كفاح حطاب نموذجا رائدا

بي دي ان |

01 أكتوبر 2023 الساعة 12:04ص

الكاتب
شهدت الحركة الاسيرة الفلسطينية بطولات فردية وجماعية يشهد لها العالم، وليس أبناء الشعب العربي الفلسطيني فقط. ولكن هناك حالات ومحطات هامة وآسرة في نضال عمالقة اسرى الحرب والحرية، دونها جنرالات الدفاع عن المشروع الوطني في الخندق الامامي بامعائهم الخاوية، ومواجهاتهم الباسلة مع سلطات السجون الاجرامية على الجبهتين السياسية القانونية والمطلبية، حيث الاشتباك اليومي واللحظي بين جموع الاسرى وجلادي الاستعمار الصهيوني الاجلائي الاحلالي، وتفرد العديد منهم بتسطير صفحات عظيمة في الذود عن حقوق شعبهم العامة وحقوقهم اليومية في معركة متواصلة لم تتوقف يوما منذ وجدت إسرائيل اللقيطة على ارض فلسطين العربية على انقاض نكبة الشعب صاحب الأرض والتاريخ والموروث الحضاري في عام 1948، وفي اعقاب هزيمة حزيران / يونيو 1967، حيث باتت فلسطين كلها من بحرها الى نهرها تحت استعمار إسرائيل بدعم كامل من قبل دول الغرب الرأسمالي بقيادة بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية، ونتاج تخاذل العديد من الأنظمة العربية.
من بين رموز الحركة الاسيرة البطلة سطع اسم الكابتن طيار كفاح حطاب، ابن مدينة طولكرم الشامخة، الذي سطر ملحمة فريدة في الدفاع عن حقوقه وحقوق اخوانه ورفاقه اسرى الحرب، الذين تُصر حكومات إسرائيل المتعاقبة بوصفهم "الاسرى الأمنيين"، وترفض اطلاق التسمية القانونية عليهم وفقا لمعاهدة جنيف الرابعة، باعتبارهم "اسرى حرب". لانها لا تريد الإقرار بوجود وحق الشعب العربي الفلسطيني في الحرية والاستقلال وتقرير المصير، وتعمل على طمس حقوقه المختلفة، وقضيته الوطنية التحررية بكل الوسائل، فلجأت الدولة العبرية الطارئة على نفي وتشويه مكانة الاسرى، كأسرى حرب، مما دفع القائد الفولاذي الكابتن كفاح، لان يمتشق سلاح الاضراب دفاعا عن مكانته ومكانة رفاق الدرب، وخاض ما يقارب من الخمسين اضرابا منذ بدأ خطوته التمردية الشجاعة في 17 نيسان / ابريل 2011 وحتى إصدار كتابه "كفاح كفاح – اسير حرب في سجون الاحتلال الصهيوني" في طبعته الأولى عام 2023 عن اتحاد الكتاب والادباء الفلسطينيين.
وحتى لا اخوض في تفاصيل الكتاب الممتد على مساحة 422 صفحة من القطع الكبير، الذي دونه صاحب الرؤية والرواية المتميزة الكابتن طيار كفاح، فإني ساكثف قراءة الكتاب بابراز اهم النقاط التي سجلتها تجربته الفذة، منها الاتي:
أولا أهمية اختيار اللحظة المناسبة لانطلاق تمرده البطولي، بعد دراسة وتمحيص في العديد من العوامل المحيطة به، وعلى إثر اقتناعه صعوبة تحشيد الحركة الاسيرة خلف قراره الوطني والإنساني الجريء؛ ثانيا البراعة في تحديد الهدف القانوني والسياسي الناظم لإضرابه المتقطع والمتواصل على مدار السنوات الماضية؛ ثالثا قناعته بأهمية سلاح الاضراب في تحقيق الهدف الاسمى، وهو إصراره على انتزاع اعتراف سلطات السجون بكونه أسير حرب، لا سجين