الفيروسات القاتلة

بي دي ان |

31 ديسمبر 2020 الساعة 04:56ص

عندما دخلت الشابة المريضة قسم الإسعاف في المشفى, لم يكن أحد يعلم أنها تحمل قنبلة بيولوجية موقوتة, فالحرارة العالية, والآلام الحادة في البطن, والإسهالات والقيء المتكرر المختلط بالدم, جعل الطبيب المشرف على الحالة يفتح بطن المريضة لاستئصال الزائدة الدودية؛ لم يكن يعلم أنه سيدفع حياته ثمناً لتلك العملية؛ حيث أن الشابة المريضة توفيت بعد عدة أيام بتسمم معوي غير معروف, والطبيب بدأ يدخل في حالة من الهذيان  نتيجة الحمى, وآلام مغص مبرح في البطن, ثم انتفاخ في الأطراف, ليسقط في الفراش ينزف من كل مكان, حتى فاضت روحه إلى باريها.
مات الجراح ولحقه طاقم العمليات المكون من ثلاثة أشخاص, ثم ممرضات الجناح الأربعة اللواتي كن يعتنين بالمرضى تساقطوا كما تتساقط أوراق الخريف, وتتابعت سلسلة الموت, حيث ترامت الجثث هنا وهناك, وعبثت الفيروسات الدموية في زائير (الكونغو الديمقراطية) في مطلع شهر إبريل/نيسان عام 1995م في أنحاء البلاد. لم تكن زائير هي بداية المرض, بل ظهر المرض في عام 1976م في إطار فاشيتين اثنتين اندلعتا معاً, الأولى في السودان والأخرى كما ذكرنا في الكونغو الديمقراطية, حيث تم اكتشاف فيروس الإيبولا لأول مرة, ثم عبر المرض إلى غينيا وسيراليون وليبيريا ونيجيريا (بواسطة مسافر واحد) ثم إلى الولايات المتحدة الأمريكية (بواسطة مسافر واحد), ثم إلى السنغال, ثم مالي (بواسطة مسافر واحد فقط). حيث بلغ معدل الموت في حالات الإصابة بمرض فيروس إيبولا 50% في المتوسط, ولكن هذا المعدل تراوح بين نسبتي 25% و90% في الفاشيات التي اندلعت في كل من السودان والكونغو الديمقراطية. حيث كان المرض ينتقل إلى الإنسان من الحيوانات البرية, وينتقل سريانه من إنسان إلى آخر عن طريق التجمعات البشرية, حيث تبدأ الأعراض بحمى موهنة, وآلام في العضلات, صداع, التهاب في الحلق, تقيؤ, إسهال, طفح جلدي, اختلال وظائف الكلى والكبد, الإصابة بنزيف داخلي وخارجي على حد سواء, انخفاض عدد الكريات الدم البيضاء, والصفائح الدموية, ارتفاع معدلات إفراز الكبد للأنزيمات, انتهاءً بالموت.
أما فيروس الإيدز المُكتشف عام 1981م, فهو لص محترف, ومنافق كبير, لا يظهر مباشرة بل يحتاج إلى سنوات ليُعلن عن نفسه, ولكن بعد أن يضرب ضربته في الظهر, كأحقر الغادرين, حيث يبدأ بصداع ثم آلام في الحنجرة, انتفاخ في منطقة الغدد اللمفاوية, طفح جلدي, اسهال, فقدان وزن, حُمى, سعال, ضيق تنفس, أما المرحلة الاخيرة والتي تكون بعد عشر سنوات من ظهور بداية الأعراض ظهور أخماج (تلوثات) نتيجة ضعف جهاز المناعة, وتعدد الخلايا اللمفاوية, تعرق ليلي مفرط, سعال جاف, حُمى عالية تستمر أسابيع, بحيث إذا ظهرت يبقى دور الطبيب دور الشاهد الذي يرى فصول الموت الأخيرة لا أكثر, من :اسهال مزمن, نقاط بيضاء أو جروح غريبة على اللسان وفي جوف الفم, تشوش, اضطراب الرؤية, آلام مبرحة ثم .... 
ينتشر فيروس الإيدز بواسطة الدم, واخلاط البدن, والعلاقات الجنسية المشبوهة, وكذلك يفعل فيروس إيبولا إلا أنه يستخدم استراتيجية أكثر دهاءً وعنفاً وتدميراً, إنه يضرب الجهاز المناعي بالقضاء على الكريات البيضاء الحارس الأمين, والشرطي المخلص فيمتطيها رغماً عنها, فيضرب ضربته فينسف البناء من داخله, فلا يترك جهازاً نبيلاً أو عضواً حساساً, إلا وأحرقه حرقاً أو فجره تفجيراً.
هل توقف الأمر على فيروسا إيبولا والإيدز؟ طبعاً لا ... بل ظهرت الجمرة الخبيثة 2001م, فيروس غرب النيل 2002م, السارس 2003م, انفلونزا الطيور 2005م, , فيروس إيكولي 2006م, انفلونزا الخنازير 2008م, فيروس زيكا 2016م, كورونا 2020م.
يقول البرفسور جان جاك مويمبي أحد مكتشفي فيروس إيبولا: "نحن الآن في عالم ستظهر فيه مسببات الأمراض الجديدة.. وهذا  يشكل تهديدا حقيقياً للبشرية", وقال الطبيب دادين بونكول الذي يعمل في مركز اينجيندا الخاص بمحاربة إيبولا: "يجب أن نخاف جميعاً، إيبولا لم يكن معروفاً. كوفيد19 غير معروف أيضاً. علينا أن نخاف من أمراض جديدة." وأضاف "إن الأمر لا يتعلق بفيلم خيال علمي. إنه خوف علمي مبني على حقائق علمية". وأضاف الطبيب بونكول: "تواجه البشرية عددًا غير معروف من الفيروسات الجديدة, والمميتة, الناشئة من الغابات الاستوائية المطيرة في أفريقيا". ويذكر أن العلماء البريطانيين  حذروا من أن السلالة الجديدة من فيروس كورونا التي تنتشر بسرعة في بريطانيا تحمل طفرات؛ قد تعني أن الأطفال معرضون  للإصابة بهذه السلالة مثل الكبار، خلافا للسلالات السابقة للفيروس.
ماذا نفعل, هل نستسلم؟ طبعاً لا ... فاللقاحات تُكتشف يوماً بعد يوم, والسيطرة على الفيروسات تشتد عاماً تلو الآخر, أي نعم, نحن العرب ليس لنا باع في ذلك طويل أم قصير, ولكن الإنسانية البشرية تعمل وبشكل مخيف وجبار للقضاء على الأمراض ومسبباتها, ولا تدخر جهداً في ذلك, رغم كل الشر المتواجد على الأرض, وكل التحالفات السياسية والاقتصادية المادية سينتصر الخير والحب والطب دوماً, فللباطل جولات وجولات وللحق جولة واحدة قاضية وحاسمة, فإذا كانت أيادي الشر طويلة فأيادي الخير أطول.