ياسر عرفات.. الموت والميلاد

بي دي ان |

10 نوفمبر 2022 الساعة 11:36ص

بعد ثمانية عشر عامًا من استشهاد الزعيم ياسر عرفات، مازال الفلسطينيين  بذات الشغف وذاك الحنين لاحياء الذكرى، فقد عاش الفلسطينيون زمن الراحل عرفات طمأنينة وسكينة لم يعتادوا عليها عبر مراحل معاناتهم تحت الاحتلال، ليأتي المخلص والملهم ليشكل طوق نجاة، كان أمينًا على شعبه ووطنه، فحمى ظهورهم من الخلف، ليس منا من لم يخطيء وليس منا من لم يتعثر، لكن إيمانه العميق وانتمائه وإخلاصه لوطنه، وحرصه على شعبه وكرامته وآدميته، جعل منه ظاهرة وطنية ثورية قد لا تتكرر بهذا الحجم من العطاء والعنفوان والجلد، ياسر عرفات الاسم الثاني لفلسطين، ما أغرب أن تعرف دولة من صورة رجل أو من كوفيته، قبل أن يكون رئيس. 

لعل حسن حظنا أننا عايشنا زمن هذا الرجل وعايشنا كيف كان يمسك زمام الأمور بيده، كيف تعامل مع الخصوم والفرقاء، كيف وازى بين المفاوضات والعمل العسكري، صاحب أطول حصار، حيث تم محاصرته في لبنان ١٩٨٢ وهاجمه جيش من أشرس الجيوش وأعظمها قوة "صمد قائدا وثائرًا وثوارا".

وأثناء خروجه من لبنان سألوه أين ذاهب أبو عمار ؟ فقال لهم إلى فلسطين، وحين عاد إلى فلسطين أسس دولة وبقي حاملا بندقية. 

حين شكل جيشًا، ارتكب أحد الأجهزة الأمنية خطأ ما بالضفة  الغربية "تحديدًا نابلس" وقف في حشد كان بالآلاف واعتذر منهم اعتذار القائد القادر، وطلب مسامحة الاخوة لأخوتهم، الآباء لأبنائهم لم يتعالى ولم يستقو فكان الأنموذج والقدوة، ابن ذاك الشعب وتلك الأرض، فصفقت له الجماهير خجلًا وحبًا وتقديرًا. 

ياسر عرفات قبل أقدام الجرحى ورؤوس النساء وأيادي الأطفال، شارك الشباب الحوار والمزاح والبندقية، تبنى  أبناء الشهداء ممن كانوا معه بلبنان وتونس وغيرها، حملهم إلى فلسطين الحلم والدولة، فكان يطعمهم بيديه، ياسر عرفات الذي اختار أن يبقى أمينًا بحياته واختار الشهادة لنهايته فكان له ما أحب.
 
لايمكن لنا أن نسأل لماذا يدرس تاريخ ياسر عرفات بالمدارس وينشده الأطفال وتكتب له القصائد. 

ياسر عرفات حشد من المناصرين لفلسطين آلاف بل ملايين وكان شركاءه بالثورة عرب وغير العرب ممن آمنوا بقضيته، دار حول العالم لينشر قضيته ويسرد الحقيقة الفلسطينية، ويتحدث باسم القدس والشعب، كل الذين آمنوا بحركة فتح، وعبروا لها عبر ياسر عرفات مازالوا مؤمنين بها، مدافعين عنها، يقاتلون من أجلها، ولاشك أن حركة فتح تعثرت قليلًا وكلما تعثرت نهضت، لكنها في ذكرى استشهاد زعيمها ومؤسسها تنتفض من جديد لتجدد البيعة لصاحب الفكرة الأولى والمؤسس الأول.
 
بعد استشهاد أبو عمار وسيطرة حركة حماس على غزة بعد سنوات قليلة، "وأظن أن القضاء على حركة فتح كان أحد وربما أهم الأسباب"، كان مهما إزاحة فتح من الطريق المؤدي إلى القدس العاصمة، لكن الرهان كان فاشلًا وخاسرًا، وأن أي حرف من حروف ياسر عرفات كفيلة باعادة عنفوان المارد الفتحاوي وخروجه من تحت الرماد بشكل أقوى وأعظ،  مؤامرات كثيرة أحكيت، وماتزال ضد حركة فتح، قد تصيبها بالعطب قليلًا لكنها لا تنهيها ولن تزيحها جانبًا، بل بالعكس نجد اليوم جيشا من الشباب الثائر في الضفة يولدون وهم يهتفون باسم ياسر عرفات، ومع ذلك بقي على قيادة الحركة أن تنظم مؤتمرها الثامن، وأن تعيد الهيبة للكادر الذي يتم تهميشه خاصة الكادر الفتحاوي في غزة، وتعزيز صمودهم ودعم معنوياتهم لأنهم يقفون وسط جحيم العنصرية والاضطهاد في ظل رفضهم بل واعتقالهم وقمعهم من سلطة الأمر الواقع بغزة. 

الحفاظ على غزة كونها المخزون الثوري فرغم كل معاناة كوادرها، ما زالوا هم القابضون على الجمر. 

في ذكرى استشهاد القائد مطلوب اعادة البيعة لفلسطين والثورة الفلسطينية، لأرواح الشهداء ودماءهم ولأسرانا، في الذكرى مطلوب لملمة الصف الفتحاوي والارتقاء بالكادر وعمل جرد حساب لكل الأخطاء والتجاوزات من قبل كوادر وقادة، فهيبة حركة فتح هي هيبة القضية وهذا بشهادة فصائل عديدة. 

في ذكرى رحيل القائد اخترنا أن يكون ميلاد صحيفتنا الاخبارية "بي دي ان" لنكون أول من يجدد البيعة والعهد لفلسطين وأبو عمار أن نبقى الأوفياء، مؤمنين أن اغتيال  ياسر عرفات لن يكون أبدا اغتيالًا لفلسطين ولا لأصوات الحق فيها، ففلسطين باقية وعلى جبينها اسم ياسر عرفات، وصوت الحق باق نرفعه عاليا ما حيينا، عاشت ذكرى الاستشهاد، ودام يوم الميلاد.