دولة الاحتلال الرقم الصعب تكنولوجيا وبحثا

بي دي ان |

05 يونيو 2023 الساعة 11:58م

الكاتب
برزت إسرائيل كرائدة عالمية في صناعة التكنولوجيا، وحصلت على لقب Startup Nation.‏

"ستارت أب نيشن سنترال" (Start-Up Nation Central ) هي منفذ الشركات والحكومات والمستثمرين للتواصل مع منظومة التكنولوجيا الإسرائيلية ،تعمل الشركة على حفز فرص النمو من خلال توظيف الابتكار التكنولوجي الإسرائيلي لمواجهة التحديات العالمية المربتطة بقطاع الأعمال والمجتمع. تأسست الشركة عام 2013 ومقرها في تل أبيب، إسرائيل؛ وهي مؤسسة غير ربحية تمولها الأعمال الخيرية.

في عام 2021، تلقت إسرائيل رأس مال للفرد يزيد بمقدار ثمانية وعشرين ضعفًا عن الولايات المتحدة، مما يعكس سمعة الدولة كقوة تقنية عظمى، في عام 2022 جمعت شركات الهايتك الإسرائيلية 14.95 مليار دولار من خلال 663 صفقة. 

إسرائيل هي موطن للعديد من مراكز البحث والتطوير، بما في ذلك الشركات الكبيرة مثل Amazon و Apple و Cisco Systems وFacebook وHewlett-Packard وIntel وIBM وGoogle وMicrosoft وMotorola و SAP و Samsung. تبلغ قيمة بدء التشغيل في تل أبيب ، أكبر نظام بيئي للشركات الناشئة في إسرائيل، 120 مليار دولار واكتسبت ثلاثين شركة يونيكورن جديدة في عام 2021، ليصل المجموع إلى اثنين وتسعين شركة يونيكورن في عام 2022.

يعود نجاح الأعمال في إسرائيل إلى عوامل مثل افتتاح الشركات الأمريكية لرأس المال المغامر مكاتب في إسرائيل، ونقل مؤسسي الشركات الناشئة الإسرائيليين مقرهم إلى الولايات المتحدة ، والأسواق المحلية الصغيرة والتهديدات الأمنية التي تجبر رواد الأعمال الإسرائيليين على العمل على مستوى العالم ، ووحدة استخبارات الأمن السيبراني النخبة ، الوحدة 8200 ، حيث يتم إنتاج خبراء عالميين في مجال الأمن السيبراني يتمتعون بالموهبة اللازمة لبدء ريادة الشركات.

في سبتمبر 2020 ، عمدت اتفاقيات أبراهام إلى تطبيع العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين ، مما وسع العلاقات الاقتصادية لإسرائيل في الشرق الأوسط، إذا نمت الاتفاقات لتشمل إحدى عشرة دولة ، فقد أوجدت أكثر من أربعة ملايين وظيفة وأكثر من تريليون دولار في النمو الاقتصادي الجديد.

أصبحت إسرائيل بلا شك قوة تكنولوجية بسبب التزامها بالابتكار والبرامج الحكومية والحوافز الضريبية، لقد أدت مرونة البلاد وإبداعها في مواجهة المحن إلى نجاحها الملحوظ، مما جعلها مكانًا على المسرح العالمي كلاعب رائد في صناعة التكنولوجيا.

تزداد مخصصات البحث والتطوير (Research and Development) موازنة وتوسعا ودعما  في الدول المتقدمة عامًا بعد آخر، إذ تتضاعف كل ثلاث سنوات تقريبًا، وتتجاوز نسبة مخصصات البحث العلمي في بعض الدول المتقدمة 5.5٪ من إجمالي الناتج القومي، يقابله تخلف البحث العلمي في الدول العربية عامًا بعد عام متراجعا اهتماما ويكاد صفريا إنتاجا، رغم زيادة معدل الإنفاق العربي على البحث العلمي في الفترة من عام 1970، وحتى عام 2022 م , زيادة ملحوظة واهتماما مكبلا بواقع معقد، لكن هذا التقدم الضئيل لا تأثير له على الفجوة الكبيرة بين الأقطار العربية في هذا المجال مقارنة بالوضع العالمي المتسارع ,ومما لا شك فيه أن الدول العربية البترولية بدأت في بذل جهد والانكباب على البحث العلمي وتشجيعه مثل تجربة المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر إلى جانب لبنان والكويت ومصر بجزء ضئيل سطحي رغم بحر الإمكانات في داخل عقول بذرتها المتعددة التخصصات. 

لكن حقيقة هناك عدة تساؤلات تتعلق بالمقال، أولا حجم الصرف والموازنة للبحث والتطوير في إسرائيل مقارنة مع كل الدول العربية وتركيا وإيران.
فالبحث والتطوير العلمي حسب تعريف منظمة التعاون الاقتصادي والتطوير OECD هو" العمل الإبداعي الذي يتم على أساس نظامي بهدف زيادة مخزون المعرفة، بما في ذلك معرفة الإنسان، الثقافة والمجتمع، واستخدام مخزون المعرفة هذا لإيجاد تطبيقات جديدة".

البحث العلمي من أشق وأرقى النشاطات التي يمارسها العقل البشري على الإطلاق، وهو نوع مختلف جهدا وقتا تفكيرا استخلاصا بحثا، من أجل صناعة تسهيلات الحياة وتحقيق التطور والنهوض وزيادة الدخل، وهذا الجهد المنظم لا يمكن أن يجري من فراغ، حيث ينبغي توفير الحرية والدعم والأموال وبناء المنشآت والمعامل والأدوات، وتأهيل الكوادر البشرية، وخلق الحوافز المادية والمعنوية، التي تجعل من الإنتاج الفكري عملاً يستحق المعاناة والجهد المتواصل، وليس باحث يبحث من دخله الذي يكفيه ومهمش عقلا لا ينتفع به.

