ستروك وعصابة فاغنر الإسرائيلية

بي دي ان |

30 يونيو 2023 الساعة 11:58م

الكاتب
في أواسط ثمانينات القرن الماضي التقيت مع مجموعة من الأصدقاء في صوفيا / بلغاريا بالراحل الشاعر والسياسي الفلسطيني من الناصرة سالم جبران، وكان آنذاك رئيس تحرير صحيفة "الاتحاد" الحيفاوية، وعضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي الإسرائيلي، قبل سنوات من انفصاله عنه، واثناء الحديث عن الواقع الإسرائيلي والموقف من الحروب التي تشنها على الفلسطينيين والعرب، قال "إسرائيل دولة منخورة بالسوس. لكن للأسف قوتها تكمن في ضعف الدول العربية وتشرذمها." وكلما وقفنا امام حدث وتطور في سياق سيرورة الدولة العبرية يتأكد لنا، انها تعاني الف داء سرطاني، وما يوقفها على قدميها حتى الان ليس قوتها الداخلية، رغم كل ما تمتلكه من أسلحة كلاسيكية ونووية، انما أولا وقوف دول الغرب الرأسمالية بقيادة الولايات المتحدة خلفها، وتقديم كل اشكال الدعم السياسي والدبلوماسي والاقتصادي والعسكري لها، وحمايتها من المحاسبة والملاحقة في المنابر الدولية والإقليمية؛ ثانيا ضعف وتفكك الحالة العربية الرسمية، وتآمر معظمها على بعضها البعض، وتبعية الغالبية منها لدول الغرب عموما وواشنطن خصوصا؛ ثالثا نجاح أدوات العدو الصهيو أميركي في اختراق الحالة الفلسطينية، وغياب الوحدة الوطنية والشراكة السياسية، والفشل في اليات المواجهة مع الدولة المارقة.  
وعليه لا ابالغ، ولا اتجنى، ولست مولعا في التطرف في محاكاة الواقع الإسرائيلي الهش والمحشو بالسوس والعث والعفن، عندما أؤكد، ان إسرائيل دولة فاشلة، رغم كل مظاهر القوة التي تبدو عليها، والناجمة أساسا عن الضعف الفلسطيني العربي المريع، والاختراقات الإسرائيلية للصفوف، والعصا الأميركية الغليظة، صاحبة مشروع الدولة الصهيونية الاجلائية الاحلالية.
واذا توقف مطلق مراقب غير المختص بالشأن الإسرائيلي، ودقق النظر في مختلف مناحي الحياة السياسية والحزبية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والثقافية والدينية والبيئية سيكتشف دون عناء عمق التآكل والتشوه المتأصل في تفاصيل التفاصيل داخل مركبات المجتمع الإسرائيلي.
وساورد مثلا صغيرا كنموذج على بؤس وتشرذم الحالة الصهيونية، الذي تمثل بمهاجمة وزيرة المستعمرات، أوريت ستروك يوم الاثنين الموافق 26 حزيران / يونيو الماضي رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، لادانتهم جرائم الحرب، التي ارتكبها قطعان المستعمرين ضد أبناء الشعب في ترمسعيا والمغير واللبن الشرقية وحوارة وغيرها من القرى الامنة الأسبوع السابق لبيانهم، والذي يبدو انه جاء بتعليمات من رئيس الوزراء للحد من ردود الأفعال الأميركية والأوروبية والعربية والعالمية عموما، حيث قارنت موقفهم ب"بتمرد عصابة فاغنر الروسية." وهذا خطير جدا في المعادلة الإسرائيلية. وتساءلت ستروك من حزب "القوة اليهودية" بزعامة بن غفير في مقابلة صحفية "من أنتم لتصدروا مثل هذا البيان تحت انظار الحكومة؟" وللتخفيف من حدة تصريحها، قالت "انا ضد هذه الاحداث." وهي كاذبة 100%، لانها وزعيمها الفاشي وقفوا ويقفوا وراء تلك الجرائم، ثم عادت لمربعها الأصلي "لكن من العار ان نسميها إرهاب قومي." وفق صحيفة "يسرائيل هيوم". ماذا يمكن ان تسمي جرائم الحرب الفاشية لقطعان مستعمريكم؟ بالتأكيد تصفينهم ب"الابطال"؟ اليس كذلك؟
ولاحقا بعد مراجعة لتصريحها الذي اثار ضجة واسعة في الأوساط الإسرائيلية، كونها غالت فيه ضد قادة الأجهزة الأمنية، عصب الدولة الإسرائيلية العميقة، ومنفذو سياساتها واجنداتها، ولكن بطريقتهم، وبما لا يعطي الانطباع عن وحشية وفاشية الدولة الخارجة على القانون "اعتذرت وزيرة المستعمرات عن كلماتها بالقول "أقول هنا الان: عبارة "فاغنر فورس" خاطئة، وانا اعتذر عنها.
طلق ستروك خرج، وكشف حدة التناقض القائم والموجود بين أحزاب الصهيونية الدينية والمؤسسة الأمنية، وهو تناقض ليس استراتيجيا، انما تناقض او لنقل تباين نسبي في الأساليب، وليس في الأهداف. ورغم ادراك ستروك لذلك، لم تقبل بيان رؤساء الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، التي لا تعكس جوهر موقفهم المؤيد والداعم والمتبني لخيار توسيع وتعميق الاستيطان الاستعماري، مما أظهر للعيان والمراقبين، ان حكومة الترويكا الفاشية متعجلة بلوغ أهدافها في تشريع عمليات التطهير العرقي، والقتل والحرق لابناء الشعب الفلسطيني، ونهب أرضهم وبيوتهم ومعابدهم ومزارعهم وموروثهم الحضاري وروايتهم التاريخية، ولهذا دعا نتنياهو وغالانت وبن غفير وسموتيريش في اعقاب عملية عيلي الفدائية لبناء الف وحدة استيطانية، وبناء سبع بؤر استيطانية، فضلا عما اقرته الحكومة ببناء ما يزيد عن أربعة الاف وخمسماية وحدة استيطانية، ودعا خليفة كهانا، زعيم ستروك الى احتلال رؤوس الجبال والبناء عليها، وترسيخ الاستيطان الاستعماري في الضفة الفلسطينية.
وارتباطا بما تقدم، فإن الوحدة الإسرائيلية على الهدف الاستراتيجي، لم تخف التناقض العميق بين مكونات القوى والنخب والأحزاب والمؤسسة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية على اليات الترجمة لعملية التطهير العرقي ضد الفلسطينيين العرب، ونموذج ستروك خير دليل على انتفاء او ضحالة الوحدة الإسرائيلية، وتكشف هزال المحتوى، وتنامي التناقضات بين مختلف مركبات الدولة اللقيطة. والمستقبل يحمل في طياته زوال قشور الوحدة الكاذبة ليهود الخزر الصهاينة.
[email protected]
[email protected]