الإشاعات والذكاء الإصطناعي والسياسية وما بعد الحقيقة

بي دي ان |

13 يونيو 2023 الساعة 03:34م

الكاتبة
أثارت الصور المنسوبة للملك تشالز ملك المملكة المتحدة البريطانية علي الشاطي يلهو بعد ساعات من حفل التتويج ضجة كبيرة علي وسائل التواصل الاجتماعي.

وتعددت وتباينت ردود الفعل، فهناك من انتقد ومن تنمر علي الملك الجديد، ومن اختار السخرية مدخلا للتعليق. ولكن قلة من استطاعت الشك والبحث في حقيقة تلك الصور، فلم ينتبه البعض للاختلافات بين وضع الملك تشارلز بالصور المنسوبة إليه، والبنية الجسدية لجلالته خلال حفل التتويج وصور الشاطيء فهما لشخصين مختلفين، ولكن تصديق الشائعات كانت الاقوي. والأكثر خطورة كان مصدر تلك الصور فهل تخيلنا إنها صنيعة للفاعل الأشهر هذه الأيام ألا وهو الذكاء الاصطناعي.
فما حدث ليس مخطط تأمري ولكنه تقنية الDeep fake أو التزييف العميق، كتقنية تقوم بصنع فيديوهات مزيفة عبر برامج الحاسوب من خلال آلية التعلم الآلي التي يتيحها الذكاء الاصطناعي.  تتم عبر دمج بعض الصور ومقاطع الفيديو لشخصية ما لإنتاج فيديو جديد ليبدو حقيقي لكنه مزيف في واقع الأمر. الأمر الذي يحمل خطورة كبيرة فيستخدم في حملات الاغتيال المعنوي لبعض قادة الرأي والساسة والمعارضة.
فمن أشهر محاولات التزييف العميق لاستهداف الساسة استُبدل وجه الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري بوجه أدولف هتلر كمَا استعيض عن وجه أنجيلا ميركل بقلم دونالد ترامب. وفي أبريل 2018؛ نشرَ  فيديو على شكلِ إعلان خدمى يظهرُ فيه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وهوَ يتحدث حولَ خطر التزييف العميق.وفي يناير 2019، بثت شبكة فوكس التلفزيونية فيديو مصنوع بتقنيّة التزييف العميق للرئيس ترامب خلال خطابه في المكتب البيضاوي.
وفي الواقع بدأ الاستخدام الفعلي للتقنية عام ٢٠١٧ بعد قيام موقع ريديت بنشر فيديوهات إباحية مفبركة لم يستطع إكتشافها إلا خبراء علم الكمبيوتر. ثم سرعان ما تم تطوير التقنية ليصعب اكتشافها بسهولة وفي كثير من الأحيان يصعب اكتشافها تماما فالحرفية تتطور يوما بعد يوم. 
وحتي مع ذلك الإتقان التقني ووجوده من عدمه فعالم ما بعد الحقيقة جعل معتقدات الناس وأهوائهم هي مدخل التصديق من عدمه. 
ومع سهولة ومجانية التطبيقات لتلك التقنية يتم تغذية هذا العالم المخيف ومن أشهر ها برنامج فايك آب الأصلي مثلَ ديب فايس (DeepFace)‏، فايس سواب (FaceSwap)‏ وماي فايك آب (myFakeApp)‏ فأصبح بإمكان الفرد تشويه من يغار منه، أو من يحقد عليه، من يرغب في التخلص منه فلما لا والتقنية متداولة ويصعب كشفها أو علي الأقل إحداث ضجة حول الشخص المستهدف. فالمشكلة الأكبر في الانتشار فربما ستتحول إلي سلاح إذا تم رواجها ، وقد تولد في المجتمع أسوء ما يمكن أن يتخيله بشر  فالسؤال الأهم " هل ممكن أن تتحول لظاهرة مجتمعية؟" وهو الأخطر.

وقد يمتد الاستخدام لتشويه الثوابت مكونات الهوية عبر حروب الظلام من الإشاعات وحملات الهدم والتشويه ضد الأديان وتزييف المعتقد وهدم شخصيات دينية كبيرة والإفتراء عليها لبث معلومات وأحكام ومعتقدات خاطئة خاصة إذا كانت قد رحلت عن عالمنا ويصعب نفي ما يتم ترويجه، يضاف لتشويه الاحياء منهم لنزع الاحترام والهيبة التي يحظي بها رجال الدين.
والتاريخ لن ينأى من التلاعب والتزييف الذي نشاهده بشكل يومي فلن يتوقف الأمر عند حد ظهور شخص بالافتراء علي شخصيات تاريخية ولكن سيتم اختلاق أحداث وقرائن وأدلة للاحتكام لها لتحقيق مخططات أكبر كمخطط الافروسنتريك ومخطط عودة اليهود في ظل محو قرائن حقيقية علي الأرض كهدم مقابر الاجداد دون معرفه حقيقة أنها أدلة وقرائن علي وجود حياة وبشر وأنساب وتسلسل عرقي ينتج أدلة جينية مهمه للمستقبل وفقا لاتفاقية الشعوب الاصلية ومن تثيره من لغط حول قرائن أثبات الحقوق في الأرض
والأكثر من ذلك يمكن لهذه التقنية هدم السلطة التي لا تستند فقط علي قوة الإكراه ولكن علي الشرعية ورضاء الناس، فيمكن في ضوء منظومة حروب الأجيال إنتاج فيديوهات تحت مسمي التسريبات لبعض القادة والرؤساء تنسب لهم جرائم ضد شعوبهم أو ضد شعوب صديقة لتشويههم  وإثارة الحروب بين دول متجاورة. مع إختيار توقيتات معينة لنشر تلك الفيديوهات في إطار علم الادارة بالازمات قبيل انتخابات، أو وقت احتفالات أو انتصارات علي أن تكون الفيديوهات متتالية وممنهجة. ليخيم عليها ضباب عالم ما بعد الحقيقة

فالإشكالية المرتبطة بتلك التقنين تكمن في الحالة الضبابية التي نعيشها وهذا ما حاول التعبير عنه الباحث في الذكاء الاصطناعى أليكس شامباندارد.  قائلا "    أن المشكلة ليست مشكلة تقنية وإنما المشكلة الأساسية هي أن الإنسانية يمكن أن تقع في عصرٍ لم يعد من الممكن تحديد ما إذا كان محتوى صورة أو فيديو ما حقيقيًا أم لا"
فعالم ما بعد الحقيقة هو عالم ما بعد الطبيعية Post Normal Society يحتاج لادوات جديدة للتعايش والمواجهة ، ويضع المشرع ورجل الدين والسياسي أمام تحديات كثيرة تتطلب منهم جميعا سن القوانين التي تقنن الاستخدام وتحرم الافتراء، كما تفرض تفكير رجال الحرب في توظيف التقنية ضد الاعداء قبيل الانتخابات ووقت الانتصارات أو الازمات فهي أحد أدوات الحروب الجديدة،.و بشأن رجال الدين من المهم تجديد الخطاب الديني ليتضمن رفع الوعي بالمخاطر وتوعية الناس بحكم الدين كي يكون هناك مناعة داخلية تحصن المجتمع من آفات تلك التقنية. 
وأخيرا في هذا العالم أن نتخلي بالعقلية النقدية فهي السلاح الوحيد في هذا العصر الضبابي.

• الاستاذ المساعد بمعهد التخطيط القومي وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية