النيجر على صفيح ساخن

بي دي ان |

08 أغسطس 2023 الساعة 02:07ص

الكاتب
في 26 تموز / يوليو الماضي نجح انقلاب عسكري في النيجر على الرئيس محمد بازوم، الذي وصل لرئاسة البلاد عن طريق الانتخاب في نيسان / ابريل 2021، وهي المرة الأولى في تاريخ البلاد، مما اثار ردود فعل افريقية ودولية واسعة، مع ان منطقة وسط غرب افريقيا، ومن ضمنها النيجر، هي منطقة زالزل انقلابية، التي لم يرافق أي منها ضجيج اعلامي وسياسي وديبلوماسي وعسكري كما جرى في نيامي. مع انها من افقر دول العالم، واقلها نموا على الاطلاق، حيث تغطي الصحراء الكبرى ما يقارب ال80% من مساحة البلاد، التي تبلغ مساحتها 1,270,000 كم مربع، ويصل تعداد سكانها حوالي 27 مليون نسمة، وتوصف بانها دولة حبيس تقع في غرب القارة السوداء، ويعتمد اقتصادها أساسا على تصدير بعض المنتجات الزراعية، والمواد الخام، ومن أهمها اليورانيوم. فضلا عن افتقارها للبنية التحتية المناسبة، وتعاني من تدهور القطاع الصحي، وضعف مستوى التعليم، وظروف بيئية صعبة، كونها تعاني من الجفاف والتصحر.
رغم كل ما تقدم، أعلنت دول المجموعة الاقتصادية في وسط غرب افريقيا (إكواس)، ومنها النيجر ومعها فرنسا وألمانيا وبريطانيا وكندا التهديد والوعيد لقادة الانقلاب، وطالبوهم بإعادة تسليم السلطة للرئيس يازوم قبل 6 آب/ أغسطس، الذي انقضى اول امس، والا سيواجهون تدخلا عسكريا. ولكن قيادة الانقلاب لم تذعن للتهديد، واصدر المجلس العسكري للانقلاب بيانا جاء فيه، انه "في مواجهة التهديد بالتدخل الذي بدأت معالمه انطلاقا من استعدادات البلدان المجاورة،" وخاصة نيجيريا الدولة الأكبر في المجموعة الاقتصادية، والمحاذية للنيجر بإغلاق مجالها الجوي امام جميع الطائرات وحتى اشعار آخر من يوم الاحد الماضي الموافق 6 آب/ أغسطس الماضي، أي يوم نهاية المهلة لتسليم السلطة للرئيس المزاح عن قيادة البلاد. وأضاف البيان، أن أي محاولة لخرق المجال الجوي ستواجه "برد قوي وفوري" وفق موقع فرانس 24". وهذا القرار سيكبد شركات الطيران الغربية مبالغ باهضة. خاصة وان كل من السودان وليبيا اجواءها مغلقة امام تحليق الطيران، مما يضاعف من المسافات التي تقطعها الطائرات بالاف الكيلومترات، كونها جميعا تقع في منتصف القارة السوداء، وهذا بدروه سيرفع قيمة تذاكر السفر.
الأسباب الرئيسية للحملة الإعلامية والسياسية والتهديد بالتدخل العسكري تعود الى أولا الخشية من عدوى الانقلاب؛ ثانيا ازدياد اعداد المهاجرين لدول الجوار ولاوروبا؛ ثالثا اتساع نطاق الإرهاب. لا سيما وان منطقة غرب وسط افريقيا تعتبر الأكثر احتضانا للمجموعات الإرهابية في العالم بعد أفغانستان؛ رابعا تهديد مصالح دول المنطقة؛ خامسا تبعيتها للدول الغربية وخاصة فرنسا الفرانكوفونية.
والأسباب الفرنسية تتمثل في: أولا تعتبر النيجر آخر مناطق النفوذ لها في دول وسط غرب افريقيا؛ ثانيا حرمانها من مادة اليورانيوم، احد اهم مصادر صناعة الأسلحة النووية والثروات الطبيعية الاخرى؛ ثالثا الخشية من نفوذ روسيا الاتحادية، التي اخذت تحل تدريجيا مكان فرنسا. وهذا ما عكسته المظاهرات الشعبية النيجرية، التي رفعت اعلام روسيا تأييدا للانقلاب، فضلا عن سعي قيادة الانقلاب ابرام اتفاق مع مجموعة فاغنر الروسية لتكون بديلا للقوات الفرنسية، التي يوجد لها قاعدتان عسكريتان يتواجد فيها 1500 جندي، و15 مستشارا عسكريا. كما يوجد للولايات المتحدة قاعدتان عسكريتان فيها 1100 جندي، مع ان واشنطن لم تعلن موقفا واضحا من الانقلاب؛ رابعا الخشية من زيادة نفوذ المجموعات الإرهابية مثل بوكو حرام وغيرها المتمركزة في النيجر ومالي وبوركينا فاسو. مع ان المتتبع لظاهرة نشوء وتطور تلك المجموعات يعلم، ان الدول الغربية عموما والولايات المتحدة خصوصا تقف وراءها. لانها تريد إبقاء تلك البلدان مرتعا لحالة الفوضى لتحافظ على نفوذه فيها لنهب ثرواتها.
مع ذلك التدخل العسكري في النيجر يواجه رفضا في داخل نيجيريا نفسها، حيث عارض مجلس الشيوخ فيها يوم السبت 5 آب / أغسطس الماضي التدخل، وحث رئيس البلاد، الرئيس الحالي لكتلة وسط غرب افريقيا (إكواس) على البحث عن خيارات أخرى غير استخدام القوة. اضف الى ان كل من بوركينا فاسو ومالي وغينيا هددت الدول الداعمة لخيار التدخل العسكري، بانها ستعتبر ذلك حربا عليها. كما ان الجزائر وتشاد أعلنت رفضها لاستخدام القوة ضد الانقلابيين، وبالتالي لا يوجد اجماع لا في داخل الدول صاحبة التوجه، ولا في الدول المجاورة للنيجر، والشركاء في المجموعة الاقتصادية.
بالنتيجة النيجر تعيش على صفيح ساخن، فهي من جهة دولة واسعة جدا، ولا يتجاوز عدد جيشها وأجهزتها الأمنية ال 15 الف عسكري بما في ذلك عدد قواتها الجوية، التي لا تزيد عن 300 عنصر، والشرطة والدرك، وبالتالي إمكانية دفاعها عن أراضيها ستبقى محدودة. لكن ما يساعدها في صد خيار التدخل العسكري، هو دول الجوار، ورفضه من داخل نيجيريا نفسها. وبالتالي السيناريوهات مفتوحة على فضاءاتها المختلفة. وقادم الأيام كفيل بالجواب على التساؤلات كافة.
[email protected]
[email protected]