آفاق الحزب الأميركي الجديد

بي دي ان |

01 أغسطس 2022 الساعة 12:28ص

التجربة الأميركية الحزبية تشبه الى حد بعيد تجربة البلدان الاشتراكية المقتصرة على حزب واحد مع حزب او حزبين هامشيين، لا لون ولا رائحة ولا تأثير لهما في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. ورغم ذلك فهي مختلفة في الجوهر عن الأحزاب الأميركية، ومن خلفها الأحزاب الصهيونية. لان تجربة النظام الحزبي في الولايات المتحدة أكثر بؤسا، وتخلفا. كون الحزبين الأساسيين الجمهوري والديمقراطي المتداولان على قيادة السلطة عبر العملية الانتخابية الدورية، تستند إلى عضوية حزبية شكلية، ومحكومة بالمصالح الخاصة، بحكم الأيديولوجية البرجوازية الحاملة لتوجهاتهم ولان الغالبية العظمى من اعضائهما المقررين في رسم سياساتها من نسيج اجتماعي وثقافي وفكري متجانس، والفواصل الهامشية بينهما محدودة.
ويمكن إيجاد مقاربة سريعة بين عضويتهما وعضوية الأحزاب الصهيونية في إسرائيل، التي انبثقت من جذر أيديولوجي استعماري واحد، وتحكمها منظومة لا أخلاقية متطابقة، وما يشاع عن مسميات وتصنيفات بين اليمين ونصف اليمين والوسط وما يسمى ب"اليسار" ليست سوى أكاذيب وترف سياسي فائض، لان الناظم لها جميعها النظرية الصهيونية العنصرية الرجعية الصرفة، الداعية والعاملة على بقاء وتأبيد الاستعمار الإسرائيلي على انقاض نكبة وتبديد مصالح وحقوق الشعب العربي الفلسطيني، واما التباينات وهي موجودة، فهي شكلية وغير ثابته، ويمكن تغييرها بسهولة.
والنتيجة لاوجه الشبه بين الحزبين الاميركيين والأحزاب الصهيونية تسمح لاعضاء تلك الأحزاب الانتقال السلس من حزب لاخر، وفي إسرائيل الاستعمارية يمكن الانقلاب على قيادة الحزب وتأسيس حزب جديد من خليط من مجموع الأحزاب بمقدار ما يحقق المصالح النفعية للاشخاص المنضوين في اطاره.
ومن نتائج عمليات التطهير المكارثية الرأسمالية المتوحشة في خمسينيات القرن الماضي، ليس القضاء على الشيوعيين فقط، انما نفي إمكانية وجود أحزاب، وحتى الأحزاب الموجودة، واكبرها ثالثا في اميركا، هو الحزب الليبرتاري من ثمانينات القرن العشرين، وغيره مثل الأحزاب: الدستوري والاخضر والليبرالي، وجميعها أحزاب شكلية، لا تأثير ولا حضور لها بالمعنى الدقيق للكلمة، وتظهر بين الفينة والأخرى في الانتخابات المحلية في بعض الولايات. وبالتالي المنظومة الحزبية محصورة في الحزبين المركزيين.
مجددا تنادى عدد من المسؤولين الجمهوريين والديمقراطيين السابقين يوم الأربعاء الماضي الموافق 27/7 الحالي بهدف الإعلان عن حزب ثالث جديد باسم "الى الامام" (فور وارد) واستقطاب الملايين من جمهور الناخبين المستائين من نظام الحزبين، ومن سياسات وصراعات القيادات الديمقراطية والجمهورية، التي عكست هبوطا وضعفا كبيرا على اكثر من مستوى وصعيد، ويرون ان النظام الحزبي السائد مختل ومتهافت، ويعاني من تراجع وترهل بائن.
