مشهد فلسطين بين صورتين واكثر

بي دي ان |

23 أغسطس 2022 الساعة 03:23م

صورة آلاف العمال الفلسطينيين الذين يعملون في اسرائيل وعبروا عن رفضهم واحتجاجهم على اتفاق أُبرم بين دولة الاحتلال الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية، يتم بموجبه تحويل رواتبهم عبر البنوك الفلسطينية، بدلا من استلامها مباشرة من مشغليهم.

صور الاحتجاج  تعبير عن عدم ثقة العمال بالسلطة، والتجارب السابقة تمنحهم الحق بالرفض، حتى لو  وعدتهم السلطة، واقسم رئيس الوزراء محمد اشتية وشدد قسمه بالقول أن الحكومه، لن تفرض  أي رسوم أو عمولات من قبل البنوك، وفي حال واجهت أي عامل مشاكل مع البنوك، فإن عليه التوجه إلى سلطة النقد الفلسطينية.

مخاوف العمال الفلسطينيون مشروعة،فالسلطة الفلسطينية تعاني من أزمة مالية  صعبة واصبح اعتمادها على الايرادات المحلية، والتجارب مع السلطة وحكومتها قاسية، ومن الذي سيعطي ضمانات للعمال والثقة معدومة بسلطة النقد واجراءاتها ضد تسجيل الجمعيات وغيرها من القرارات التي لم تستطع الحكومة التاثير عليها.

العمال يعتبرون القرار  مقدمة لاقتطاع أجزاء من رواتبهم، على غرار ما حدث مع  من اقتطاع رواتب الموظفين الحكوميين، والذين يتقاضون 80 ٪؜  من رواتبهم  منذ عدة شهور. 

الصورة الثانية وهي نقلاً  عن  وسائل الاعلام الاسرائيلية لمجموعة من الفلسطينيين من الخليل وبيت لحم، سافروا صباح أمس الاثنين  عبر مطار "رامون" الإسرائيلي جنوب صحراء النقب، باتجاه قبرص، ونشرت وسائل الاعلام الاسرائيلية الخبر بفرح كبير، والتي أكدت على أن سيكون هناك مزيد من الرحلات الجوية من رامون بدلاً من السفر عبر الأردن.

الصور قد تكون غير عادية لكن في مشهد فلسطيني بائس وعاجز  عن الفعل الوطني، وغياب السياسات الوطنية الجامعة في مواجهة سياسات الاحتلال الاسرائيلي العنصرية، فهي عادية، وكما يقال أن هناك معارضة شديدة من  رافضة من السلطة الفلسطينية. مع انه لم تصدر معارضة حقيقية من رأس الهرم.

قد تكون السلطة تعارض هذه الخطوة، لكن من الموقف المعلن ومعرفتي بالسلطة أفترض أنهم وافقوا من خلال القنوات الخلفية كما هي عادتها، من ناحية لا تستطيع السلطة مواجهة الاحتلال والتصدي لقرارته لانها اعتقد أن ذلك قد يكون مقدمة لتحرك سياسي، ومن الناحية الأخرى فهي  تستطيع التاثير على الفلسطينيين، في ظل قصورها وضعفها وعدم ثقة الفلسطينيين في توجهاتها وسياساتها البائسة.

منذ نحو شهرين تناقلت  وسائل الاعلام الاسرائيلية اخبار عن اجتماع  الرئيس الفلسطيني محمود عباس ووزير الأمن الاسرائيلي بيني غانتس في مدينة رام الله،  في السابع من يوليو/ تموز 2022، والتي تعتبر المصدر  الرئيسي لنقل اخبار الفلسطينيين وحرمانهم من حقهم في الحصول على المعلومات من مصادر رسمية فلسطينية،  والمشاركة في اتخاذ القرارات.  

ووفقا لوسائل الاعلام المذكورة، ان استخدام الفلسطينيين من الضفة الغربية لمطار رامون الإسرائيلي كان إحدى أهم النقاط التي طرحت في اللقاء الذي  جمع الرئيس عباس بـ  غانتس في مدينة رام الله.

وذكرت وسائل الاعلام الاسرائيلية ان الهدف من استخدام المطار من قبل الفلسطينيين هو جزء من اتفاق شبه سياسي بموجبه سيتنازل الفلسطينيون عن مساعيهم لمحاكمة إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية.

تعتبر  اسرائيل هذه الخطوة جزء من سلسلة خطوات تندرج تحت ما يسمى التسهيلات الاقتصادية أو  "النوايا الحسنة" الإسرائيلية في سياق إعادة "بناء الثقة" مع الفلسطينيين، دون أي ينطوي على أي قيمة سياسية.

جاء الحديث عن السماح للفلسطينيين من الضفة الغربية بالسفر  عبر  مطار رامون في ظل حالة جدل ونقاشات كثيرة في الشارع الفلسطيني، كونه يمس الحياة اليومية لمعظم سكان الضفة الغربية.

وبالتركيز في المشهد الفلسطيني وصوره البائسة المتعددة تحمل عناوين رئيسية للحال الذي وصل إليه الفلسطينيون، وهو  استمرار لسياسة السلطة الفلسطينية، ونتذكر جيدا منذ سنوات انسحاب السلطة الفلسطينية بفعل الاحتلال وتراجع دورها،  وأن فئة وازنة من  الفلسطينيين تعاطى مع السياسة الاسرائيلية بشكل إيجابي، دون وساطة الحكومة في رام الله، واصبح التواصل المباشر مع الادارة المدنية للاحتلال لتسهيل اوضاعهم الاقتصادية أو حاجاتهم الشخصية، أمر عادي وغير مدان.

السياسة الاسرائيلية واضحة وهي تعتقد انها الطريق لمًا يسمى السلام الاقتصادي والتي تجري وفق اهداف واغراض وتوصيات الاجهزة الامنية الاسرائيلية التي توصي من وقت لآخر بإجراء دراسة عميقة وطويلة الأجل، مع عدم اليقين بان هذه السياسة، قد  لا تقوي بالضرورة السلطة تجاه الفلسطينيين وتعيد الثقة فيها.

اسرائيل تبحث عن مصالحها، والسلطة الفلسطينية تتخذ القرارات غير المدروسة، كما حدث عندما جمدت السلطة العلاقة، مع دولة الاحتلال قبل عامين من دون استراتيجية وطنية لقطع العلاقة مع الاحتلال، ما دفع الفلسطينيين للتوجه لادارة المدنية لاستخراج تصاريح العمل مباشرة بدون واسطة السلطة.

هي ذات السياسة الممتدة منذ سنوات طويلة وتم ترسيخها بالعجز الفلسطيني واستغلالها من قبل دولة الاحتلال التي عملت على اتباع هذه السياسة ، بادعاء تحسين الاوضاع الاقتصادية في الضفة الغربية التي تهدف  إلى تحقيق الاستقرار  وانعكاس ذلك على دولة الاحتلال التي بذلت جهد في تعميقه . 

هذا الوضع المريح للاحتلال للمساهمة في تهدئة  الأوضاع الأمنية في الضفة، بالتوازي مع قمع اي محاولة للمقاومة بالقتل والاعتقالات اليومية.

من المشكوك فيه أن تتخذ السلطة اجراءات جدية، في مواجهة هذه الفوضى وفقدان الثقة وستظل الصورة العامة سوداوية، وانتظار مساعدة اسرائيل وفق اهدافها المحددة بذريعة تقوية السلطة الفلسطينية.