بن سلمان ومخرجات القمة

بي دي ان |

20 مايو 2023 الساعة 04:46ص

الكاتب
خلال العام الماضي اجرى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان مراجعة جادة ونوعية للسياسة الخارجية العربية والإقليمية والدولية، نتاج الاستقراء لمجمل التحولات السياسية والاقتصادية والأمنية في الإقليم والعالم، واستشرافا لافاق المستقبل، نجم عن ذلك اتفاق التفاهم السعودي الإيراني، وتعزيز التعاون السعودي الصيني، وكذلك تطوير التنسيق مع روسيا الاتحادية، ورفض التطبيع مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، وتجفيف التوتر في اليمن، الذي تلازم بمواصلة الهدنة بين الأطراف المتصارعة، واستباق القمة بترطيب الأجواء الإيجابية مع سوريا الشقيقة، واتخاذ قرار في مجلس وزراء خارجية الجامعة باعادتها لمقعدها في مؤسسة الجامعة العربية، ومحاولة تحقيق تسوية بين القوى المتصارعة في السودان، وطلب العضوية في مجموعة البريكس. فضلا عن الانفتاح الواسع في الداخل السعودي، وإحداث نقلة كيفية في العلاقات الاجتماعية والثقافية الفنية والتربوية، بالإضافة لتقليم أظافر التطرف الديني.
واجزم ان ولي العهد السعودي تمكن من خلال تجربته القصيرة في الأعوام الست الماضية من توليه مهامه في سدة القيادة في 21 حزيران / يونيو 2017 تعلم الكثير من الدروس، وراجع تجربته جيدا، مما دعاه لاتخاذ قرار حاسم بتصفير المشاكل على الصعد المختلفة في مجلس التعاون الخليجي وعلى المستوى العربي العام وعلى المستويين الإقليمي والدولي ويمكن الافتراض ان تخليه عن مبدأ وضع البيض السعودي كله في السلة الأميركية، وتدوير الزوايا في العلاقة مع الأقطاب الدولية، كان استدراكا منه للتحولات الجيوسياسية العالمية بانتقال العالم من الحالة القطبية الواحدة إلى عالم متعدد الأقطاب، والبحث المعمق عن مصالح العربية السعودية. فضلا عن طموحه ورغبته الاكيدة في بناء مكانة مركزية لشخصه وللمملكة على المستويات المتعددة العربية والإسلامية والإقليمية والدولية.
وهذا التحول في السياسية والخطاب السعودي الملموس هيأ المناخ الإيجابي لعقد القمة العربية في دورتها ال32 في مدينة جدة أمس الجمعة الموافق 19 أيار / مايو الحالي، وكان من ابرز مظاهرها حضور الرئيس السوري بشار الأسد القمة، ومن الملاحظات غير المفهومة والملتبسة دعوة الرئيس الاوكراني زيلينسكي للقمة، واعطاءه الكلمة بعد كلمة رئيس الجامعة العربية احمد أبو الغيط، وغياب الرئيس الروسي بوتين، الذي اكتفى بارسال رسالة للقمة، وكان لدعوة الرئيس الاوكراني انعكاسا سلبيا حال دون مشاركة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون على سبيل المثال لا الحصر.
ويمكن الجزم ان القمة العربية ال32 كانت من بين اقصر القمم العربية، حيث حدت كلمات رؤساء الوفود بخمسة دقائق لكل منهم، واكتفت القيادة السعودية بالنقاشات المستفيضة التي اجراها وزراء الخارجية العرب ومساعديهم في نقاش كافة الملفات المطروحة على القمة، ومنها: الملف الفلسطيني، والازمة السودانية، وعودة سوريا، والملف الليبي، والملف اليمني، والملف الصومالي، والملف اللبناني، وتداعيات الازمة الأوكرانية، وملف سد النهضة، والجزر الإماراتية المحتلة وملف مكافحة الإرهاب، وحماية الامن القومي العربي، والامن الغذائي العربي، وتطوير وتنشيط التبادل التجاري العربي والإقليمي والدولي، وبحث ازمة الطاقة والتغير المناخي في المنطقة والعالم، ورفض التدخلات الخارجية في الدول العربية، وتعزيز وتكريس سيادة الدول في ظل الخارطة العالمية الجديدة ... الخ
وكان من بين ابرز مخرجات القمة، التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية، واستقلال دولة فلسطين على حدود الرابع من حزيران / يونيو وعاصمتها القدس الشرقية1967، وإدانة الجرائم الإسرائيلية على كافة الصعد والمستويات، ورفض الاقتحامات الإسرائيلية للمسجد الأقصى، وإعادة الاعتبار لمبادرة السلام العربية؛ دعوة الأطراف السودانية لتجاوز أسباب الصراع وحماية وحدة وسيادة الدولة السودانية، ورفض التدخل في الشؤون الداخلية؛ وعلى الصعيد اليمني: الالتزام بوحدة وسيادة الوطن والدولة اليمنية، ودعم الحكومة الشرعية بقيادة الرئيس رشاد العليمي؛ الملف اللبناني، دعم الجهود اللبنانية والإقليمية والدولية الداعمة لتجاوز ازمة شغور موقع الرئاسة اللبنانية، والدعوة لانتخاب رئيس لبناني جديد، واجراء إصلاحات اقتصادية ومالية لاخراج لبنان من نفق الازمة غير المسبوقة؛ الملف السوري، شددت القمة على تجديد الالتزام بالحفاظ على سيادة ووحدة سوريا ارضا وشعبا، وتكثيف الجهود العربية لخروج سوريا من ازمتها، وإعادة النازحين لمدنهم وقراهم؛ التأكيد على سيادة الامارات العربية على جزرها الثلاث طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى؛ الترحيب باتفاق التفاهم السعودي الإيراني؛ وادان البيان التدخل التركي في الأراضي العراقية، وطالب الحكومة التركية بسحب قواتها فورا دون قيد او شرط... الخ
من المؤكد كان بن سلمان يطمح بمشاركة كل الملوك والرؤساء وأصحاب السمو الامراء والشيوخ القمة، لان ذلك يمثل رسالة قوية للداخل السعودي والخارج العربي والإقليمي والدولي في تعزيز مكانة رئيس القمة. ولكن هناك ست زعماء لم يشاركوا، مما ترك غباش على ملامح القمة، أضف الى دعوة الضيف الاوكراني ثقيل الظل دون غيره، ترك ظلال ثقيلة على مشهد القمة، انعكس سلبا على سياسة تصفير المشاكل.
مع ذلك اعتقد ان ولي العهد السعودي قاد القمة بنجاح، وخطى خطوة للامام في تكريس زعامته في المشهد العربي، وعزز مكانة السعودية كقطب مركزي في الوطن العربي والإقليم، ورقما مهما على المستوى الدولي. وبمقدار تقدم ونجاح السعودية في معالجة الملفات العربية وخاصة اليمني واللبناني والسوداني والصومالي والليبي، وثباته في الدفاع عن الحقوق الوطنية الفلسطينية ومبادرة السلام العربية وغيرها من الملفات المذكورة سابقا، بمقدار ما يعزز محمد بن سلمان من دوره القيادي العربي والإقليمي، ومازال المستقبل امامه واسعا ومفتوح على الافاق كلها.
[email protected]
[email protected]