إسرائيل وسياسة الأرض المحروقة

بي دي ان |

24 يوليو 2022 الساعة 11:56م

سابدأ مقالتي ببعض الأسئلة الاستنكارية لاعمال العقل السياسي عند كل ذي بصيرة. هل فاجأئنا دولة إسرائيل الاستعمارية بجرائم حربها؟ هل اقنعت دولة المشروع الصهيوني يوما فلسطينيا او عربيا او امميا مؤمنا بالسلام والعدالة، بانها معنية باي خطة او مشروع سلام مهما كان اسمه وعنوانه وتفاصيله؟ وهل تقبل واقعيا الشراكة مع الفلسطينيين كند لبناء جسور السلام، ام تريدهم عبيدا ومأجورين وخدم عندها، وعند اسيادها في دول الغرب الرأسمالي بقيادة الولايات المتحدة؟ وهل زيارات ولقاءات جنرالاتها ووزرائها وقادتها من مختلف المستويات مع القيادات الفلسطينية والعربية تحمل اية دلالة سياسية او قانونية لفتح، مجرد فتح افق للسلام، ام يعملون للتسويف والمماطلة والضحك على الدقون، وتقديم المسكنات والابر المخدرة لاستكمال المشروع الكولونيالي على كل الأرض الفلسطينية، وإقامة دولة "إسرائيل الكاملة" وفقا لشعار الحركة الصهيونية الأساس "ارض بلا شعب، لشعب بلا ارض"، والذي تمت المصادقة عليه عبر قانون "أساس الدولة اليهودية" في تموز / يوليو 2018، واطلاق الرئيس الأميركي، دونالد ترامب صفقة القرن، التي بدأ تنفيذها في السادس من كانون اول/ ديسمبر 2017 عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وما تلا ذلك من انتهاكات لتكريس عناوين تلك الصفقة المشؤومة، والاعلان الرسمي عنها في نهاية كانون ثاني / يناير 2020 ومازالت إدارة الرئيس جو بايدن تطبق على الأرض عناوين تلك الصفقة.
واستمرار لتلك السياسية والمخططات الاجرامية، ومع حلول الذكرى المئوية لصك الانتداب على فلسطين فجر امس الاحد الموافق 24 تموز / يوليو الحالي قامت قوات خاصة كبيرة من الجيش الإسرائيلي باقتحام مدينة جبل النار، نابلس واطلاق الصواريخ والقنابل على المواطنين الامنين في بيوتهم في حي الياسمينة في البلدة القديمة فجرا مما أدى الى استشهاد الشابين محمد بشار العزيزي (25 عاما) وعبد الرحمن جمال صبح (28 عاما) واصابة عشرة اخرين، بينها إصابات خطيرة. وهي المرة الأولى منذ عقدين تقريبا التي تستخدم فيها تلك العصابات الصهيونية الاجرامية الصواريخ التي أحدثت دمارا وتخريبا واسعا في بيوت الحي، واصابت الأطفال والنساء والشيوخ بحالات الخوف والهلع.
لم تكن عملية الاقتحام الاجرامية الإسرائيلية لمدينة نابلس والحي القديم سهلة، ولا عابرة، انما استغرقت عملياتها الوحشية وقتا طويلا، رغم ان قواتها الخاصة وصلت للمربع المستهدف في حي الياسمينة خلسة، وعبر عملية تمويه، ثم دفعت بقوات عصاباتها والياتها العسكرية بعد فشل تحقيق أهدافها في القضاء على المجموعة المستهدف، نتيجة انكشافها، وافتضاح امرها، الامر الذي استدعى مواصلة المعركة لثلاث ساعات ونصف. ونتيجة فشلها في تحقيق هدفها في عملية خاطفة وسريعة، وسقوط خسائر في صفوفها، دفعها لاستخدام الصواريخ لقصف البيت المراد والبيوت المجاورة له.
