تقرير: وراء كل حرب.. حكاياتٌ دامية (صور)

بي دي ان |

09 أغسطس 2022 الساعة 02:02ص

حكاياتٌ تعددت أمكنتها وأزمنتها، حكاياتُ أناس جعلت منهم الحرب قصصًا خالدة، والله يدري إن لم تكن حربًا من يسمع بهم، موسمٌ جديدٌمن الحزن والفقد، وغصّةٌ وحزنٌ كبير، يكتنفُ قلوب الفلسطينيين، بعد توقف القصف وعودة الهدوء إلى شوارع غزة، فألم الفراق ووجعه يسكن نفوسهم بعد أن فقدوا أحباباً لهم في قصص وداع مؤثرة.

فلكل حكاية من هذه الحكايات مأساة ووجه يدمي الفؤاد ويستدر الدمع، لكن النهاية واحدة.

فرحةٌ ختامها الاستشهاد..


ربما لم يمر على عبير عمر محمد حرب يوم أكثر فرحاً وغبطةً واستبشاراً من يومها الذي أصبحت فيه خطيبة الشاب إسماعيل عبد الحميددويك، الذي ارتقى إثر قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلا بمخيم الشعوت برفح جنوبي قطاع غزة، فقد كانت عبير رفيقة دربه،والفرحة تغمر روحها المفعمة بالأشواق إليه لتكون عروسه ولكن صاروخ إسرائيلي قضى على فرحتها وحول العرس إلى مأتم.
 
يقول والدها الدكتور عمر محمد حرب، وهو يحتضن ابنته وقد غلبت دموعه صوته "بنتي عروس يا ناس لسه.. بنتي فقدت حياتها بالمعنى الكامل"، مضيفاً "نحن أمام هذا العالم الذي يتفرج على جراحنا لا يسعنا إلا أن نقول: تفرجوا ما شئتم".
 
وكتب شقيق الشهيد في منشور على فيسبوك "نعم الرجال أنت يا إسماعيل، لم تترك والدتك، أبيت إلا أن تحتضنها كما حضنتك في ولادتك، لله درك يا فتى ! لله درك يا حبيبي ! طابت لك الشهادة واستحققتها بشرف كبير".
 
وأفاد آخرون بأن الشهيد إسماعيل يعمل في محل لبيع البهارات وأدوات التنظيف في سوق بمخيم رفح، وعُقد قرانه على خطيبته عبير منتصف يونيو/حزيران الماضي.
 
واستشهد الشاب إسماعيل عبد الحميد دويك، ووالدته هناء عقب قصف الاحتلال الإسرائيلي منزلهما في مخيم الشعوت برفح جنوب قطاع غزة.

فقدٌ وألم..


أما زوجة الشهيد شادي نمر عماد كحيل"27 عامًا" الذي استشهد برفقة حصانه. بصواريخٍ إسرائيلية في غزة، لم تحتمل الوقوف على قدميها، عند تلقي خبر استشهاد زوجها، لتدخل في موجة من البكاء والعويل وهي تقبل جبين طفلها الصغير زين وطفلتها ريتاج تارة، وتحتضن جسدهم الصغير تارة أخرى، وسط أنين النسوة اللائي جئن ليشددن من أزرها.

 وارتقى الشهيد شادي كحيل برفقة حصانه وصديقه الشهيد خالد ياسين، إثر قصف إسرائيلي وسط مدينة غزة.

لوعة فراق..


  لم يكن خليل أبو حماده مجرد رقم في عداد الشهداء،  خليل الذي اختطفته نيران صواريخ الاحتلال، كان وحيداً لعائلته، انتظرته عائلته 13 عاما بعد زواج أمه من أبيه، وخرج إلى الحياة بعد 5 عمليات زراعة، وخلال سنوات حياته، كانت أمه تغمره بحنان أم الولد الوحيد، الذي لم يأت صدفة، ولم يزدحم مقعده في البيت بالأشقاء.

 كان أبواه يترقبان يوم زواجه، لكن الموت كان أسرع إليه من خطوات الفرح به.

 وتزداد لوعة الفراق لدى أمه وهي تقلب بعض مقتنياتهُ، ثيابه، وصوره وتغريداته على التوتير، التي زينها ببعض كلماته، كان من آخرها تهنئة لأمه بعد تخرجها من الجامعة، وستبقى هذه الذكريات في دفاتر الحزن، ستبقى في آلاف الصورالتي جمعتهما، تكاد أمه لا تصدق أنها لنتراه مجدداً، وهو الذي ظل يرافقها 13 سنة، ثم غادرها بلا وداع في رحلة بلا عودة

. بأي ذنب قتلوا؟!

