قوطة وراشيل وشهادة الموت الواحدة

بي دي ان |

29 يوليو 2023 الساعة 12:34ص

الكاتب
ما اشبه اليوم بالأمس القريب عندما قامت جرافات العدو الصهيوني اثناء انتفاضة الأقصى بهدم مباني ومساكن المواطنين في مدينة رفح كعقاب جماعي لابناء الشعب، وللضغط عليهم لوقف الانتفاضة الباسلة، وكانت هناك فتاة أميركية مع ممثلي حركة التضامن العالمية للدفاع عن حقوق ومصالح الشعب العربي الفلسطيني، بهدف التصدي للانتهاكات الصهيونية الخطيرة، ولوقف استباحة القانون الدولي والقيم الانسانية، مفترضة كونها أميركية، وتؤمن بالسلام والعدالة الاجتماعية يمكن ان يغفر لها، وينجيها من الموت الإسرائيلي. لكن همجية ووحشية الاستعمار الإسرائيلي المدعوم من الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي لم يحسب حسابا لاي معيار سياسي او قانوني او أخلاقي قيمي، فقامت جرافاته بطحن جسد راشيل كوري مع التراب الوطني وليمتزج دمها الأحمر القاني بارض السلام والانبياء، ولم تأبه باية ردود فعل على جريمة قتل راشيل. وهو ما حصل، وصمتت الإدارة الأميركية بعد مقتل راشيل في 16 آذار / مارس 2003، ولم تنبس ببنت شفة، الا برد فعل باهت وخجول وتافه.
بنفس الطريقة الوحشية والاجرامية نفذت بلدية خانيونس وشرطتها وسائق جرافتها جريمة قتل عن سابق عمد وإصرار للمواطن شادي أبو قوطة (48 عاما) صباح الخميس اول امس الموافق 27 تموز / يوليو الحالي، عندما قام سائق الجرافة المتوحش بتنفيذ امر هدم جدار منزل الشهيد أبو قوطة عليه، مما أدى لوفاته فورا على مرآى ومسمع من العالم في جورة العقاد بمخيم خانيونس، بذريعة إزالة التعديات وفتح شارع جديد في المنطقة.
وكان الراحل شادي تمكن من انتزاع قرار من المحكمة في 15 تموز / يوليو الحالي بعدم هدم جدار منزله، ولهذا وقف امام الجرافة وسائقها المجرم، وهو يحمل قرار المحكمة الحمساوية، ويناشدهم الا يهدموا جدار منزله، لكن الشرطيان اللذين رافقا الجرافة الخرساء والسائق الأمي والمتخلف، طالباه بهدم الجدار على رأس وجسد المواطن الفلسطيني العربي مما أدى لعملية الاغتيال بشكل سافر ووحشي.
مع العلم، ان بلدية خانيونس لا علاقة لها بمخيم خانيونس، وهو ليس تابعا لولايتها، ولا يمت بصلة لها، اضف الى ان للمخيم انظمته واليات عمله الخاصة المشرفة عليها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "الاونروا". ورغم ذلك لحسابات واجندات شخصية نفعية أصرت قيادة البلدية غير المنتخبة والانقلابية على هدم جدار بيت المغدور شادي عطية عبد الحميد قوطة. هذه ليست المرة الأولى، التي تقوم فيها قيادة الانقلاب بارتكاب انتهاكات خطيرة بحقوق أبناء الشعب الفلسطيني في محافظات الجنوب، وهدم بيوتهم ومساجدهم ومصادرة املاكهم، وفرض الخوات والضرائب عليهم، واعتقالهم بدون سبب الا لسبب الابتزاز وانتهاك حرمات العباد ومحصناتهم، واستخدام العصا الغليظة والقتل دون تردد، كما حدث اول امس مع المغدور الشهيد شادي أبو قوطة.
وردا على عملية القتل الجبانة التي نفذتها رئاسة البلدية الانقلاب وميليشياتها المأجورة وجرافتها يقول القرآن الكريم في سورة المائدة 36 عن عمليات القتل بغير سبب " أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ" أي ان عملية قتل انسان بريء، لا يعادلها قتل انسان آخر، وانما كأنه قتل الناس جميعا، ورفع الله جل جلاله مكانة الانسان المغدور الى درجات سامية، تتجاوز في اهميتها هدم الكعبة المشرفة ومسجد الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى المبارك.
وفي ردة فعل مباشرة أصدرت عشيرة السطرية – عائلة أبو قوطة بيانا جاء فيه، ان بلدية خانيونس وعلى رأسها مازن الشيخ بصفته الوظيفية والعائلية، هو المسؤول المباشر عن هذا المشروع، وسائق الجرافة بصفقته الوظيفية والعائلية، وعنصرا الشرطة المرافقان للجرافة المسؤولية الكاملة عن وفاة ابننا المغدور شادي عطية عبد الحميد أبو قوطة.  وأضافت مستنكرة ومتعجبة مما تقوم به قيادة الانقلاب الأسود، "تفاجئنا بقيام الجهات الأمنية باستدعاء واعتقال عدد من أبناء العشيرة دون ادنى مبرر، بدلا من مواساتنا في مصابنا الجلل، وتحمل مسؤولية الحدث." الجريمة. وأكدت العائلة، انها لن تقوم بدفن المتوفى حتى الانتهاء من إجراءات التحقيق في الحادث والقصاص من القتلة في بلدية خانيونس.
وكما يلاحظ الرأي العام الفلسطيني عموما وفي قطاع غزة خصوصا، ان قيادة الانقلاب برئاسة السنوار وميليشياته لم يكتفوا بقتل الرجل بدم بارد ووحشي، كما فعلت إسرائيل اللقيطة مع راشيل كوري الأميركية في رفح عام 2003، بل قامت بشكل وقح وخارج على القانون باعتقال أبناء العائلة ومن يناصرهم من أبناء الشعب، وارسلوا ميليشياتهم لفرض الإرهاب على المواطنين، وتكميم افواههم. وفي ذات السياق، حاولوا الادعاء انهم ضد ما حصل، وارغموا رئيس البلدية الانقلابي على الاستقالة مع المجلس البلدي شكليا، وادعوا بفتح تحقيق، والامر لا يحتاج لا لتحقيق ولا لتشريح الجثة ولا للالاعيب الحمساوية المفضوحة، بل الى قرارات واضحة ورادعة بحق القتلة. لكن اذا كان صاحب الانقلاب هو القاتل، وهو الحاكم والقاضي في آن، فكيف ستكون النتيجة؟ مزيد من عمليات القتل والاستباحة لحقوق المواطنين. وبالتالي على الجماهير الفلسطينية ونخبها السياسية والثقافية والأكاديمية والاقتصادية والحقوقية رفع صوتها، والضغط في هذه اللحظة السياسية لالزام قيادة الانقلاب الأسود بالكف عن خيار الامارة، واخذ القانون باليد، وطي صفحة الانقلاب، واستعادة الوحدة الوطنية، ومحاكمة كل القتلة والزعران الذين عاثوا فسادا طيلة السبعة عشر عاما الماضية.
رحمة الله على الشهيدين أبو قوطة وكوري وكل ضحايا الانقلاب الأسود والاستعمار الإسرائيلي الوحشي. اللذين توحدا في شهادة الوفاة باداتين إسرائيلية استعمارية وانقلابية اخوانية مارقة ومأجورة، وهما وجهان لعملة واحدة.
[email protected]
[email protected]