الأبرتهايد بين تطبيقه اسرائيلياً ومناهضته فلسطينياً

بي دي ان |

15 نوفمبر 2022 الساعة 01:54م

الأبرتهايد ينمو من جديد شاع مصطلح الأبرتهايد عام 1984م عندما حكمت من خلاله الأقلية البيضاء في جنوب أفريقيا، وهو مصطلح يتبنى مبدأ الفصل العنصري بين سكان المنطقة الجغرافية الواحدة بهدف إيجاد نظام يسعى إلى خلق مخرج قانوني يحافظ على الهيمنة الاقتصادية والسياسية للأقلية ذات الأصول الأوروبية، وهذا لا يعني أن بداية استعمال مصطلح الأبرتهايد كان في عام 1984، حيث أن أول استعمال لكلمة "أبرتهايد" كان عام 1917م خلال خطاب ألقاه " جان كريستيان سماتس " والذي أصبح لاحقاً رئيس وزراء جنوب أفريقيا عام 1919م، وقد نسب العديد من الكاتبين نشأة الفصل العنصري إلى الحكومة الافركانية المهيمنة على الحكم مع بداية عام 1984م، لهذا السبب شاع مصطلح الأبرتهايد في ذلك العام . 
وقد بُني نظام الابرتهايد على غرس قيم العنصرية بين الافراد من خلال تقسيمهم عرقياً حسب اللون " أبيض – أسود " كما حدث في جنوب أفريقيا، أو تقسيمهم مكانةً حسب الرُقي كما حدث لدى الأسيويين " الهنود – الباكستانيين "، وكان نظام الابرتهايد يعتمد على الأغلبية " وعادة ما يكونوا هم السكان الأصليين " هم ذات سيادة اسمية بينما في الواقع تكون السيادة لممارسي نظام الابرتهايد، وهذا تماماً ما طبقته الولايات المتحدة الأمريكية اتجاه الهنود الحمر . 
ولا يقتصر نظام الابرتهايد على خلق اطاراً من العنصرية العرقة فحسب، بل أن هذا النظام يجري عملياً على منع الأفراد الأصليين من ممارسة حقوقهم المشروعة في أوطانهم، فنجد أن هذا النظام يحرم السكان الأصليين من حقهم في الانتخاب مثلاً، كذلك يحول بينهم وبين حقهم في الحصول على الخدمات الصحية والتعليمية وباقي الخدمات الأخرى، فبالمقارنة مع أصحاب الأصول الأوربية نجد السكان الأصليين يعيشون أسوء الأوضاء الخدماتية في شتى المجالات " الصحية والتعليمية الاجتماعية ...إلخ " . 
ورغم أن نظام الأبرتهايد قد لاقى العديد من الاعتراضات منذ الستينات مما دعا العديد من الدول نبذ جنوب أفريقيا ومقاطعتها، بالإضافة إلى معارضة منظمات دولية مختلفة لهذا النظام مما أدى إلى انهياره بعد أربع عقود، نجد أن هذا النظام قد عاد تبنيه من جديد لدى بعض الحكومات، وهذا ما نراه واضحاً جلياً في ممارسات تلك الحكومات اتجاه السكان الأصليين، ولعل ما تعيشه فلسطين من احتلال يعد نموذجاً يعكس ولادة نظام الابرتهايد من جديد. 
قانون الدولة القومية اليهودية تطبيق صريح لنظام الابرتهايد 
في الآونة الأخيرة عبر الفلسطينيون الذين يعيشون داخل الأراضي الإسرائيلية اعترضهم وتذمرهم من قانون جديد سنته الحكومة الإسرائيلية يحمل اسم " الدولة القومية اليهودية " والذي ينص على أن لليهود حق فريد في تقرير مصيرهم، وأن فلسطين المحتلة هي " دولة قومية للشعب اليهودي " وهذا ما جعل اللغة العبرية هي اللغة الأساسية للبلاد دون الاعتراف باللغة العربية كلغة رسمية، ورغم أن العرب الذين يعيشون داخل إسرائيل يشكلون ما يزيد في