تطوير المبادرة الروسية

بي دي ان |

25 يونيو 2023 الساعة 12:16ص

الكاتب
رغم التطورات الداخلية المعقدة، التي تشهدها جمهورية روسيا الاتحادية نتاج تمرد جماعة فاغنر يوم امس السبت الموافق 24 حزيران، والتي بالضرورة مفاعيلها وتطوراتها تعتمل منذ شهور داخل المشهد الروسي ارتباطا بتطور المعارك في أوكرانيا، والتي تفاقمت مع دخول مجموعات رمضان قاديروف الشيشاني على الخط، التي ستؤثر سلبا على دورها.
لكن ليس هذا ما يهمني في هذه الزاوية، وانما الخبر الذي ذكرته وكالة "تاس" الروسية يوم الخميس الموافق 22 حزيران الحالي، والذي طالبت فيه وزارة الخارجية الروسية بعقد اجتماع تشاوري بين جامعة الدول العربية ودول إقليمية في المنطقة وروسيا حول مسألة التسوية السياسية في الشرق الأوسط.
وجاء في بيان خارجية لافروف، ان الدبلوماسية الجماعية في مجال التسوية العربية الإسرائيلية ركنت جانبا، على خلفية القرار الأحادي الجانب من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة بتجميد أنشطة اللجنة الرباعية الدولية للشرق الأوسط. الا ان تولي روسيا الاتحادية رئاسة مجلس الامن الدولي في ابريل الماضي، مهد الطريق لاستعادة زمام الأمور، فبادرت بلادنا لعقد اجتماع تشاوري بين روسيا وجامعة الدول العربية والدول الإقليمية المشاركة بصورة نشطة في ملف التسوية.  
وجاءت الدعوة في اعقاب تصاعد جرائم الحرب الإسرائيلية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني، وتداركا لاخطارها، ولانعكاسات الانفلات الوحشي الصهيوني من عقاله الذي ترعاه حكومة نتنياهو السادسة على مجمل الوضع في فلسطين خصوصا والوطن العربي وامتداداته الشرق أوسطية، أضف الى ان لروسيا مصلحة خاصة في كبح الفاشية الصهيونية، التي ستعيد الصراع العربي الصهيوني الى نقطة الصفر، والى مربعه الأول كصراع وجود لا صراع حدود، وارتداد ذلك على قرابة المليون ونصف روسي في إسرائيل.
مع ذلك تعتبر المبادرة الروسية الجديدة خطوة إيجابية، وتعكس تحمل الكرملين المسؤولية تجاه الذات كقطب دولي مركزي في خارطة العالم متعدد الأقطاب، وسحب ملف التسوية تدريجيا من تحت اقدام الولايات المتحدة خصوصا والغرب عموما، وتحريك المياه الراكدة فيه بهدف انعاش عملية السلام.
ولكن ليس بالطريقة التي طرحتها القيادة الروسية، لان الدول العربية ودول الإقليم لا تملك الإرادة لقلب الطاولة على رأس أميركا الشمالية والغرب الأوروبي، كما ان جزءا أساسيا منها مازال اسير التبعية للسوق الرأسمالي، رغم محاولاته الخروج من تحت العباءة الغربية عموما، وأيضا الدول الإقليمية ليست احسن حالا من العرب، لا بل ان بعضها متورط بتحالفات استراتيجية معها، وشريك أساس في حلف الناتو. الا ان ذلك لا يحول دون اشراكها، وتفعيل دورها ومكانتها في عملية التسوية، والعمل على إعادة الاعتبار لمبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالصراع الفلسطيني العربي الصهيوني.
بيد ان المبادرة الروسية تحتاج إلى تطوير، من خلال رفدها بالمبادرتين الصينيتين اللتين طرحهما الرئيس شين جين بينغ لحل الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وأيضا ادماج الصين بثقلها السياسي والاقتصادي ومعها كل دول البريكس، بحيث يشكل التحرك العالمي والإقليمي الجديد ثقلا مهما، يعزز من دور الأقطاب الدولية في استعادة مكانتها العالمية، والاستفادة من الملف الفلسطيني الإسرائيلي لتكريس مركزها وثقلها في المنظومة العالمية الجديدة، التي باتت واقعا ملموسا، وتشكيل قوة ضغط حقيقية على واشنطن وبروكسل وكل دول الغرب الرأسمالي لسحب الملف من تحت سطوتها وهيمنتها، واطلاق العنان لدورها، واستخدام أوراق القوة المتوفرة باليد للتقرير على دولة الاستعمار الإسرائيلية للالتزام باستحقاقات التسوية السياسية المقبولة والممكنة في الشروط وموازين القوى الراهنة.
بمعنى ادق، ان كان الدب الروسي يريد حقا تكريسا لدوره ودور اقرانه من دول البريكس، عليه ان يتسلح بهم في كل ملف من الملفات العالمية لفرض واقع ورؤية دولية جديدة، ويفترض ان تقترن هذه الخطوة بخطوات جدية ونوعية لاصلاح اليات ونظم عمل هيئة الأمم المتحدة ومراكز القرار ومؤسساتها ومنظماتها الأممية المختلفة بحيث تستجيب لروح وطموحات الشعوب الوافدة لمركز القرار الدولي، ولمساعدة شعوب العالم الثالث للانعتاق من براهن العبودية والتبعية للنظام الرأسمالي المتوحش، والمنتج للارهاب، وناهب ثروات وطاقات وخيرات تلك شعوب.
فرصة ذهبية امام روسيا الاتحادية وجمهورية الصين الشعبية وحلفائهم في كسر التابوهات الصهيو أميركية إن شاؤوا لبناء عالم جديد خال من الفوضى والإرهاب.
[email protected]
[email protected]