خلفيات واهداف الهجرة

بي دي ان |

10 سبتمبر 2023 الساعة 11:55م

الكاتب
لا يجوز حصر موضوع الهجرة من محافظات قطاع غزة خصوصا وفلسطين عموما من زمن الانقلاب الحمساوي الذي تم عام 2007، لان الضرورة تملي العودة للخلف بعجالة سريعة ومكثفة، لوضع الاصبع على الجرح الفلسطيني، الذي يتمثل بالهدف الناظم والاساس للحركة الصهيونية والغرب الاستعماري، والذي عكسه شعار "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض"، أي تفريغ الأرض الفلسطينية من أبنائها وشعبها عبر وسائل تطهير عرقي مختلفة لبلوغ الهدف الأساس لمؤتمر كامبل نبرمان 1905/1907، ووعد بلفور 1917 وغيرها من القرارات ذات الصلة بنفي وطرد الشعب الفلسطيني من وطن الإباء والاجداد. ولهذا حالت دول الغرب الرأسمالي دون وجود الدولة الفلسطينية وفقا لقرار التقسيم الدولي 181، ومازالت ترفض حتى الان الاعتراف بها. رغم مرور ما يزيد عن 75 عاما على النكبة، واعترافها بخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران / يونيو 1967 شكليا، كونها لم تقرن الإقرار بحل الدولتين بالفعل والترجمة على الأرض الفلسطينية، ومازالت الولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي ومن يدور في فلكها في دوامة إدارة الازمة، وكسب الوقت لإتاحة الشروط المناسبة لإسرائيل لتحقيق عملية ترانسفير واسعة، منها ما يجري منذ عام 2007 حتى الان  
إذاً انقلاب حركة حماس على الشرعية أواسط 2007 لم يكن عبثا، ولا يهدف لتصعيد المقاومة، انما لاخماد المقاومة عبر تحقيق اكثر من هدف، منها: أولا تمزيق وحدة الشعب السياسية والاجتماعية والثقافية، الذي حسبما اعتقد، لا يوجد شعب في العالم اكثر تجانسا في بنيته وخلفياته الاجتماعية والعرقية والدينية والثقافية من الشعب الفلسطيني؛ ثانيا التفتيت على الأساس الجهوي والمناطقي وعبر بوابة الإسلام السياسي الوظيفي، من خلال جماعة الاخوان المسلمين وفرعها الفلسطيني؛ ثالثا تفريغ قطاع غزة من سكانه، باعتماد سياسات تدميرية لمقومات صمودهم الأساسية التعليمية التربوية، وإدخالهم دائرة الحصار والسجن الكبير، وتجفيف سوق العمل تدريجيا، وإفلاس قطاع الصناعة والزراعة والتجارة ورأس المال الوطني عموما قدر ما يستطيع قادة الانقلاب، وبزيادة وتوسيع الضرائب لنهب جيوب المواطنين من مختلف الطبقات والشرائح الاجتماعية، ونشر الظواهر الاجتماعية الخطيرة مثل: الدعارة والمخدرات والموبقات الاجتماعية الأخرى، وتأبيد خيار الامارة على حساب المصالحة الوطنية؛ رابعا إبقاء قطاع غزة بؤرة حرب مفتوحة بذريعة "تصعيد المقاومة" والحقيقة تتمثل في زيادة عدد الضحايا والجرحى والافقار والتدمير للبنى التحتية، وتلوث المياه والبيئة، وتفشي الامراض والاوبئة في أوساط الشعب لزيادة حالة السخط والغضب والرحيل في آن من الوطن للمنافي او للموت في أعالي البحار...الخ من تعميم وتأصيل للظواهر الاجتماعية القاتلة.  
نجم عن ذلك، زيادة نسبة البطالة وخاصة في أوساط الشباب، حيث بلغت ما يزيد عن 74%، وبعض المصادر تقول 80%، وبعضها يعتقد اقل نسبيا، ونقص حاد جدا في سوق العمل، وندرة الوظائف لاستقبال الخريجين الجدد، انعدام الامن الغذائي والاجتماعي والسياسي والثقافي والوطني عموما. ووفق تقديرات العديد من المؤسسات، فإن نسبة الذين اضطروا للهجرة من القطاع يصل تقريبا لحوالي 15% من مجموع سكان القطاع خلال الأعوام السبعة عشر الماضية، ووصل عددهم حسب بعض الاحصاءات غير الدقيقة لما يزيد عن 300 الف مضطر للهروب من دوامة الانقلاب الأسود، ويعضها يقول وصل عدد الهاربين ما يزيد على ال800 الف مواطن، لقي ما يقارب ال400 شاب حتفه في أعالي البحار، وحسب بعض استطلاعات الرأي، فإن نسبة الراغبين بالهرب من القطاع يصل الى 37% من مجموع السكان، الذين يبلغ عددهم حاليا 2,3 مليون نسمة.
إذاً الانقلاب الحمساوي الأسود، كان جزءا من مخطط اشمل واعم لخدمة المخطط الصهيوني الأساس، أي ترجمة التطهير العرقي بوسائل وأدوات أخرى منها الأداة الفلسطينية المأجورة، والمرتهنة تاريخيا لمشاريع الغرب الاستعماري. ولهذا دافع بنيامين نتنياهو عن الانقلابـ، وعمل على إيصال الأموال عبر مطار اللد بالشنط القطرية لهم، ومازال قادة إسرائيل من مختلف التلاوين الصهيونية يعملون على تلميع ودعم قيادة الانقلاب الاخوانية. لان امارتهم مصلحة استراتيجية تخدم الشعار الناظم للحركة الصهيونية.
ومخطط التهجير، الذي يبدو طوعيا بالشكل، ولكنه في الجوهر تهجيرا ارغاميا ومفروضا للأسباب المذكورة آنفا، لا يقتصر حصره على قيادة الانقلاب في محافظات الجنوب، وانما هناك قوى أخرى تساهم فيه بشكل غير مباشر، من خلال منح تأشيرات للشباب الفلسطيني لدخول بلدانهم، والمؤسف ان الشباب يدفع ثمن هجرته الاضطرارية لاحد المكاتب التي يديرها قادة الانقلاب في قطاع غزة، وللمتنفذين على معبر رفح على الجانب الفلسطيني، وسماسرة تأمين التنسيق للسفر للخارج.
هذا الوضع المأساوي يتطلب من قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وحكومتها القائمة ، او حكومتها القادمة وضع خطة عمل وطنية شاملة لمعالجة ظاهرة الهجرة الخطيرة، التي تستهدف الوجود الفلسطيني في ارض الوطن، أولا بفرض خيار الوحدة، ثانيا طي صفحة الانقلاب، ثالثا توسيع وزيادة فرص العمل داخل حدود السوق الفلسطيني، وبالتعاون مع الاشقاء العرب، وغيرها من الأسواق دون اقران ذلك بالهجرة، رابعا إعادة نظر في المنهاج الجامعي والتعليم المتوسط بحيث يتم فتح أبواب المهن الصناعية بمختلف مجالاتها امام قطاع واسع من الشباب؛ خامسا إعادة نظر في التوزيع الديمغرافي بين المحافظات الفلسطينية، واسكان الشباب في المناطق (C) وفق خطط وطنية شاملة، لفرض السيادة على المنطقة. وهناك بالضرورة مشاريع وخطط اشمل واوسع مما ذكر هنا. لكن يبقى العنوان الأساس وقف هجرة الشباب الفلسطيني خارج الوطن. لان الصمت على ذلك، يحمل الجميع المسؤولية.
[email protected]
[email protected]