عاصم ليس عاصما

بي دي ان |

01 سبتمبر 2023 الساعة 12:23ص

الكاتب
عندما يتولى مطلق انسان في أي دولة موقعا عاما يصبح لازما عليه، ان يمثل كل الشعب بعيدا عن الحسابات الشخصية او المناطقية والجهوية، ويفترض ان يلتزم بالقسم الذي اداه امام رئيس الدولة والشعب والنظام السياسي، ومطلوب منه ان ينفذ برنامج المؤسسة العامة، التي تولى مسؤولياتها، او في إطارها. ويمسي مسؤولا عن كل كلمة يتفوه بها، او أي تصريح يصدر عنه. لانه يمثل المصالح العامة للنظام السياسي، وكونه بات تحت المجهر، وبالتالي عليه ان يزن مواقفه بميزان من ذهب، حتى لا يسيء لشخصه وللقسم الذي نطق به، وتعهد بالوفاء بتنفيذه لخدمة قضايا الشعب، وللمؤسسة العامة التي ينتمي لها.
ما تقدم له صلة بما ادلى به علانية وفي حفل اطلاق احدى شركات النقل وزير النقل والمواصلات عاصم سالم يوم الاثنين الماضي الموافق 28 آب / أغسطس الماضي، عندما اعلن، انه عين 250 موظفا من مدينة نابلس في عهده غير الميمون، وقال "اللي عاجبه عاجبه، واللي مش عاجبه الله لا يجعله يعجبه، وليعتبروها عنصرية."  هذا التصريح المرفوض جملة وتفصيلا، كان اعتداءً صارخا من غير العاصم على القسم أولا، وعلى برنامح حكومة الدكتور محمد اشتيه، وعلى النظام والقانون العام للسلطة الوطنية ثانيا، وعلى مصالح الشعب العامة ثالثا، وأخل بمعايير النزاهة والشفافية والمصداقية رابعا. مما اثار ردود فعل غاضبة وواسعة في أوساط الشعب، ودفع العديد من المؤسسات الحقوقية ومنها الهيئة المستقلة لحقوق الانسان يوم الثلاثاء الموافق 29 آب / أغسطس الماضي الى المطالبة بفتح تحقيق جنائي معه، حسب بيانها، الذي أكدت فيه، أن "ذلك ينطوي على شبهة ارتكاب مخالفات لقانون مكافحة الفساد، وتحديدا جرائم الواسطة والمحسوبية، والمتاجرة بالوظيفة، وإساءة استخدام المنصب، عدا عن انتهاك الحق في تكافؤ الفرص في تولي الوظائف العامة المكفول في القانون الأساسي الفلسطيني. كما يتضمن تمييزا في التوظيف على أسس جهوية."
مما دفع رئيس الحكومة الى تكليف ديوان الرقابة المالية والإدارية بمتابعة تصريحات وزير النقل والمواصلات عاصم سالم بشأن التعيينات في وزارته، للتأكد مما اذا كانت هذه التعيينات متوافقة مع القوانين والأنظمة المعمول بها في الوظيفة العمومية." وعلى أهمية قرار رئيس الوزراء بشأن التحقيق في تعيينات الوزير غير العاصم، الا ان الضرورة كانت تملي على الدكتور اشتيه اتخاذ اجراءً احترازيا فوريا بوقف الوزير عن العمل لحين انتهاء ديوان الرقابة من مهمة التحقيق فيما اعلنه، ولمخالفته الصريحة للقسم، ولبرنامج الحكومة وسياساتها العامة، ولإخلاله بالقانون الأساسي (الدستور)، بغض النظر ان كان سيتم تعديل او تغيير للحكومة. لان موقف الوزير تجاوز كل المعايير والأنظمة المعمول بها.
ويفترض ان يكون غير العاصم، الذي ليس له من اسمه أي نصيب، فهو ليس عاصما ولا سالما. لانه يعلم ان الحكومة والسلطة عموما تواجه حملة تحريض شرسة من كل الأعداء في الداخل والخارج، وتتهم بالوقوع في الفساد والخطايا في مختلف مجالات عملها، فكان الاجدر به، ان يكون دقيقا ومسؤولا عما ينطق به، ويحمي السلطة والحكومة والقانون العام والقسم من الاتهامات التي جلها باطلة، او غير موضوعية، وتستهدف السلطة كسلطة ورأسها ومكوناتها المختلفة.
لكنه تحدث بطريقة فجة، اساءت لشخصه ولمدينة نابلس البطلة، مدينة جبل النار، واحد اهم عناوين الدفاع عن الثورة والنظام السياسي، وعن روح المقاومة الشعبية الشجاعة، التي تمثلها نابلس وقراها ومخيماتها يوميا في مواجهة الغزاة المستعمرين الإسرائيليين، وتدفع يوميا ضريبة حرية الوطن والشعب الفلسطيني بكل مكوناته في الداخل والشتات والمغتربات. ومع ذلك، نابلس البطلة والرائدة في الكفاح الوطني التحرري بريئة براءة تامة من تصريح غير العاصم. رغم ان بعض أبنائها اصدروا بيانا داعما للوزير غير السالم، وهو أيضا لا يمت بصلة لابناء نابلس الباسلة والمجيدة، حاملة راية الوطن والوطنية الفلسطينية، والتي لا تقبل القسمة على الجهوية المقيتة. لانها احد اهم قلاع فلسطين وثوراتها العظيمة المتعاقبة منذ بدأ الكفاح الوطني ضد الحملة الصليبية الصهيونية في عشرينيات القرن الماضي، ولن تكون يوما الا للكل الفلسطيني بعيدا عن الحسابات الصغيرة والمناطقية المريضة، وترفض تصغيرها وتقزيم دورها، وامتهان مكانتها الريادية في النضال الوطني العام، وفي دفاعها المستميت عن الشعب والنظام السياسي والقانون الأساسي، وستبقى قلعة وشوكة في حلق أعداء الداخل والخارج.
واقترح على الوزير المبادرة للاستقالة فورا، لعله يعيد الاعتبار لذاته وللحكومة وللقسم والنظام السياسي وللشعب، ان كانت لديه الشجاعة الكافية، كما صرح واعلن موقفه المعيب والمريب والخطير يوم الاثنين الماضي.
في كل الأحوال، يفترض اتخاذ موقف اكثر جرأة وشجاعة من رئيس الحكومة لاعادة الاعتبار للوزارة التي تعاني من كم كبير من المشكلات. فهل يفعلها الدكتور اشتية؟
[email protected]
[email protected]