ووفق المعطيات المعلنة، فإن المرشح الديمقراطي السابق للرئاسة، اندرو يانج وكريستين تود ويتمان، الحاكمة الجمهورية السابقة لولاية نيوجرسي سيتوليان رئاسة الحزب، ويامل عددا من الأعضاء المؤسسين في ان يصبح حزبهم الناشئ بديلا مقررا عن الحزبين المهيمنين على السياسة الأميركية. حسب وكالة "رويترز". هذا وسيعقد الحزب سلسلة من الأنشطة والفعاليات في اكثر من عشرين مدينة في الخريف القادم لاطلاق برنامجه، وأيضا لاستقطاب وجذب قطاعات جديدة من الناخبين. وسيتم الإعلان الرسمي عن الحزب في هيوستن يوم 24 أيلول / سبتمبر القادم، وسيعقد اول مؤتمر وطني للحزب في احدى المدن الأميركية الكبيرة صيف عام 2023.
ويتركب حزب "الى الامام" من ثلاث مجموعات سياسية من رحم الحزبين ذاتهما (الجمهوري والديمقراطي) تبلورت في السنوات الأخيرة نتاج الاستياء والرفض لسياسات الحزبين، اللذين يتجها اكثر فاكثر نحو الانغلاق والاستقطاب الاعمى. والتيارات الثلاثة هي حركة "تجديد اميركا" (رينيو اميركا)، التي أسسها عام 2021 عشرات المسؤولين السابقين في الإدارات الجمهورية السابقة لرونالد ريغان وجورج بوش الاب والابن ودونالد ترامب، والتيار الثاني "الى الامام" الذي اسسه يانج، بعدما ترك الحزب الديمقراطي واصبح مستقلا في العام 2021، والتيار الثالث "خدمة اميركا" (سيرف اميركا)، وهي مجموعة من الحزبين المركزيين والمستقلين، أسسها عضو الكونغرس الجمهوري السابق ديفيد جولي. ويسعى الحزب الى التسجيل الرسمي وخوض الانتخابات أولا في 30 ولاية بحلول نهاية العام 2023، وفي جميع الولايات الخمسين بحلول أواخر العام 2024، أي في الوقت المناسب لاجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية النصفية
وبرنامج الحزب يرتكز على الاسس التالية: أولا تنشيط اقتصاد عادل ومزدهر، ثانيا إعطاء الاميركيين المزيد من الخيارات، والمزيد من الثقة في الحكومة، ثالثا توسيع دائرة السيناريوهات والرؤى في مستقبل الأجيال القادمة.
ويراهن المؤسسون للحزب الجديد على اكثر من بعد في نجاح حزبهم الأول رهانهم على استطلاعات الرأي، التي تظهر تراجعا واضحا في مكانة المرشحين للرئاسة، والثاني نتاج اتساع دائرة الإحباط في صفوف الشعب الأميركي من السياسيات المنتهجة من قيادات الحزبين الجمهوري والديمقراطي، والثالث تراجع مكانة الولايات المتحدة دوليا، وانكفاءها للخلف كقطب من الأقطاب المتعددة، والرابع احتدام الازمات الاقتصادية ونتاج صعود نسبة الركود، واضمحلال دور الدولار الأميركي عالميا. فضلا عن عوامل إضافية كتصاعد العنصرية البيضاء، وتراجع مساحة الدمقراطية الداخلية، واحتمالية تمرد بعض الولايات وخروجها من حاضنة النظام الفيدرالي ... ألخ
واي كانت الأسباب، هل يمكن الرهان على ارتقاء الحزب الجديد لمكانة الصدارة كمنافس ثالث؟ وهل يحمل حزب الى الامام جديدا فكريا او اقتصاديا او اجتماعيا، ام انه سيعيد انتاج ما هو منتج وقائم في السوق السياسي الأميركي؟ النتيجة التي اعتقدها، ان الحزب الجديد لن يكون حظه اوفر من حظوظ الأحزاب الهامشية المذكورة سابقا، حتى لو حصل تطور دراماتيكي أميركي لن يكون نصيب الحزب افضل من الأحزاب الهامشية. لان الجماهير الأميركية بحاجة ماسة لأحزاب من طراز جديد اكثر تمثيلا لها ولمصالحها اليومية والاستراتيجية على الصعد والمستويات المختلفة. وقادم الأيام هو وحده الكفيل بالاجابة القاطعة بالإيجاب او السلب للاستنتاج آنف الذكر.