نسبته عن 25% من السكان البالغ عددهم 9 ملايين نسمة، إلا أن طريقة معاملة الحكومة الإسرائيلية للعرب داخل إسرائيل تختلف عن طريقة معاملة من هم من أصول أوربية، رغم أن الجميع عرب ومن هم أصحاب أصول أوربية تحت ولاية الحكومة الإسرائيلية ويحملون نفس بطاقات التعريف الإسرائيلية، إلا أن الفلسطينيون هناك يتم تمييزهم في الخدمات بمختلف المجالات، فيُقدم لهم الأسوأ في مجالات التعليم والصحة وحرية الحركة والعمل وغير ذلك من الخدمات الحياتية. 
وهذا على صعيد عرب فلسطين في داخل إسرائيل، أما فيما يتعلق بالفلسطينيين خارج إسرائيل والذين يقعون جغرافياً تحت سلطة السلطة الوطنية الفلسطينية فحدث ولا حرج، فيما يتعرضون له من اضطهاد و تعديات وممارسات وتمييز في جميع مناحي الحياة أكبر بكثير من مجرد تمييز عرقي، فإسرائيل كحكومة تمارس فعلياً جميع أشكال التمييز " العرقي و الديني والمكاني والاجتماعي والقيمي ...إلخ " مع الشعب الفلسطيني، ولعل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني يومياً من قتل و أسر وتنكيل وتهجير وهدم منازل واستيطان و فرض عقوبات و بناء حواجز بين البلدات الفلسطينية و ترسيم جغرافي لها و فصل عنصري من خلال الجدار العنصري الفاصل وغيرها الكثير من التعديات، لهو أكبر دليل على ممارسة إسرائيل للأبرتهايد. 
مناهضة الأبرتهايد سبيل الفلسطينيون للخلاص 
جميعنا يردد الجملة التي تقول " ما ضاع حق ورائه مُطالِب "، وحقنا في وطننا ما زلنا نطالب فيه منذ 1948م ولم نحرك ساكناً، قد يعود فشلنا في التحرير إلى سوء تقدير منا، أو أن عدونا يمتلك من الذكاء ما يجعله لا يزال صامداً أمام اصرارناً في استعادة ما سُلب منا. ليس غاية في الأهمية أن نقف كثيراً أمام السبب، ما هو هام هنا أن نعي تماماً الحجم الحقيق لهذا المُحتل، أن نقف عند نقاط قوته ونتدارسها، كذلك ثغراته. 
يتجه العالم اليوم إلى ما تعكسه الشعوب، تتغير حكومات فتسقط تارة وتعلو تارة أخرى بفضل تلك الشعوب، فعالم الإنترنت جعل الأفكار والثقافات والقيم والاتجاهات، كذلك الانطباعات تنتقل في غضون ثواني حول العالم، فيؤثر جميع ذلك في تلك الشعوب، وكما الجريدة المجانية التي تُمنح لكل فرد حول العالم يومياً ليتصفحها الجميع كما أراد كاتبها أن تُفهم وتُقرأ ثم تنقل فتؤثر، كذلك السياسات تفعل. 
وكما تسعى حكومة إسرائيل في توصيل صورة الضحية للعالم ونجحت في ذلك عالمياً مستخدمة جميع الوسائل والطرق والأساليب الحديثة مستغلة ضعفنا وتمزقنا وقصورنا التكنولوجي، يجب مواجهتها بنفس السلاح التي استخدمته في نقل الصورة المشوهة للعالم، فالعالم يجهل ما يخفيه الستار ويتداول ما تبديه الأفكار. وكما تسعى الحكومة الإسرائيلية من إخفاء نظام الابرتهايد التي تتبناه ضد الشعب الفلسطيني يجب استغلال تلك الثغرة وبلورتها إلى صور واقعية ونقلها للعالم، فأصحاب الحق لن يعيد السكوت والخنوع وانتظار انصاف الغير إليهم حقهم، فإن لم ننقل نحن أصحاب الحق الحقيقة للعالم لن نستعيد أي من حقوقنا، وسنبقى ندور في نفس الدائرة إلى مالا نهاية .