 فقط في غزة لكل واحد يوميات مفعمة بالألم بين لهب نازل من السماء وصمود راسخ في الأرض.

أحمد ومؤمن النيرب، عصفوران يملآن بيتهما تغريداً ومرحاً، وما إن غابوا عنه يفقد البيت بريقه وراحته بل وسعادته، فهم بشغب طفولتهم على موعد دائماً مع أبيهم. 

فجأةً وبدون سابق إنذار، قُتِل بريق بيتهم وزرعت نار الحزن بين زواياه، بعد أن سرقتهم صواريخ إسرائيل -المولعة بأكبادهم - وفقد والدهم ضحكاتهم، وبعثرت قبلات الحب التي كان تورد خدودهما البريئة.

 والد أحمد ومؤمن ظل متشبثا بحافة النعش الذي يضمهم فهم نائمين في غفوة الموت بعد أن سرقتهما نيران الاحتلال من صخب الطفولة والشغب البريء، وأدى الصلاة عليهما مئات الفلسطينيين الذين هتفوا بالتكبير، المفعم بالغضب، قبل أن يواروا الصغيرين في الثرى.

 فمن وسط هذه الأجواء التي خيَّم عليها الحزن بقوة، شيع جثماني الطفليْن الشقيقيْن أحمد ومؤمن النيرب، اللذين استشهدا في قصف إسرائيلي استهدف مجموعة من المواطنين قرب مسجد عماد عقل في معسكر جباليا، شمالي قطاع غزة.

سبابة التوحيد وبراءة الاستشهاد..


 أحمد عفانة، كان واقفاً ومن حوله أماكن تضج بالألم، ورائحة دماء الأطفال تفوح في الأنحاء، ودموع الأحباب من حوله لم تجف بعد، وآثار الدمار توجع القلوب، 

وقلوب شاخت من الحزن، وحس المسؤولية المغموسة بقلبه تجاه جيرانه تحاول أن تنقذ من هم منهم تحت ركام المنزل الذي هدمه القصف الاسرائيلي على رؤوسهم، لينتهي به المطاف ويصبح أحد ضحايا هذا القصف ورقمًا في عداد الموت الذي يوزعه العدوان على أجساد الغزاويين بسخاء لا حدود له.

وبين لحظة وأخرى، سقطت قذيفة صاروخ اسرائيلي مفعم بالحقد واللهب على أحمد، رافعاً السبابة، فسبابته ظلت ممتدة إلى السماء بعنوان توحيد وبراءة استشهاد.

للموت مشهد آخر هنا..


 وللموت مع آلاء الطهراوي مشهد آخر، فهي فتاة في عمر الزهور، وزهرة غزاوية ناضرة، بل هي قطعة من الجمال، حُولت إلى أشلاء ممزقة، جُمعت في كفن، ونُقلت إلى حيث لا يفزعها بعد ذلك رصاص ولا قاذفات إسرائيلية.

 جرح عائلة الطهراوي لم يقتصر على والدي آلاء بل إن حسام الطهراوي، الذي شهد تطاير قطع من جسد ابنة شقيقته آلاء، ولأن حجممأساته كانت أكبر من الصبر، اختار أن يغيب عن مشهد تشييع آلاء، فالألم كان أكبر من التحمل، وكتب على جدارية حسابه على الفيسبوك" قلت لهم والكلمات صعبة جدا علي قبل أن تكون عليهم: إننا لن نحضر الجثمان للبيت. ومع كل الاتصالات، رفضت الفكرة نهائيا؛ لأنني كنت موجودا في المكان حين انتشال الجثمان، وأعرف التفاصيل أكثر من غيري، فعند خروجنا من المستشفى كانت تصلنا أشلاء من جسدها".

 والشهيده آلاء الطهراوي، هي أم لطفل خرج من المنزل للشراء من الدكان، حينها قلقت عليه فأرسلت زوجها ليحضره، ماهي إلا لحظات وقصفت الطائرات حي الشعوت في رفح بوابل من المقذوفات فتنهار عدة أبنية، وتصبح آلاء أشلاءً تحت الركام وينجو الطفل ووالده.

ما بين موكب الفرح، وسرادق العزاء.


  أنعام أبو قايدة ذات الـ62 ربيعاً، خارجة برفقة ابنها لأخذ عروسه، باغتها صاروخ إسرائيلي قضى على فرحتها بعد أن نزل نجلها من الموكب المحمل بالفرح، فنيران الصاروخ طوى ثوب الفرح، ولف جسدها بأكفان الشهادة، في عرس آخر من أعراس فلسطين، 

 وأطفأ الاحتلال فرحة نجلها العريس، باستشهادها في قصف صاروخي طال السيارة في بيت حانون شمال قطاع غزة.