قطار المصالحة في عاصمة جديدة!

بي دي ان |

12 أكتوبر 2022 الساعة 10:23ص

انطلق أمس قطار آخر للمصالحة الفلسطينية بالجزائر بدعوة من الرئيس الجزائري عبد العزيز بن تبون،  وجه خلالها دعوته لجميع الفصائل الفلسطينية للمشاركة في حوار "مشروع إتمام المصالحة "، جاءت هذه الدعوة بعد لقاء الرئيس الجزائري بالرئيس الفلسطيني محمود عباس، فكان الضوء الأخضر لهذه الدعوة. 

لقاء الجزائر لم يكن اللقاء الأول أو المحاولة الأولى لاتمام المصالحة الفلسطينية وتعزيز الوحدة الفلسطينية وانهاء الانقسام البغيض، ولا يمكننا أن نعلم إن كان اللقاء الأخير أم لا إلا بعد الانتهاء من جولات عصيبة ستمر بها الحوارات خاصة حين البدء بجوهر الخلاف والقضايا الجوهرية، كالانتخابات والحكومة وإجراءات تنفيذ الاتفاقات التي من الممكن الإعلان عنها فيما بعد.
 
قطار المصالحة الفلسطينية الذي صال وجال بين العديد من العواصم العربية سابقا، فما بين اتفاق مكة عام ٢٠٠٧، والقاهرة وما حملته من حوارات ولقاءات خلصت إلى ما يسمى "الورقة المصرية" والتي أعلن عنها في أيلول ٢٠٠٩، وكذلك اتفاق القاهرة ٢٠١١ حيث اجتمعت الفصائل الفلسطينية برعاية مصرية لبحث آليات تنفيذ اتفاقية الوفاق الوطني الفلسطيني التي وقعت عليها الفصائل بالقاهرة مايو ٢٠١١.

اتفاق الشاطىء ٢٠١٤ الذي يعتبره الكثيرون أنه من أهم الاتفاقات في ذات السياق، وقد تم الاتفاق على تشكيل حكومة توافق فلسطينية، على أن يعقبها بستة أشهر انتخابات برلمانية ولكن ذلك لم يحدث، وقد سبق ذلك أيضا اتفاق الدوحة '٢٠١٢  بحضور الرئيس محمود عباس وعن حركة حماس خالد مشعل. 
ثم إعلان اسطنبول عام ٢٠٢٠ والذي حقق منسوب لا بأس من التفاؤل لدى الشعب الفلسطيني، إلا أنه سرعان ما انطفأ رونقه، ليعود القطار من جديد إلى القاهرة ويعود المتخاصمون بخفي حنين. 

و لعل من الضروري الإشارة هنا إلى أن هذه الجولات الفصائلية على مدار أكثر من خمسة عشر عاما دون أن تحقق أي انجاز على الأرض، وحافظت على بقاء الحالة المهترئة قد أصابت الفلسطينيين بخيبة أمل كبيرة، بالتالي نلاحظ دون أي جهد منا، عدم اهتمام الشارع الفلسطيني بحوارات الجزائر على أهميتها وثقتنا بأشقائنا الجزائريين الجادين تمامًا بمبادرتهم من منطلق مسؤوليتهم العربية والعروبية تجاه قضية فلسطين التي يعتبرونها قضيتهم تماما وهذا ما نشاهده في مواقف الجزائر المشرفة في كل موقف له علاقة بالقضية الفلسطينية.

ولكننا ندرك جيدًا أن اتمام المصالحة لا يكفيه رغبة الجزائر، لكن لابد أن يصاحبها رغبة ونوايا فلسطينية صادقة وأحساس عال بالمسؤولية الوطنية والأخلاقية تجاه المشهد الفلسطيني المليء بالغليان بالضفة الغربية وقطاع غزة، كل وفق ما يشكل لديه من أزمات وتضييق خناق. 

الأراض الفلسطينية بكل مافيها وما تتعرض له من استيطان وتهويد واقتحامات واعتداءات إسرائيلية متتالية واعدامات وحصار، كل ذلك يحتاج من جميع من يجلس على موائد الحوار في الجزائر اليوم النظر بعين المسؤلية الوطنية وأننا لم نعد نمتلك ترف الوقت والمراوغة، فنحن الخاسرون دائما بفعل مراهقة البعض السياسية، وعدم احترام تضحيات شعبنا. 

القضية الفلسطينية ربما لم تعد قضية العالم الأولى، فحرب روسيا وأوكرانيا، والاتفاق النووي الايراني قضايا تطغى على الموائد الدولية يصاحبها تراجع للقضية الفلسطينية، ناهيك عن أننا لم نعد نمتلك أوراق ضغط قوية، وانقسامنا يزيد ليس ضعفا فحسب، بل ويزيد من استخفاف العالم بنا. 

يقول بعض المجتمعون في الجزائر أن هناك حالة من الارتياح يسود اللقاء وخيط من التفاؤل بعد اجتماع دام  ساعات طويلة ومتواصلة تم خلالها الاتفاق على بعض القضايا، في حين قضايا عالقة ينتظر مناقشتها غدا، وأعتقد أن العيون ستكون شاخصة صبيحة الأربعاء باتجاه الخروج باتفاق ينهي معاناة الشعب الفلسطيني ويجسد الوحدة الفلسطينية، ولا أدري شخصيًا مدى استفادة وجدية الفصائل من حوارات كثيرة سابقة طافت العواصم العربية.
 
بالتالي ليس لنا سوا الانتظار ولو أننا ندرك أن الشيطان يكمن دائمآ بالتفاصيل، لكن أيضا لابد من إحياء الأمل والتفاؤل في نفوس شعب برغم عدم تفاعله مع حوارات الجزائر إلا أننا لا نستطيع انكار تعطشه لانهاء حالة الانقسام وتعزيز الوحدة الوطنية، وطي صفحة قاتمة هي الأسوأ في تاريخنا الفلسطيني، وكم كنت ومازلت أتمنى أن يصاحب حوار الجزائر خروج جماهيري حاشد في شوارع فلسطين والخارج لارغام الجميع على إنهاء هذه الوصمة المخزية في جبين قضيتنا الفلسطينية.