حلقات التآمر والرد

بي دي ان |

17 سبتمبر 2023 الساعة 12:16ص

الكاتب
سلسلة من الاحداث شهدها عقد الثمانينات بما لها وعليها، احداث جسام استهدفت القضية والثورة والمخيمات الفلسطينية، راكمت وضاعفت حالة السخط والغليان الشعبي، واستنهضت روح الكفاح الوطني التحرري مع امتشاق الشعب العربي الفلسطيني سلاح الحجر والمقاومة الشعبية البطلة، وكسرت إرادة العدو الصهيو أميركي، وفرضت عليه إعادة تدوير زوايا لعبة التصفية لاهداف وثوابت الشعب، فتراجع الجلاد خطوة للخلف، وتقدم أكثر من خطوة للامام عبر فتات مؤتمر مدريد وقناة أوسلو من خلال استهداف الكيانية الفلسطينية الوليدة، وترويضها سياسيا وامنيا واقتصاديا وقانونيا وثقافيا لتحويلها لاداة وظيفية، وإخراجها من موقعها الوطني التحرري. ولكن محاولاته باءت بالفشل الذريع.
بدأ النصف الأول من عقد الثمانينات باجتياح العدو الإسرائيلي لاراضي الدولة اللبنانية من الجنوب والجبل وبيروت العاصمة في السادس من حزيران / يونيو 1982، مع ان الخطة الأساسية كانت محددة باجتياح الجنوب اللبناني حتى الزهراني النقطة الفاصلة بين مدينة صيدا وباقي الجنوب بما فيها وفي مقدمتها مدينتي صور والنبطية. لكن هذا الاجتياح الاجرامي، الذي استمر 88 يوما تكسر على متاريس الصمود والقتال البطولي للقوات المشتركة الفلسطينية اللبنانية وبمشاركة القوات السورية التي تواجدت في بيروت والجبل. ومع بداية أيلول سبتمبر وضعت الحرب الإسرائيلية اوزارها بعد اتفاق فليب حبيب مع قيادة منظمة التحرير برئاسة الزعيم الراحل أبو عمار على خروج مقاتلي الثورة الفلسطينية الى من لبنان الى دول عربية عدة.
لكن الاجتياح الإسرائيلي لم ينتهِ، رغم ان الاتفاقية الموقعة مع ممثل ادارة ريغان الأميركية تضمنت عدم المساس بابناء الشعب العربي الفلسطيني في المخيمات داخل العاصمة اللبنانية وخارجها، وكما هي عادة وطبع دولة المشروع الصهيوني اللقيطة الغدر، قامت قواتها المحتلة للعاصمة العربية الثانية بعد القدس المتمركزة في المدينة الرياضية في بيروت، والمسيطرة على مخيمي صبرا وشاتيلا بارتكاب مجزرة وحشية ضد أبناء المخيمين الفلسطينيين بالاشتراك مع القوات الانعزالية قبل 41 عاما من الان، تحديدا في السادس عشر من أيلول / سبتمبر، وتم بقر بطون النساء، وقتل الأطفال والشيوخ والشباب بطريقة همجية، مما أدى لسقوط حوالي خمسة الاف لاجئ فلسطيني، ومع انكشاف هول وبشاعة الوحشية والفاشية الصهيونية الانعزالية إهتز الرأي العام العالمي لحين، لانه رفض المذبحة التي يندى لها جبين البشرية.
ومع ذلك لم تتوقف الولايات المتحدة وإسرائيل الخارجة على القانون وعملاءهم من عرب الردة، الذين لم يكن لهم هم، سوى السيطرة على الورقة الفلسطينية، لاستخدامها في تحسين تكتيكاتهم، ومواقعهم في المساومة على الحل السياسي، ففتحت أدوات العدو الصهيو أميركي وبعض الأنظمة العربية الشريكة في تصفية القضية الفلسطينية بفتح حرب المخيمات في العاصمة اللبنانية وتحديدا مخيمات صبرا وشاتيلا وبرج البراجنة، والتي استمرت عامين كاملين من 1985 الى 1987، حتى اضطر أبناء الشعب اكل القطط والكلاب نتاج الجوع والفاقة والحصار الاجرامي آنذاك وفقدان المواد الغذائية والماء، كانت الحرب المجنونة عارا على الأداة التي نفذتها باعتراف رئيسها، والنظام صاحب وراعي الحرب القذرة آنذاك، والذين لا يمكن الغفران لهم، لان ذرائعهم تافهة ورخيصة ومرفوضة.
