مواقف الرجال في زمن الانهيار

بي دي ان |

01 سبتمبر 2023 الساعة 11:58م

الكاتب
الرجولة مفهوم أوسع واشمل من تحديد جنس الانسان، لان الجنس يتحدد بصفتين "ذكر" او "انثى" ولا ثالث لهما، وكل المفردات اللغوية المستخدمة للدلالة على الجنسين لا تتجاوز حدود "الذكر" و"الانثى". بيد ان مفهوم الرجولة يتجاوز حدود التعريف بالجنس، ليحمل في ثناياه صفات أخرى، منها: الشجاعة، والفروسية والحكمة، وقول كلمة الحق حتى لو كانت تحمل الانسان المصاعب وتحديات إضافية. والرجولة تشمل في سعتها المرأة والرجل على حد سواء، ولا تقتصر على الرجل فقط. لان الشجاعة والجدارة والكاريزما والقدرة على اتخاذ القرارات في اللحظات والمحطات المختلفة، وخاصة في لحظات الشدة والصعوبة. وتبرز وتتضح مكانة الانسان الجريء والكفؤ والمتميز والقادر والمتمكن بالعلم والمعرفة والحكمة والأمانة المرتكزة جميعها الى القيم والأخلاق النبيلة واصالة الانتماء للذات وللمؤسسة والوطن والشعب والأمة، والدفاع عن قضاياها دون تردد، او تعلثم، او حسابات شخصانية ذاتوية، او عائلية وعشائرية، او جهوية ومناطقية، اودينية وطائفية ومذهبية، او وفق اية معايير قزمية نانوية. لان ارقى درجات الرجولة تتمثل في الدفاع عن مصالح الشعب والأمة، وتحمل تبعات التصدي لمشاريع الأعداء باقتدار وكفاءة وشموخ، ولكن دون غرور، او نزق، او استصغار لدور القوى الاستعمارية المتجبرة وادواتها.
والحديث عن الرجولة والكفاءة في اعلى مستوياتها، لا ينتقص من دور الرجولة في المستويات الأدنى، بدءا من دفاع الانسان عن مكانته ودوره وقناعاته الخاصة، وعن خياراته الحياتية، وعما يمثل، او ينتمي له، وصولا لاعلى درجات الرجولة. لان الانسان الباسل ومالك الكاريزما ومفاتيح القيادة يربأ بنفسه، ان يكون انتهازيا، او رخيصا، وبائعا لذاته، او منافقا وتافها ومتهافتا، الا انه بالضرورة سيكون مناورا، ومبدعا في تدوير الزوايا، وحريصا على كسب معاركه الشخصية والعامة بأقل الخسائر، ودون تقديم تنازلات مجانية من رصيده، او رصيد شعبه او أمته، وفق الموقع والمكانة التي يتمثلها، ويدافع عنها.
كل ما تقدم له شديد الارتباط بما تضمنته توجيهات الرئيس التونسي، قيس سعيد لسفرائه يوم الجمعة الموافق 4 آب/ أغسطس الماضي الشجاعة والنبيلة، التي ربط فيها بين المصالح الوطنية التونسية والقومية العربية وفي مقدمتها قضية فلسطين وقضايا الشعوب المنكوبة والمظلومة بسبب هيمنة وظلم الدول الاستعمارية بقيادة الولايات المتحدة، التي ترفض من حيث المبدأ وجود قيادة مستقلة، ومدافعة عن مصالح شعبها وامتها والإنسانية ووفق قوانين الشرعية الدولية، حيث دعا سفراء بلاده الى "التعامل بالند للند، لانهم يمثلون دولة ذات سيادة"، وطالبهم في قصر قرطاج بالعمل على تحقيق مصالح تونس في جميع المجالات، دون تردد، او خشية او تنازل عن مكانتهم السيادية التي يمثلونها باسم الشعب العربي التونسي. وحملهم مسؤولية "التصدي لحملات التشويه، التي تطال الدولة التونسية من دوائر الغرب الاستعماري، التي لا تقبل ابدا بوجود أي نظام وطني، او قومي او ديمقراطي يدافع عن سيادته ومصالح شعبه وأمته.