امني، وكمناضل من اجل الحرية لذاته وللحركة الاسيرة ولشعبه الفلسطيني، وبالتالي رفض لباس السجن الإسرائيلي (الشاباص) ورفض الوقوف للعدد، ورفض الوقوف لضباط وجنود السجون الإسرائيلية المختلفة، التي جالها مرغما، واحيانا طوعا لاسباب خاصة بزيارة الاهل؛ رابعا أثر الانقلاب الحمساوي عام 2007 على وحدة الحركة الاسيرة، وانعكاسه السلبي على معارك اسرى الحرب جميعا؛ خامسا تحدي إرادة الجلاد الصهيوني، وعدم الاستسلام امام اجراءاته القمعية وبطشه الوحشي؛ سادسا التضحية الفردية والحمعية، فالقرار كان هو صاحبه، وحملت اعباءه اسرته والشعب معه، الذين وقفوا خلفه ببطولة نادرة. رغم مرارة الانقطاع عن العائلة الصغيرة لسنوات، وعدم تمكنه من رؤية أبنائه وزوجته وشقيقاته وخاصة اخته ام ياسر توأمه الروحي؛ سابعا فضح وتعرية أكاذيب سلطات السجون المختلفة، وعدم الوفاء بالتعهدات العديدة التي قطعوها له مرات عدة، وكانت الأكثر ايلاما رفضه مرغما رؤية ابنته الوحيد حلا، عندما حاولت قيادة السجن لي ذراعه وابتزازه الإنساني والعاطفي تجاه ابنته، التي عانت حتى وصلت السجن، عندما حاولوا ارغامه على لباس (الشاباص)، فرفض بقوة وشجاعة ابتزازهم؛ ثامنا خشية سلطات السجون من انتقال عدوى تمرد كفاح على قرارات سلطات السجون للأسرى في السجون المختلفة، لذا كانت تلجأ للسماح له لزيارة اسرته المتباعدة في سجن مستشفى الرملة او سجون أخرى غير سجن "هداريم" الذي امضى فيه أطول فترة ممكنة.
تاسعا أهمية عملية التكافل الاسري والشعبي والإعلامي مع اهداف اسير الحرب الكابتن كفاح في تعزيز ودعم نضاله البطولي، والذي منحه جرعات متجددة من الإرادة والعزيمة لمواصلة التحدي الخلاق والريادي؛ عاشرا اكتشافه لقدرات جديدة وهامة في ذاته، مما عمق لديه روح الصبر وتحمل تبعات المواجهة، وعزز لديه كسر شوكة الجلاد؛ حادي عشر اكتشافه نقاط ضعف سلطات السجون، واسقاط والانتصار على اساليبهم الرخيصة اثناء اضراباته المتواصلة باستخدامهم سياسة العصا والجزرة والاغراءات باحضار الطعام لإضعاف مقاومته؛ ثاني عشر اعتزازه بتضامن وتفهم القطاع الاوسع من رفاق الدرب في الحركة الاسيرة، واستياءه من أولئك الذين حاولوا الانتقاص من تجربته الفولاذية، والتواطؤ مع إدارات السجون..
تجربة الكابتن كفاح نجحت رغما عن انف المحتلين الصهاينة، وتمكن من انتزاع العديد من الأهداف. الا ان هدفه الاسمى بالاعتراف به وباسرى الحرية، كأسرى حرب مازالت تحتاج الى وحدة الحركة الاسيرة كلها لفرضها على المستعمرين. وهنا تكمن أهمية الوحدة في خوض المعارك الهامة والاساسية السياسية والقانونية، وحتى القضايا المطلبية.  
وهناك الدروس والعبر الكثيرة التي تضمنتها تجربة الكابتن القائد كفاح الحطاب، واعتقد انها تجربة تستحق التدريس في المدارس الثانوية ومساقات الجامعات الفلسطينية لتأهيل الشباب الفلسطيني في مواجهة سلطات السجون وحكومات الاستعمار الإسرائيلي المتعاقبة.
[email protected]
[email protected]