في الثامن من آذار.. إنصاف المرأة الفلسطينية "صناعة حياة"

بي دي ان |

08 مارس 2023 الساعة 08:09م

المشرف العام
في الثَّامن من آذار اعتاد العالم أن يجعل هذا اليوم، للاحتفاء بالمرأة كما تستحق، وكما يليق بها وبعطائها وأهمية وجودها ودورها البناء في مجتمعها. 

أما نحن الفلسطينيون لدينا للمرأة قدسية خاصة واعتبارات استثنائية، لأنَّ المرأة الفلسطينية "إمرأةٌ استثنائية"، رسمت تاريخًا ونقشت نموذجًا مشرفًا خاصًا بها عبر سنواتٍ من النِّضال عاشتها وشاركت بها كجزءٍ لا يتجزأ من النَّسيج المجتمعي الفلسطيني الذي شكل الاحتلال عبئًا عليه وكابوساً يلازمه، كالصخرة الجاثمة فوق صدره، فلم تقف صامتة ولن تختبئ خلف ليونة الأنثى، بل مارست دوراً وطنيًا، كفاحيًا، نضاليا مشرفًا، فلم تترك الرجل وحده بالميدان بل كانت جنبه كتفًا بكتف، وحملت روحها على كفها، وحملت ابنها الشّهيد على كتفيها، وزفت زوجها الشّهيد ، وأغلقت عليها أبواب السِّجن سنوات وسنوات، وما زالت الشّواهد كثيرةً في المعتقلات الصِّهيونية حتى اللحظة. 

قليلةٌ تلك السُّطور، متواضعة جدًا حيال نضال المرأة الفلسطينية، لا تستطيع الإدعاء أنَّها قادرةٌ على حصر النِّساء الشَّهيدات والأسيرات والجريحات والمناضلات والماجدات، لا تستطيع الإدعاء مهما حاولت وجاذفت عبثًا. ولا تستطيع مهما اجتهدت سرد وسائل النِّضال والكفاح والحكمة الذي استخدمتها المرأة الفلسطينية في كلِّ معركة على حدة، حتى بصبرها كانت عظيمة قوية، ثابتة كالجبل الأشم.

لقد حق علينا هنا إبراز دور المرأة في قضايا مجتمعها ومشاركتها في النّضال، لأنَّ ذلك يعني بوضوحٍ أنَّنا إزاء مجتمع حضاري قوي؛ الأمر الذي يفسر صمود الشّعب الفلسطيني واستعصائه على التفتت والفناء مهما كانت المحاولات، كما أن التركيز على مشاركة المرأة الفلسطينية في القضايا الوطنية السياسية والاجتماعية والثقافية واحدٌ من أهم اهتمامات النِّضال الفلسطيني وعطاءاته، وبالرُّغم من كلِّ المعطلات التي تنتاب دورها، وتقف أمام مشاركتها إلا أنَّ هناك تقاليد وطقوسًا اجتماعية وثقافية تقدس حضور المرأة ودورها دون المساس بالقيم والمفاهيم الحضارية الخاصة بالمجتمع، وهذا يفيد ويؤكد أنّنا أمام مجتمع يجيد صنع الحياة ومواجهة التّحديات والصُّعوبات بلا تعطيلٍ لأي جزءٍ من طاقته. 

لكن أيضًا هناك جانب مهم التركيز عليه حتى يكتمل مشهد التّقدير والإنصاف للمرأة الرمز والنموذج، فما زالت مشاركة المرأة محدودة وغير منصفة لها ولعطائها رغم ما تستدعيه المناسبات من جمل وعبارات تستخدم للضرورة الموسمية، دون تطبيق حقيقي وفعلي لزيادة تمثيل المرأة الفلسطينية في مواقع صنع القرار رغم كلَّ النَّداءات والمطالبات التي ضجرت النساء الحديث بها وضجر الرِّجال الاستماع لها رغم أهميتها ومشروعيتها، فما زلنا في حاجة تطبيق الكثير من القرارات والادعاءات واستصدار العديد من القوانين التي تليق بكرامة ونضال المرأة الفلسطينية، وهذا مطلوب من الجهات الرسمية (الحكومة، الفصائل الفلسطينية).

فما زال وجود المرأة في المؤسسات الرسمية والفصائلية هو وجود شكلي على الأغلب، ما زالت الجامعات تفتقد للأكاديمية (رئيس الجامعة، وعميد كلية، وغير ذلك). 

ما زال مشهد المنصة أمامي، يجلس سطر كامل من الرجال دون أي وجود للمرأة الشريك. 

في اليوم العالمي للمرأة، مازالت المرأة الفلسطينية على عظم دورها ومكانتها تعاني ظلم وبطش الاحتلال ككلِّ الشعب الفلسطيني، وتعاني معه الحصار والقتل والاعتقال غير المبرر، والوقوف على الحواجز لساعات طويلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، وتمنع من حقها بالسَّفر والتَّعليم والعلاج بقرار الاستعمار الإسرائيلي، يهدم البيت فوق رأسها، ويلقى فوق بيتها الآمن الصَّواريخ وأعتى الأسلحة لتلقى حتفها مع أطفالها وزوجها، بلا مبررٍ سوا غطرسة الاحتلال وانحياز العالم والمجتمع الدولي المنافق، والذي يتعامل بازدواجية في المعايير حسب مصالحه.

إنَّ المرحلة الخطرة والحرجة التي تقف على أعتابها القضية الفلسطينية، بحاجة لجهدٍ أكبر وعمل دبلوماسي وشعبي أكثر للضغط من قبل المجتمع الدُّولي والمؤسسات الدّولية لايقاف الظُّلم والبطش الإسرائيلي بحقِّ شعبنا، لينعم بحياة كريمة كباقِ الشُّعوب، ففي الحرب والانقسام وتحت القصف ووسط الحصار، تكون المرأة هي الحلقة الأضعف والتي بحاجة لحماية، وعلى العالم أن يكف نفاقه وانحيازه، وليمارس العدالة ولو مرة واحدة بحقِّ الشَّعب الفلسطيني لحفظ آدميته وحقوقه إسوةً بشعوب الأرض، وكما يستحق أن يكون. 

في يوم المرأة العالمي إذا كانت المرأة الفلسطينية بخيرٍ، فإنَّ فلسطين بخيرٍ، وأرواح أبنائها الشُّهداء ترقد بسلام. سلامنا للمرأة الفلسطينية، ملح الأرض، وحارسة نارها.