السودان إلى أين؟ المخاطر والتداعيات

بي دي ان |

28 ابريل 2023 الساعة 05:55م

الكاتب
ما يجري في السودان ليس حدثاً عادياً، أو صراعاً على السلطة حتى وإن بدا كذلك، أو انقلاباً عسكرياً لطرف على طرف آخر وإن وصف الكثيرون المشهد بالانقلاب.

إن ما يجري في السودان هو أعمق من كل ما سبق، فإن قلنا انقلاباً يقوده الجنرال محمد حميدتي قائد قوات الدعم السريع، وهي قوة أنشأها الرئيس السوداني المخلوع قوامها أكثر من أربعين ألف مقاتل مدربة تدريباً جيداً وتحمل رتباً عسكرية معتمدة من المؤسسة العسكرية السودانية، حتى باتت الصفة الأقرب لها بأنها قوة شبه نظامية، تحالف قائدها مع الفريق عبد الفتاح البرهاني لإسقاط نظام حكم الرئيس عمر البشير، بعد تزايد دائرة الاحتجاجات التي تطالب بإسقاط النظام من قبل قوى وأحزاب وفعاليات سودانية.

السؤال المطروح في هذا المقال: السودان إلى أين...؟ وما هي التداعيات على ما يحدث داخل السودان على السودان وخارجه...؟ وما هو الواجب فعله لعودة الاستقرار للسودان...؟

المشهد السوداني يضم الدولة ويمثلها المؤسسة العسكرية، والبنية المؤسساتية، وهذه تحظى بحالة اجماع سوداني ولا يختلف عليها أحد، وهناك قيادة المؤسسة العسكرية التي لا تحظى اجماع كافة المكونات السودانية، هناك انقسام حولها، فالبعض يتهمها بأنها جزء من الدولة العميقة، وهناك من يرى أن نصرتها مؤقتة لحين التخلص من قوات الدعم السريع، وهذا ما يتبناه جزء من قوى الحرية والتغيير، وهناك قوات الدعم السريع التي يقودها اللواء حميدتي، وهي قوة شبه نظامية تجمل رتباً عسكرية شكلت في مرحلة زمنية لخدمة توجهات النظام الحاكم برئاسة الفريق عمر البشير، وهناك قوى الثورة التي يمثلها أحزاب قوى الحرية والتغيير، ولم تعد على قلب رجل واحد حيث تشهد انقساماً في الرؤى والتوجهات، وهناك التيار الإسلامي (الدولة العميقة) سواء المؤتمر الوطني الذي كان يرأسه الرئيس السابق عمر البشير، أو جماعة الإخوان المسلمين، وبعض التيارات الإسلامية الأخرى، وهناك حزب الكنبة السوداني، وهو مصطلح يشير إلى عامة السودانيين ممن لا دخل لهم في العمل السياسي.

مبدأ إدارة الصراع وليس حسم الصراع هو السائد في السودان، وهو مبدأ يؤصل لديمومة الصراع بحيث يقوم على توافق مرحلي لإنهاء قوات الدعم السريع، وهو أمر سيكلف السودان كثيراً ولكنه ممكن وليس مستحيلاً طالما بقيت المعركة في السودان بيد السودانيين، ولم نصل إلى مرحلة صراع إقليمي دولي على أرض السودان، رغم أن أحد أهم محركات الصراع غير المباشر هو صراع على النفوذ والموارد بين الدول الكبرى. وعليه توافق الإسلاميون مع القوات المسلحة على حسم المعركة ضد الدعم السريع، وتعارضت مصالح الحلفاء الإقليميين على هذا التوجه ما سيزيد من تعقيد المشهد وصعوبة حسمه، ثم بدأنا نستمع لبعض النخب السودانية من قوى الحرية والتغيير تقول: أن المرحلة الآن في دعم القوات المسلحة على أن يتم تأجيل الصراع على جدوى بقاء عبد الفتاح البرهاني وبعض من أركان القوات المسلحة لمرحلة لاحقة، وهو ما يؤشر أن التفكير في جمع الشمل السوداني أصبح بعيد عن تفكير النخبة السودانية بحيث بات فكر الإقصاء هو المسيطر على المشهد في مجتمع تسود به فكرة القبيلة، وهذا ما يسود مع باقي اللاعبين في الساحة الداخلية السودانية.

غياب لغة العقل والاحتكام لصندوق الذخيرة بدلاً عن صندوق الاقتراع سيفتح المجال لاحقاً لأن تنتقل لعبة النفوذ الإقليمي والدولي إلى الساحة السودانية بشكل مباشر، أي سنرى معركة دولية على أرض السودان شبيه للمعركة على أرض أوكرانيا أو سوريا أو اليمن أو العراق، وهو ما يعني أن السودان في خطر كبير ما لم يتم استدراك سريع للأمور وتدخل عربي وأممي لوساطة تعيد للسودان مكانته ووحدته واستقراره بعيداً عن لغة الإقصاء والتفرد والهيمنة، ومع ضرورة تفكيك كافة المليشيات العسكرية بغض النظر عن ظروف تشكيلها، لأن إعادة الاعتبار للقانون وللدولة في تقديري هي الطريق الوحيد لنهضة السودان ووحدة ترابه ونهضته.

إن بقاء الاشتباك المسلح داخل السودان بين الجيش والدعم السريع سيلقي بتداعيات داخلية وخارجية، تطرقنا في المقال على التداعيات الداخلية، ولكن التداعيات الخارجية تؤكد بأن الصراع في السودان قد تنتقل تداعياته بشكل مباشر أو غير مباشر لخارج حدود السودان، بحيث سيناريو الهجرة الجماعية مؤشر حاضر في اشتدت وتيرة الاشتباكات، ونظرية الأمن القومي لبعض الدول ستتأثر في حالة انتقلت السودان إلى مصافي الدول الفاشلة، وأن رأس الإرهاب قد يطل من جديد في حال استمرت الحالة الأمنية المتردية في دول المنطقة.

وعليه، بات من الواجب حسم الصراع وليس إدارته عبر وساطات إقليمية ودولية تضمن للسودان استقراره والحفاظ على موارده، وأن يكون الحسم لصندوق الاقتراع الذي يؤسس لحالة من العمل الجماعي الذي يهدف لنهضة السودان وسد الطرق أمام أي طرف يهدف لسلب موارده ومقدراته.