خطاب الملك المسلوب

بي دي ان |

12 ابريل 2023 الساعة 02:24ص

الكاتب
آثار خطاب رئيس الوزراء الإسرائيلي اول امس الاثنين الموافق العاشر من ابريل الحالي العديد من الاستخلاصات في أوساط المراقبين الإسرائيليين والفلسطينيين والعالميين، وتباينت الاجتهادات بشأن ما حمله من ابعاد شخصية وائتلافية وسياسية وامنية عسكرية وقضائية. لكن اقطاب المعارضة جميعا اجمعوا على ان الخطاب عكس ارباك الرجل، وافتقاده الإمساك بزمام الأمور، وتهربة من المسؤولية عن الازمة مع القائها على المعارضة بشأن تراجع الردع العسكري، وتمسكه بتأسيس جهاز الحرس الوطني، وتراجعه عن اقالة وزير الحرب غالانت، وفي الوقت ذاته إصراره ومضيه قدما في الالتزام مع حلفائه فيما يتعلق بملف الإصلاحات القضائية.
وتعقيبا على خطاب نتنياهو، جاء على لسان وزير الحرب السابق بيني غانتس: النحيب والبكاء لا يبني قيادة. واما يئير لبيد، رئيس المعارضة فقال معقبا "نتنياهو يفقد السيطرة أمام الشارع." وتابع "بدلا من عقد المؤتمرات الصحفية والقاء اللوم على الآخرين في المشاكل التي سببتها الحكومة المتطرفة والفاشلة في تاريخ البلاد، فقد حان الوقت له ولوزرائه ان يتوقفوا عن التذمر وتحمل المسؤولية." وذهب افيغدور ليبرمان الى ابعد من ذلك، عندما وصف نتنياهو بغير اللائق للاستمرار في الحكم، ووصف خطابه بخطاب الاتهامات، طارحا السؤال التالي على المعارضة "هل مازلتم تعتقدون انه يريد فعلا تسوية لملف الإصلاحات القضائية؟" ومن جانبه قال رئيس الحكومة الأسبق نفتالي بينت "هذا خطاب مشين." مما يؤكد ان الازمة الداخلية الإسرائيلية تتجه نحو التعمق أكثر فأكثر، وهو ما يشي بأن الأمور تسير في خط بياني تصاعدي، وينذر بمزيد من مظاهرات نتاج تعاظم السخط والغضب والدليل نزول المئات من المعارضة للشارع مساء اول امس، وهتفوا بشعارات ضد رئيس الحكومة الفاسد، وحاولوا اغلاق الشوارع الرئيسية في تل ابيب.
وارتباطا بما تقدم، يمكن وضع الاستنتاجات التالية: أولا جاء الخطاب ذرائعيا وتبريريا، وفاقدا القدرة على الإمساك بخيوط اللعبة الداخلية، كونه القى كامل المسؤولية تجاه الازمة الداخلية والاعمق في تاريخ إسرائيل على كاهل المعارضة؛ ثانيا الاستسلام الكامل امام اقرانه في الائتلاف الحاكم، ولم يحاول للحظة تدوير الزوايا بهدف ترويض بعض اقطاب المعارضة والاستجابة النسبية لوساطة الرئيس هيرتسوغ، التي اقتربت مهلتها على الانتهاء؛ ثالثا التراجع عن اقالة وزير الحرب، غالانت لم تحمل جديدا. لانه عمليا تراجع عنها منذ اول يوم لاعلانها في اعقاب نزول المظاهرات الصاخبة ردا على القرار، والتحاق الهستدروت والشركات ومؤسسات الطيران وضباط وجنود سلاح الجو ووحدة السلاح السيبراني بالاضراب والمشاركة في المظاهرات الرافضة للإنقلاب القضائي. كما انه من خلال ابقائه وزير "الكرياه" اغلق باب تصاعد وحدة التظاهرات، وفي نفس الوقت، قدم رشوة للوزير مؤقتة، ومسكه من اليد التي تؤلمه "الإقالة"، وبالتالي اعاده لصف الائتلاف وفق معاييره؛ رابعا اقراره الصريح والجلي بوجود تآكل في قوة الردع الإسرائيلية، وهذا اعتراف من رأس النظام الأول، وليس اجتهادا او تحليلا من هذا الضابط، او ذاك المحلل والمراقب السياسي. مع ان هذا الإقرار لا يعني بحال من الأحوال، ان نتنياهو وائتلافه الفاشي تراجعوا عن خيار مواصلة المعركة ضد الجبهات الأربع: الذئاب المنفردة وقوى المقاومة في الضفة عموما والقدس خصوصا؛ قطاع غزة؛ الجنوب اللبناني والجبهة السورية، التي طلت برأسها مؤخرا من خلال رشقات الصواريخ الأسبوع الماضي.
وبالنتيجة بدا الملك مسلوب الإرادة، وفاقد الكاريزما التي تمتع بها خلال رئاسته للحكومات الخمس السابقة، ومنهك القوى، لانه لا يستطيع للحظة التخلي عن حلفائه الفاشيين الجدد، كونه ارتهن لهم، وبحكم انهم الغطاء الذي يتلفع به للبقاء في كرسي الحكم، خاصة وان لا احد من اطرف المعارضة مستعدا للتحالف معه، لانهم يعلمون انه كاذب ومخادع، ولا يؤتمن جانبه في التحالفات، وغانتس وليبرمان وحتى بينت ذاقوا مرارة الاعيبه، وليسوا مستعدين لخوض مغامرة شراكة غير مأمونة الجانب. لاسيما وانه اصبح (نتنياهو) شريكا للسفارديم في معركة السيطرة على الدولة، كما انه بات هو شخصيا جزء أساسي من المعركة، وأيضا وفق استطلاعات الرأي الأخيرة اول امس، بات رصيده في الشارع متآكلا، وتراجع للخلف كثيرا بعد غانتس ولبيد، وبالتالي ليس من مصلحتهم منحه طوق نجاة.
إذا ازمة دولة المشروع الصهيوني آخذة في التعمق والتمدد والتوسع عموديا وافقيا، وزادها خطاب نتنياهو غرقا في وحول ومستنقع اللا يقين والضبابية والغموض، وحتى لو لجأت حكومة الترويكا الفاشية لخوض غمار الحروب بسلاح الجو على الجبهات الثلاث، لن تنقذ الموالاة ولا النظام من ازماته المتفاقمة.
[email protected]
[email protected]