتصادية والثقافية لاستنهاض إرادة الحرية والاستقلال الحقيقي، وليس الاستقلال الوهمي المزيف؟ وهل بالأساس راهنا هناك قوى وطنية وقومية مؤهلة لحمل راية المشروع القومي العربي، ام على العرب ان ينتظروا إنقلابا عسكريا لتحريرهم؟ وهل يستطيع جنرال عسكري من تمثل الدور القومي؟ وما هي ادواته الوطنية والقومية لاستحضار روح ومكانة زعيم الامة الخالد عبد الناصر؟
اجزم من موقعي وخلفيتي الوطنية والقومية الديمقراطية، ان الرهان على أي انقلاب عسكري، امر محفوف بالمخاطر. لانه لا يستطيع حمل راية المشروع القومي العربي، ولو افترضنا لوهلة، انه حاول، سيتعثر مباشرة مع اول خطوة يخطوها في اتجاه المشروع القومي. كما ان اللوحة الماثلة في الواقع العربي المعطي لا توحي بان هناك فصيلا او حزبا او حركة او إطارا قوميا قائما مؤهلا للقيام بدور الرافعة الوطنية والقومية. لانها جميعها تعاني من الهزيمة التي تنخر عظامها، وفي معظمها تتساوق مع اهل النظام الرسمي العربي، الذي أمسى ميؤوسا منه في دفاع أي من دوله عن نفسها، كما يليق بالدول المستقلة. لانها في غالبيتها رهينة التطبيع مع إسرائيل، واسيرة التبعية للولايات المتحدة الأميركية، وأجهزة الامن الصهيو أميركية تتحكم في مقاليد الأمور في تلك الدول.
اذا ما العمل؟ وما هو الحل؟ الحل يتمثل في ارتقاء نخب جديدة من رحم الامة والازمة تتمثل روح المشروع القومي العربي وفق شروط وعوامل المرحلة التي تعيشها شعوب الامة. لان العنوان الأهم في استنهاض شعوب الامة، هو المشروع القومي النهضوي الديمقراطي. فهل هناك من يقرع على جدار وخزان الامة؟ آمل ذلك.
ستبقى تجربة الوحدة المصرية السورية، رغم هزيمتها السريعة والمفجعة نبراسا وهاديا لكل قومي عربي مؤمن بوحدة شعوب الامة. وسيبقى عبد الناصر ملهما ورائدا لحملة هكذا مشروع، رغم نزق وبؤس وتهافت وافلاس أعداء ناصر وما يمثل من روح التمرد والانتماء الأصيل لامة العرب الواحدة.
[email protected]
[email protected]