وادعاء الجيش الإسرائيلي القاتل، ان قواته نفذت جريمة حربها دون خسائر، هو ادعاء كاذب، ولا يمت للحقيقة بصلة. ولو كان الامر كذلك، كان يفترض ان تحقق تلك القوة المقتحمة للبلدة القديمة هدفها بسرعة وتنسحب. لكنها وقعت في شر اعمالها، حيث تصدى شباب الحي لتك القوة، وقاوموها بما امتلكوا من الأسلحة المتواضعة والبسيطة، ومنعوهم من الاقتراب طيلة زمن العملية الاجرامية، ولم تحقق كل أهدافها. وان كانت أدت عمليتها لاستشهاد الشابين محمد وعبود.
وتعقيبا على العملية الاجرامية، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي، يئير لبيد صباح امس الاحد، اثناء انعقاد جلسة حكومة الموت، ان حكومته "لن تقف مكتوفة الايدي، ولن تنتظر إصابة وتعرض الإسرائيليين للاذى، بل ستبادر وتؤذيهم في منازلهم." وزعم الصهيوني المجرم لبيد، أن "هؤلاء هم "الارهابيون" الذين نفذوا سلسلة عمليات اطلاق نار". ورفض الإقرار بالحقيقة الساطعة، والاعتراف بان عصابات جيشه المجرم، ومؤسساته الأمنية وقطعان المستعمرين وكل منظومته السياسية والقانونية والعسكرية والدينية والتربوية الثقافية تقوم عن سابق تصميم وإصرار على مواصلة جرائم الحرب اليومية ضد أبناء الشعب العربي الفلسطيني في مختلف ارجاء الوطن الفلسطيني لتأبيد استعمارها الاستيطاني الاحلالي والاجلائي على انقاض مصالح وحقوق الشعب صاحب الأرض والتاريخ والجغرافيا وصولا لهدف التطهير العرقي، ولتصفية عملية السلام جملة وتفصيلا.
ومن اهم دروس عملية صك الانتداب في ذكراه المائة الاجرامية، ان الدولة الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون ارادت اشعال الأرض الفلسطينية، وانتهاج سياسة الأرض المحروقة لقطع الطريق على أي بارقة امل لفتح قوس الانفراج امام عربة السلام وخيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران عام 1967، وضمان عودة اللاجئين على أساس القرار الدولي 194، والمساواة لابناء الشعب في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة. الامر الذي يتطلب من اقطاب العالم والأمم المتحدة العمل بسرعة لتأمين الحماية الدولية لابناء الشعب العربي الفلسطيني، وفرض العقوبات على الدولة الاستعمارية والمعادية للسلام، والزامها بدفع استحقاقات التسوية السياسية الممكنة والمقبولة، والتي لا تريد معجزات السيد المسيح عليه السلام، ولا تتطلب اكثر من ارتقاء الإرادة الدولية لتحقيق وترجمة قرارات الشرعية الدولية وفق الفصل السابع لمجلس الامن الدولي، التي تجاوز عددها ال800 قرار من العام 1947 وحتى اليوم، والعمل على الغاء صك الانتداب، والاعتذار للشعب العربي الفلسطيني عن كل النكبات التي تعرض لها عبر ما يزيد على 150 عاما الماضية منذ إقامة اول مستعمرة في فلسطين في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والسابقة على مؤتمر بازل بسويسرا 1897.
وعلى الشعب الفلسطيني تصعيد المقاومة الشعبية، وترتيب شؤون البيت الفلسطيني، وتعزيز الشراكة السياسية، والارتقاء بمكانة منظمة التحرير، وتفعيل مؤسساتها المختلفة، وطي صفحة الانقلاب الأسود للرد على جرائم إسرائيل، وملاحقة قادة دولة الابرتهايد في محكمة الجنائية الدولية ومنابر الأمم المتحدة المختلفة وخاصة في مجلس الامن، رغم وجود الفيتو الأميركي والبريطاني، والعمل على تطبيق قرارات المجلسين الوطني والمركزي. لانه لم يعد على العين الفلسطينية قذى.
[email protected]
[email protected]