عاد من موته المتعجل !!

بي دي ان |

16 أغسطس 2023 الساعة 07:17ص

عاد من موته المتعجل...فاجأني عبد الله أبو شرخ ،عند الطرف الجنوبي لسوق الخضار في مخيم جباليا...كان يحمل كيساً كبيراً من الزعتر الأخضر...رأيت البائع يرتعش من هول المفاجأة...زبونه الذي شيعه قبل أقل من عام يعود...راحلٌ يحمل حنيناُ لزعتره و يعود ليشتري منه...كنت أحدق في وجهه مذهولاً!

_لا تستغرب يا رجل...شدني نحو الباحة الصغيرة في مقهى ديليس، ملقياً بكيس الزعتر ،في الركن المجاور للباب...صعق النادل علي ،حين رآه يقتحم المكان بصحبتي، و راح يتمتم مرعوباً: عبد الله! لا إله إلا الله!

أطبق الصمت على المكان فجأة ...هدأ الضجيج تماماً ،و انزلق الكلام ليغرق في أكواب القهوة الباردة...أشعل عمر حمش سيجارته الخامسة، و راح يتأمل وجوه الزبائن الشاحبة مبتسماً...أغلق خضر عطية محجز  كتاباً في نقد التراث، و راح يتبادل النظرات مع عمر و جميل عبد النبي ...بكى القسامي المتقاعد الساخط دوماً محمد نصار، و ألقى برأسه على كتف الشيخ خضر...

جلجلت قهقهات عبد الله في فضاء المكان، فسقطت صينية أكواب القهوة من بين يدي علي، و راح ينظر في الوجوه مستنجداً ...

رشف الهادئ الى حد السكينة سامي ابو لاشين رشفة كبيرة من قهوته، و اتكأ على عكازه الذي يمقته ،بقدر كرهه لمأفونٍ طرز ساقيه بالرصاص، ذات زمن ردئ!

على المائدة المجاورة، اتسعت ابتسامة نبيل السردي، و تمتم منفعلاً:
_كنت متيقناً من عودته!
انقطع التيار الكهربائي، و أظلم المكان قليلاً...كان وجه عبد الله مشرقاً. و كانت رائحة زعتر بري تعبق في المكان...كان بائع الزعتر في طرف السوق، قد نشر الخبر...اكتظ الشارع الجنوبي أمام المقهى بالمواطنين الذين عرفوا عبد الله...و في زاوية بعيدة ،توقف رجال أمن متخفين بالزي المدني...أحدهم بال على جسد عبد الله، و هو مقيد و ملقى على الحصى...و الثاني جلده بقسوة، حين رفض ركوب الدراجة المرسومة على الجدار.. أما الثالث فقد بصق عليه عدة مرات، و هو يصطحبه من و إلى غرف التحقيق...كان الحشد يكبر و رجال الأمن يبتعدون أكثر...شاع الخبر في كافة أرجاء المخيم...احتشدوا قرب الترنس، حيث اعتاد الراحل العائد، أن يهتف على أكتافهم... 

لملم رواد المقهى الصغير أغراضهم ... أجرى بعضهم مكالمات خاطفة...كانت عدوى مفاجأة عودة عبد الله تتسع ...و راح الهدير يعلو و يتسع أيضاً...الوجوه متعرقة تحت أشعة الشمس الحارقة ...و العيون الحمراء الغاضبة، تتابع عبد الله و هو يحمل كيس زعتره، ليبتلعه زحام الشارع الجنوبي في السوق !!!