ولم تهن عزيمة الشعب العربي الفلسطيني، رغم كل تلك الجرائم. مع ذلك اعتقد اهل النظام الرسمي العربي، ان الوقت قد حان للانقضاض على القضية الفلسطينية وتصفيتها سياسيا، فسنو سيوفهم في مؤتمر القمة العربي الذي عقد في العاصمة الأردنية عمان في الثامن من تشرين ثاني/ نوفمبر 1987، ونفذوا طلب شولتس، وزير خارجية اميركا عدم الاتيان في بيان القمة الختامي على ذكر القضية الفلسطينية، ولولا ضغوط بعض القيادات العربية وخاصة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين، لما ورد ذكرها نهائيا، حيث وردت في البيان الصادر باللغة العربية في النقطة الخامسة، وبصيغة تعكس الإهمال والاستخفاف بقضية العرب المركزية. مجمل تلك الاحداث ولدت حالة من الغضب والغليان ففجرت الانتفاضة الكبرى/ ثورة كانون في الثامن والتاسع من كانون اول / ديسمبر 1987 لترد الصاع الف صاع على حركة التآمر لمعسكر الأعداء المركب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، وتمكنت من تحقيق إنجازات هامة واستراتيجية أولا بنقل مركز الثقل الوطني للداخل الفلسطيني؛ ثانيا رفع مكانة ودور واهمية المقاومة الشعبية في الدفاع عن الثورة، وشكلت سنوات 1987 / 1993 مختبرا عظيما لاسهامات الثورة في الثورة، التي اعادت الاعتبار للثورة والقضية الوطنية وللشعب العربي الفلسطيني، وارغمت اهل النظام العربي الرسمي على عقد قمة طارئة في الجزائر في حزيران / يونيو 1988 عنوانها الأساس القضية الفلسطينية.
لكن الرد الفلسطيني المجلجل لم يوقف عجلة حرب التصفية والتآمر على القضية الفلسطينية، فتم عقد مؤتمر مدريد نهاية تشرين اول / أكتوبر 1991، الذي حاول الاميركيون الالتفاف على الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، منظمة التحرير، عندما ادخلوا ممثليها من خرم الابرة عبر الوفد الأردني، وتلا ذلك اللجوء لقناة أوسلو السرية، وثم التوقيع عليها في احتفال رسمي في البيت الأبيض الأميركي في الثالث عشر من أيلول / سبتمبر 1993، والتي اعتقد انها كانت بمثابة لغم كبير. رغم الإنجازات المحدودة التي حققها الشعب الفلسطيني. والتي لم يقبلها قطاع واسع من الإسرائيليين، واغتالوا إسحاق رابين في مطلع تشرين ثاني / نوفمبر 1994 ردا على التوقيع على الاتفاقية.
مع ذلك تابع العدو الصهيو أميركي خيار تصفية القضية الفلسطينية من خلال أولا شق الساحة الفلسطينية أواسط 2007؛ ثانيا مواصلة حروب المخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا من خلال ادواتهم المحلية، وما يجري الان في عين الحلوة هو الامتداد الطبيعي للمؤامرة، التي تنفذها القوى التكفيرية والتخوينية من مختلف الجنسيات والمدعومة من قوى الإسلام السياسي؛ ثالثا رفض الاعتراف بالشعب العربي الفلسطيني وحقوقه الوطنية، ورفض الاعتراف بالدولة الفلسطينية؛ رابعا حماية إسرائيل وقياداتها والدفاع عن جرائم حربها امام المحافل العالمية المختلفة؛ خامسا التخلي عن خيار حل الدولتين عمليا من خلال تبني صفقة القرن علانية زمن الإدارة الأميركية السابقة بقيادة دونالد ترامب، ومن تحت الطاولة راهنا في زمن إدارة بايدن، والدفع باتفاقات الاستسلام الابراهيمية، والانقلاب على مبادرة السلام العربية .. وغيرها من عناوين التآمر ..
لكن الشعب العربي الفلسطيني وقيادته الشرعية سينتصرون ويحققون الاهداف الوطنية كاملة، رغم كل اشكال التآمر   وحقول الألغام المعادية بقيادة اميركا. فهل يدرك الأعداء هذه الحقيقة؟
[email protected]
[email protected]