ولم تقتصر تعليماته ووصاياه لسفرائه عند حدود القضايا الوطنية التونسية، وانما اوصاهم بباسلة وفروسية ونبل اخلاق وحكمة القائد بالدفاع "عن القضايا العادلة" كل القضايا العادلة في العالم. لان تونس التي يقف على رأس هرمها القيادي "تعمل من اجل نظام عالمي انساني جديد،" عالم يقوم على التكافؤ والتسامح والتعاون بين الشعوب والدول، يعيد الاعتبار لمكانة الشعوب المظلومة، التي تتألم تونس لآلامها والآم "كل مظلوم في الأرض."
وركز الرئيس سعيد على الدفاع عن الحق القومي العربي المتمثل في ضرورة "الدفاع عن الحق الفلسطيني في كل لقاء، وفي كل محفل يكونون فيه،" رغم اشارته لهم، بأن لدولة فلسطين سفراءها. لكن حق فلسطين على الاشقاء العرب يتجاوز الحسابات الوطنية، ويضاعف ويعمق من مسؤوليات السفراء والقيادات العربية الرسمية والشعبية في المحافل الإقليمية والدولية، ويدعوهم للنهوض بمهامهم الوطنية والقومية، لان قضية فلسطين، هي "القضية المركزية للامة العربية والأمة الإسلامية،" وهي قضية كل انصار السلام والعدالة في العالم. ولان للشعب العربي الفلسطيني "الحق في ارض فلسطين المسلوبة" أرض وطنه الام، الذي لا وطن له سواه. معربا عن أمله في "ان يحقق الشعب الفلسطيني الانتصار" على أعداء الداخل والخارج وخاصة العدو الصهيو أميركي، وتمنى "ان تقوم دولة فلسطين وتكون عاصمتها القدس الشريف."
هنا تجلت رجولة الفارس العربي التونسي الأصيل في الدفاع عن تونس وشعبها ومصالحها الوطنية، وبذات القدر بالدفاع عن فلسطين العربية، رأس القضايا القومية المنكوبة بالاستعمار الصهيوني منذ 75 عاما، وعن قضايا الامة كلها. رغم انه يعيش في زمن الانهيار والانكفاء العربي الرسمي على الذات، ومع انه يعيش في دوامة أزمات المتشعبة، ويعي معاناة شعبه من حملات التشوية والتحريض والفتنة ضده وضد تونس المستقلة والسيدة من أعداء الداخل، الذين اثقلوا وزادوا ديون تونس مئات المرات، ووسعوا دائرة الفتنة داخل النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي، وحاصروا الشعب بكم هائل من الاربكات والتشوهات والتناقضات، ومن أعداء الخارج وعلى رأسهم واشنطن وباريس ومن لف لفهم من دول الغرب الرأسمالي، وحدث ولا حرج عن ربيبة وصنيعة الغرب الاستعماري، دولة المشروع الصهيوني الاجلائي الاحلالي.
مع ان الرئيس التونسي يعلم علم اليقين، ان أي موقف داعم لاستقلال تونس، ولقضية فلسطين القومية تحديدا يضعه وشعبه في دائرة الملاحقة والمواجهة المباشرة مع أعداء الامة في الداخل والخارج. لكنه لم يهادن، ولم يطأطأ الرأس، ولم يساوم على الحقوق الوطنية والقومية، واستند الى الحقوق السياسية والقانونية إضافة الى الحقوق التاريخية للشعب العربي الفلسطيني في ارض وطنه الام، فلسطين. وكان بإمكان الرئيس سعيد، ان يعفي نفسه من أعباء القضايا الوطنية والقومية لو ارتضى اعتماد مقولة "ضع رأسك بين الروس وقول يا قطاع الروس"، او اتبع سياسة وخيار "وانا مالي، اللهم الا نفسي." لم يقبل ذلك، وتحدى بحكمة وجدارة وجرأة كل الأعداء.
شكرا للرئيس قيس سعيد، التونسي العربي المناضل الوطني والقومي، وشكرا لكل قومي دافع ويدافع عن قضايا شعبه وامته دون خشية من أعداء الامة العربية. لان أعداء كل بلد وشعب عربي، هم أعداء الامة العربية من المحيط الى الخليج.
[email protected]
[email protected]