سذاجة سياسية؟

بي دي ان |

20 ديسمبر 2022 الساعة 01:32ص

- في السفر إشارة من الرضا، ولكن فيه أيضًا ما يقبض القلب، ويشغل الفهم إذا قارن المواطن بين ما كان يراه في بلده من فشل الشعب في حقه الدستوري ، وبين ما يراه في غير بلده من ديمقراطية صحيحة كاملة، فيها الفرد يساوي الفرد حقيقة، ولا فضل لأحد على أحد إلا بمقدار نفعه لشعبه، وليس لأحد من السلطة إلا ما أرادت الأمة أن تعطيه.. لا هبة ولا مكافأة، بل واجبًا وفرضًا يحاسب عليه حسابًا عسيرًا.

- هذا المعنى لا يمكن تفسيره إلا بأن الوطن ثقل عليه الاحتلال الصهيوني؛ ويملؤني يقين بأن هذا الشعب الجبار قادر على فرض إرادته على غطرسة وعنصرية وصهيونية الكيان الذي يحتل فلسطين .مهما بدا الطريق طويلً ، فالمعجزة الفلسطينية تتجلى كل يوم في أعظم صور الفداء والتضحية والاصرار على النصر. 

 وايضا..محاسبة موالسة الانقسام والخراب؛ لسياستهم في البلاد، وهدمهم اساس الوحدة الوطنية وما يأتي به هؤلاء، ولو كان فيه الخير ! و يعيب عليهم تخاذلهم وتفرقتهم ونزاعهم وسط ما يلم بهم من الحوادث الجسام، ويردد قوله: اتفق أصحاب المصالح على ألا يتفقوا.

- وبعبارة أخرى .. لم يقف الشعب موقف المتمسك بحقه من إبداء رأيه في قضيته الوطنية، ولكن بعض الفلسطينيين فطنوا إزاء تلك الحوادث، إلى أنه يستحيل عليهم أن يتقدموا في سبيل الاستقلال والوحدة والحرية والمدنية خطوة إلى الأمام إلا بمشاركة الشعب في الأعمال العامة؛ و إن الناس لم يقصروا في طلبهم على حقوقهم السياسية، من الحرية وحق الشعب من السلطة، بعد أن تركوا لهؤلاء وقت كبير، و حرية أكثر مما كان لهم في الشئون السياسية ، وكان من نتيجة ذلك أن انهار أمل الناس في هؤلاء. وتحققوا أنه لا يمكن الاعتماد عليهم، ولا على أية حزب في المسألة السياسية ، وأن على شعب  فلسطين أن يعتمد على نفسه في المطالبة  بالحرية والاستقلال والوحدة الحقيقية.

- فأنكر على هؤلاء تصرفهم في حقوقه واستئثارهم بالأمر دونه، وعز عليه أن يصدر كل شيء باسم الشعب على غير ما يختار!!، فنفر من معاملتهم إياه معاملة المجهول، ومهما كان في أساليب هذه المطالب من الانتقاد الضمني إلا أن مثل هذه السياسات من شأنها أن تجعل هؤلاء كل شيء، والشعب لا شيء! في الأصول الاجتماعية والسياسية بل الاقتصادية أيضًا.

- الحقيقية في سنوات الخالية نهضنا نطالب بالوحدة الوطنية وقبل ذلك بزمن بعيد طلبناها ودعونا إليها؛ طلبناها على طرق متنوعة، وبصنوف مختلفة، طلبناها من المسؤولين، ومن العرب والعجم، ومن السلطة الشرعية، طلبناه بأقلام الكتاب، وبألسنة الشعب. كما طلبنا بالدولة المستقلة  والحرية ؛ لأن الحرية هي الغذاء الضروري لحياتنا، ولو كنا نعيش بالخبز والماء، لكانت عيشتنا راضية وفوق الراضية، ولكن غذاءنا الحقيقي الذي به نحيا، ومن أجله نحب الحياة ليس هو شبع البطون الجائعة، بل حرية وستقلال الوطن، و إرضاء العقول والقلوب، وعقولنا وقلوبنا لا ترضى الا  بالوحدة الوطنية الحقيقية, والاستقلال والحرية.

- إن أولئك الذين اجتمعوا في المؤتمرات والاجتماعات واللقاءات وكانوا يعلمون حق العلم طبيعتها و اغراضها  لا يكادون يخدعون على تطوره أيٍّا كان رأيهم في نتائجه، إن الكلمات الفخمة مثل " الوحدة الوطنية " والكلمة المستهلكة في غير موضعها  والتي قد فقدت المعني الاساسي له " الوحدة الوطنية و الاستراتيجية"  إلخ، إنما نطق بها لتطمين الناس ولتفيض على هذه الاجتماعات الحافلة مصداقيه وإكبار، لكن الغرض الحقيقي للمؤتمر، قد كان لاستمرار الدوران في حلقة مفرغة و توزيع أسلاب السلطات وتقسيم حقوق  المقهورين بين القاهرين.

- هي سياسة ساذجة معكوسة النتائج، ولم يبقَ بعدُ سبيلٌ إلى الوحدة الوطنية، ولم يكن لينتظر أن  الانقسام و الخلاف الداخلي الذي قد وصل إلى النتيجة التي وصل إليها، فعجزت السياسة والمفاوضات السياسية، والوساطات العربية وغيرها عن تأييد الوحدة الوطنية والسلم  الداخلي وحقن الدماء، وحماية مصالح القضية الوطنية، بعد انفرد الشر بالحكم ، إذ نفخ في صوره ففزعت لدعوته وانقلبوا عن صورهم ، فأصموا آذانهم عن دعوة الوحدة الوطنية، واستدبروا نهائيٍّا مبادئ الوحدة الحقيقية.

- وغشي الغضب أبصارهم، فلم يعودوا يفكرون في الخسارة الكبرى التي يجنيها المنقسمون من وراء الانقسام ؛ سواء فيهم الغالب والمغلوب، واستهانوا بالأضرار التي تلحق بالشعب بأسره من وراء هذا المخطط الصهيوني الشيطاني، وخلصت في النهاية إلى أن الحكومة- او سلطات الآمر الواقع-  ليس لها حق حكم الناس؛ لأن كل سلطة نشأت بالقوة، والقوة لا تعطي الحق وإنما الذي يعطيه هو الدستور والقانون  فقط، وليس هناك أي عقد بينها وبين الشعب!

ولا ينكر أحد أن تنازع السلطتين من طبعه أن يجعل العناد يتخلل كثيرًا من أعمال كلتيهما؛ كلما ظفر الاحتلال بالسلطة قرب كثيرًا من الذين لا يهمهم إلا مصالحهم، وعادة المواطن أن يكون ضحية لغيره، وما كانت بلادنا أيضًا إلا ضحية يضحى بها على مصالحة القوي؛ فهذا القاع ليس بعده قاع؛ وليس بعده إلا الطوفان. نحن نعيش مع أكذوبة كارثية تضخمت حتى صارت قابلة للانفجار في وجوهنا.