تستثمر دولة  الإحتلال 5.4٪   من ناتجها المحلي الإجمالي في البحث والتطوير ، أي ضعف متوسط ​​منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية ، وتحتل المرتبة الأولى في العالم من حيث الإنفاق على البحث والتطوير للفرد ، جمعت الشركات الإسرائيلية الناشئة في مجال الأمن السيبراني 8.8 مليار دولار في عام 2021 ، أي أكثر من ثلاثة أضعاف المبلغ الذي تم جمعه في عام 2020.

عملت إسرائيل منذ نشأتها للحصول على قوة المعرفة قبل قوة السلاح التقليدي، بمعرفة  أن امتلاك القوة العلمية سيحقق لها كل أنواع ومجالات القوة والسيطرة الكلية على بقعة حولها مخاطر تهدد بقائها كليا، وكان التقدم العلمي والمعرفي والتكنولوجي وبناء صرح المعلومات وتوفيرها ودعم خبراء هو الركيزة الأساسية التي ساهمت في وصول إسرائيل إلى ما وصلت إليه من تقدم ورقي وقوة اقتصادية وعسكرية منافسة وذات هيبة تكنولوجية  وأمن معرفي سيبراني تكنوسبيس فضائي. 

دخل العلم والبحث التطويري والتخطيط السليم كل مؤسسات الدولة مما انعكس على صحة وسلامة المخرجات المختلفة، ولا تجد صدور أي قرار من أدنى إلى أعلى مؤسسة في الدولة دون دراسة وبحث وتأني ومراجعة، وكان ذلك نتاج لثقافة علمية منتشرة في المجتمع الإسرائيلي منذ نشأته، حيث حرص مؤسسو وقادة النظام السياسي على نشرها، وتأسيس المؤسسات والمراكز العلمية المتنوعة على اعتبار أن العلم قضية أمن قومي كليا، ناهيك عن الاستثمار في الذكاء الاصطناعي تطبيقا. 

تستعين الحكومات الإسرائيلية المتعددة والمخالفة نهجا وتطرفا وفكرا بمراكز البحث والدراسات وخزانات الفكر بكافة أنواعها وملحقاتها، في ترشيد قراراتها وتطوير أداءها الحكومي والأمني والتحالفي والإنفتاحي، حيث تعتبر الأبحاث والدراسات المعمقة من أهم الركائز التي يعتمد عليها السياسيون ومتخذو القرارات في إسرائيل في رسم وتخطيط سياستهم العامة والداخلية، واتخاذ قراراتهم، انطلاقاً من قناعتهم بأن دراسة القضايا والمعضلات السياسية هي المحور الأول في رسم وبناء الإستراتيجيات في كافة المجالات، لما تمثله المعرفة والعلم  من تأثير عند متخذي القرارات.

هذا التزاوج بين المعرفة والسياسة في دولة إسرائيل والذي نتج عنه دولة قوية ومتقدمة ما كان لولا اهتمام الساسة المؤسسون والحكومات المتعاقبة بالعلم واعتباره قضية أمن قومي، قضية وجود أو لا وجود. ولا يمكن للأمة العربية أن تنهض دون السير على طريق العلم والاهتمام بالبحث العلمي، ولا يكون ذلك دون حدوث تغيرات جذرية في بنية النظام السياسي والاقتصادي والتعليمي والتربوي النشأوي  في الدول العربية، ونشر ثقافة العلم والبحث العلمي والتطوير. 

عام 2022 خرجت إحصائية نفقات البحث والتطوير مقارنة بالدخل القومي من مركز الإحصاء العالمي، فكانت إسرائيل هي الأولى عالميا، حيث نسبتها في البحث والتطوير كانت 5.4% من الدخل القومي العام (560 مليار دولار) يعني 30,24 مليار دولار يصرف على البحث والتطوير , فلسطين تصرف على البحث والتطوير 0.001%  من الدخل القومي ( 16مليار دولار ) أي 16 مليون دولار سنويا والحقيقة  ليس كله ما يصرف على البحث والتطوير بل دعم  موازنة جامعات وتعليم وسفريات ومنح وتكريم، وينفق نسبة كبيرة منه على الأجور والمرتبات والمكافآت والبدلات وغيرها، كل ذلك ليس له علاقة بالبحث والتطوير.

مقارنة القطاع الخاص في الضفة وغزة يصرف حوالي 170 ألف دولار سنويا على البحث والتطوير، المفارقة أن ما تصرف على البحث والتطوير الدول العربية مجتمعة (أقل من عشرة مليارات دولارات)، إيران (حوالي مليار دولار) وتركيا (مليار ونصف مليار) تصرف على البحث والتطوير، يعني الدول العربية مجتمعة مع إيران وتركيا في الشرق الأوسط اثنا عشرة ونصف مليار دولار مقارنة بما تصرف إسرائيل ما نشبته 41%، و بلغ إنفاق الولايات المتحدة على البحث والتطوير 780 مليار وبلغت الصين 456  مليار دولار على البحث والتطوير في 2022.

خلاصة القول إن أرادت الأمة النهوض من سباتها والتقدم في بحثا والتطور في صناعتها والإعداد لقوتها للدفاع عن مكانتها وشعبها فعليها بالبحث العلمي والتطوير ودعمه، والحرص على تدريسه، وبناء مراكز حاضنة له، وتقوية معيشة وحياة الباحث، وتجهيز عيون مختبرات له، العالم تطور علينا في الذكاء الصناعي الذي هو جزء من البحث والتطوير العلمي ولم نزل نتخبط ونتقوقع مكاننا.