تعديل اتفاق "باريس"

بي دي ان |

24 فبراير 2023 الساعة 05:30م

الكاتب
ورد خبر مؤخراً حسب موقع تايمز أوف إسرائيل، تحت عنوان "إسرائيل تقول إنها وافقت على مبادرات اقتصادية للفلسطينيين، بعد المحادثات مع الولايات المتحدة" وبرغم أن عنوان الخبر يوحي بأن تحركاً على صعيد الحل السلمي بدا بالأفق بعد ضغوط أمريكية على إسرائيل في أعقاب زيارة الرئيس الأمريكي للمنطقة في تموز الماضي، الا أن محتوى الخبر يتحدث عن تسهيلات اقتصادية غاية في السذاجة  ستقوم بها دولة الاحتلال تجاه الفلسطينيين. وتشمل هذه التسهيلات على "تنظيم الرسوم عند معبر اللنبي الاحتلالي بين الضفة الغربية والأردن، وتخفيض ضريبة القيمة المضافة التي تفرضها اسرائيل على السلطة الوطنية  الفلسطينية مقابل الوقود الذي تنقله إلى رام الله. وأخيراً، الموافقة على تحديث قائمة وزارة الاقتصاد للبضائع المسموح باستيرادها للفلسطينيين. 
واللافت للنظر، أن هذه التسهيلات تتعامل مع واقع الاحتلال في الأراضي الفلسطينية المحتلة  كونه قائماً على أرض الواقع DE FACTO  ولا تسعى لإنهائه، وإنما تقوم بتخفيف معاناة الفلسطينيين الذين يقبعون تحت نير هذا الاحتلال. هذه المفارقة غريبة جداً ومتناقضة، فالأولوية الأولى للشعب الفلسطيني هي التخلص من الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، وليست تحسين ظروف معيشتهم لأن المعاناة باختصار هي نتيجة الاحتلال، والآلية المقترحة والبسيطة لمواجهتها هي إزالة الاحتلال وليس قبوله أو التعامل مع واقعه. 
من زاوية أخرى، إذا كانت الإدارة الأمريكية الديمقراطية الحالية  مقتنعة أو غير راغبة بطرح أي مبادرة سياسية للتسوية السلمية على عكس الإدارات السابقة ، وهي كذلك، فإن طرح مبادرات حول تسهيلات اقتصادية لتخفيف معاناة الفلسطينيين يجب أن ترتكز أساساً على تخليص الشعب الفلسطيني من واقع التبعية الاقتصادية للاحتلال، وبالضرورة تمكين السلطة الوطنية الفلسطينية من تنفيذ خطتها الاقتصادية حول الإنفكاك التدريجي من هذه التبعية. وللأسف، فإن خطة حكومة د. اشتية حول الانفكاك واجهتها عقبات حقيقية من قبل الاحتلال منعت الشعب الفلسطيني من إدارة موارده ومن السيطرة على المعابر ومن حرية الاستيراد والتصدير بما فيها موارد الطاقة. وكان أجدى بإدارة بايدن اذا ما أرادت تخفيف معاناة الفلسطينين أن تقوم بالضغط على إسرائيل لتعديل إتفاق باريس الاقتصادي بين السلطة الوطنية وحكومة الاحتلال. 
وفي الوقت الذي تقوم به إسرائيل بفرض تبعية الاقتصاد الفلسطيني لها من خلال إتفاق باريس، فإن حكومة الاحتلال تعيق التنمية الحقيقية في الأراضي المحتلة، فهي تمنع السلطة الوطنية من السيطرة على مواردها في مناطق "ج، بما يرفد الناتج القومي بأكثر من 3.5 مليار دولار سنوياً،. وبحسب  تقرير صدر عن مؤتمر الأمم المتحدة للتجارة والتنمية (الأونكتاد) قُدّم إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة. فقد دفع الشعب الفلسطيني تكلفة تراكمية باهظة تقدر بـ 50 مليار دولار في الفترة بين 2000 و2020 بسبب القيود الإضافية التي فرضتها إسرائيل في الجزء المتاح للتنمية الفلسطينية في المنطقة "ج" بالضفة الغربية. ويُقدّر التقرير المساهمة السنوية للمستوطنات في مناطق "ج"  في اقتصاد السلطة القائمة بالاحتلال بنحو 41 مليار دولار، أي 227 في المائة من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني في عام 2021. وفي موضوعة التبعية، تشير المعطيات الى أن  إيرادات السوق الفلسطينية من إسرائيل حالياً تقدَّر بنحو 70%، بينما يُصدِّر الفلسطينيون 93% من صادراتهم لإسرائيل، وتتجلى هذه التبعية أيضاً بإرتفاع حجم العمالة الفلسطينية المنخرطة في الاقتصاد الإسرائيلي بأكثر من 180000 عامل. ويعود سبب هذا الارتفاع إلى ضعف قدرة الاقتصاد الفلسطيني الاستيعابية، بسبب القيود الإسرائيلية على حركة الأفراد والبضائع ورأس المال والأرض، بحيث غدا الاقتصاد الفلسطيني يعتمد أساساً على المدخلات الإسرائيلية، لأن 35% من الدخل القومي الفلسطيني يأتي من هذه العمالة. من جانب آخر، تسيطر إسرائيل على أموال المقاصة الفلسطينية وتقوم بقرصنتها تحت حجج غير قانونية مثل دعم الاسرى والشهداء وتعويض المتضررين الاسرائيليين من عمليات المقاومة الفلسطينية. وبسبب سيطرة إسرائيل على الجباية الجمركية وعدم سيطرة السلطة الوطنية على المنافذ والمعابر، تقدر التقارير الدولية حجم التسريبات المالية بحوالي 300 مليون دولار سنوياً، وقدرت خسائر الخزينة الفلسطينية التراكمية نتيجة لهذا التسريب الجمركي بأكثر من مليار دولار  في عام 2017 وحدها. 
وفي النتيجة، سيد بايدن،  اذا لم تستطع أو ترغب في فرض سلام عادل بين الفلسطينيين والاسرائليين، فعلى الأقل إضغط بإتجاه تعديل إتفاقية باريس وليس خفض رسوم المعابر. فإتفاقية باريس تكرس التبعية والابرتهايد وتمنع الانفكاك عن الاحتلال وتعيق التنمية في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وهذا الوصفة بالضبط هي التي تخفف معاناة الفلسطينيين.

- الأمين العام للحملة الاكاديمية الدولية لمناهضة الاحتلال والابرتهايد