صُنّاع الأزمات.. صُنّاع الوحدة؟

بي دي ان |

01 مايو 2023 الساعة 02:56ص

الكاتب
- من المشين أن نعتاد الركون إلى الأوهام المريحة هروبًا من مواجهة الحقائق المؤلمة؛ السادة صُنّاع الأزمات وصُنّاع الوحدة؛ كل ما يجب قوله قد قيل سابقًا، لكن طالما لم ينصت أحد، فيجب قول كل شيء مجددًا؛ لنستعيد هنا موقفا تاريخيا، وهو كيف كان الصهاينة يفكرون فى أوضاع قريبة مما يحدث، أثناء ماسمى بالحرب العربية الصهيونية في العام 1948، كانت قوة الصهاينة الأساسية عبارة عن عصابات مسلحة ارهابية فعليا، وعصابات متنوعة الإيديولوجيات ، ودرجات استخدامها للعنف والقتل والإرهاب والتوحش متفاوته؛  بدافع السطو واعمال السرقة. بسبب تشردهم بعد ان تم طردهم. من دولهم لتعاملهم بما يتنافى مع وجبات المواطنة بتلك الدول.
 
- كان بن جوريون مثلا يترك "للآراجون والإيتسيل" مساحة للأفعال الأشد عنفا وتوحشا، فى نفس الوقت الذى تكون فيه عصابة " الهاجاناة" وهي قواته الرئيسية التى يعمل على أن تكون جيش الدولة، والعصب الأساسي في بناء الكيان، مؤكداً، أنه لا يجوز أن يكون هناك "فوضى السلاح" ولا ليتحولوا إلى تنظيمات تَعُمُّها الانقسامات، مؤكداً أن "الجيش" هو فقط المسموح له بامتلاك السلاح واستخدامه. وأدرك بعض سياسييها مبكراً أن الحرب الأهلية او الانقسام، لن يكون أبداً في مصلحتها، وهو الدرس الذي لم يتعمله - للأسف - البعض.

في هذه الأوقات كان يتم فى أوروبا حملة تبرعات لشحن أسلحة لصالح "ايتسيل" من أحد موانىء جنوب فرنسا ، وفعلا شحنت سفينة بأسلحة ضخمة ومتطورة ، وحملت على حوالي 920 مهاجراً وعتاداً عسكرياً كبير ، مركبات مصفحة ومعدات ثقيلة. ومستلزمات طبية؛ وبعد أن وصلت السفينة "ألتالينا" إلى الميناء الفلسطيني؛ أمر بن جوريون بتدميرها بالكامل وعدم السماح بوصولها الى أيدى عصابة "ايتسيل"، وتحركت السفينة بعد المرحلة الأولى من استهدافها ، فأصر بن جوريون بمتابعتها وتدميرها بالكامل؛ و حاول "بيجين" وقتها ، التدخل ، وقابل بن جوريون وطلب منه واستعطفه و"اتحايل" عليه بترك ماتبقى من أسلحة ليسلح رجاله ، فاصر بن جوريون على استكمال التدمير للنهاية.

وقال لبيجين: "المسألة الأهم من تقوية رجالك هي بناء الدولة، وتقوية رجال "الايتسل أو الآراجون" لن يكون فى صالح خطة بناء الدولة، وهذه مسألة غير قابلة للنقاش". لإدراكه أنها قضية إستراتيجية.

يقولون فى وصف المشهد أن بيجين وهو يبكى فى مكتب بن جوريون ، سلم بالأمر باعتبار أن أمر بناء دولة أهم كثيرا من تسليح رجاله، ومن دوره العسكرى، فكان تنازل مؤلم، لكنه ضرورى.. هكذا تصرف الصهاينة فى صهيونيتهم!!، قل ماتشاء؟! تعليم أفضل، خبرات سياسية  أفضل، شخصيات متشبعة بالوحدة والعمل السياسي الموحد، كل هذا ممكن، وصحيح نسبيا، ولكن الأساس أنهم استوعبوا أن  المهمة الأولى، والاساسية هى بناء الدولة، والوعى بها والحفاظ عليها، موحده ، هو أساس كل سياسة. وهو الدرس الذي لم يتعمله - للأسف - البعض.

-  على كل حال. لا أريد أن أذكّر القارئ بما قاله شمعون بيريس، و قد اعتبر الانقسام الفلسطيني، ثالث إنجاز تاريخي للحركة الصهيونية بعد الإنجاز الأول إقامة الكيان الصهيوني، عام 1948، وهزيمة حزيران العام 1967". وهذا يعنى أن استمرار مخطط الانقسام والخراب الصهيوني، الذي يشكل أهمية استراتيجية للكيان، بهدف التدمير الذاتى السياسى والثقافى والجغرافي الفلسطيني، وإبعاد الأنظار عن المعركة الحقيقية، بعد أن نجح في ضرب وحدانية التمثيل الفلسطيني وإضعافه.