لقاء ماكرون وجارة القمر.. الرمزية والمعانى

بي دي ان |

02 سبتمبر 2020 الساعة 01:00م

لم يتجه موكب ماكرون عند وصوله إلى لبنان من مطار رفيق الحريرى إلى قصر بعبده حيث رمز السيادة والاستقلال اللبناني كما هو مفترض البيت الجامع للبنانيين، ولكنه بدأ زيارته للسيدة فيروز رمز الأغنية والموسيقى الراقية. وتحمل زيارة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إلى لبنان فى طياتها الكثير من المعانى والرمزية الواضحة، بداية من التوقيت المفعم بالمعانى والرمزية؛ والذى يصادف الأول من سبتمبر الذكرى المئوية لاقتطاع سلطات الانتداب الفرنسى لسهل البقاع وجبال لبنان الشرقية والمدن الساحلية من متصرفية سوريا فى حينه لتضم إلى متصرفية لبنان؛ وتتحول إلى دولة لبنان التى نعرفها اليوم. وكذلك للرمزية العميقة التي يمكن رؤيتها فى الفسيفساء اللبنانية بالنسبة للرئيس الفرنسى وللكثيرين. ومن الواضح أن هذه البنية الاجتماعية الفسيفسائية قد ساهمت بشكل كبير فى رسم معالم التاريخ اللبنانى لقرن من الزمن؛ ولم تستطع تلك الفسيفساء رسم لوحة متوافقة يمكن للناظر لها إطلاق تسمية موحدة لها. 

وكما نعلم لقد أنشأ الانتداب الفرنسى لبنان ضمن خارطة تقسيم سايكس وبيكو للمنطقة طبقا لمصالح الانتداب الفرنسى وبالتوافق مع القوى الامبرطورية البريطانية فى حينه؛ ولبنان وعلى صغر مساحتها وقلة سكانها تضم مزيجا من الاختلافات الطائفية؛ فما يقارب ثمانية عشر طائفة فى لبنان؛ ولم يكن تاريخ التعايش فيما بينها مفعما بالسلم الأهلى طوال الوقت.  

وبكل ما تمثله السيدة فيروز من قيمة ثقافية وفنية للبنان وللعالم بأسره. ولكن فرنسا اليوم تنبرى فازعة بأعلى مستوياتها السياسية لتتلقف مجددا ابنتها لبنان بكل الحنين فى استجابة سريعة لأصوات لبنانية مثقفة طالبت بعودة الانتداب الفرنسى مجددا فى ظل الفشل الذريع الذى أوصل الساسة اللبنانيون البلاد له. وهذا يأتي بعد قرن من إقامة لبنان والتي تقبع فى آخر الدول ذات الاقتصادات الموشكة على الانهيار بدين عام يقارب المائة مليار دولار؛ وهو رقم يمثل ضعف الناتج المحلى السنوى للبلاد حتى أنها لم تستطع خلال الأشهر الأخيرة سداد أى دفعات من ديونها المجدولة بفعل الأزمة الحالية التى تعصف بما تبقى من الدولة اللبنانية بعدما فشلت المباحثات مع صندوق النقد الدولى لانعاش الاقتصاد اللبنانى الشهر الماضى، ومع استعصاء الحلول الدولية فى ظل الأزمة الاقتصادية العالمية بفعل جائحة كورونا وانشغال العالم كلٌ بشأنه وأزماته؛ والحقيقة الماثلة اليوم وفى ظل الواقع الراهن أن إخراج لبنان من أزمته الاقتصادية المستعصية إلى بر الأمان يستلزم أن تكون لبنان تحت الوصاية الاقتصادية لما لا يقل عن عقد من الزمن. 

والسؤال الموجه اليوم ... هل مثلت لبنان لقرن من الزمن وطنا حقيقيا للبنانيين؟ وهل كان اللبنانى مواطنا فى لبنان؟ للاجابة على هذا السؤال علينا أن نعيد قراءة أرقام المهاجرين اللبنانيين فى كافة أصقاع العالم لنكتشف أن عددهم يفوق عدد اللبنانيين المقيمين فى لبنان بضعفين. فلقد غادر الشعب وطنه تماما كما غادر أهل الضيعة ضيعتهم ليتركوها للمختار المتسلط الفاسد فى أحد مسرحيات الرحابنة؛ التى كانت ظلتها فيروز.  

وفى النهاية .. أجمل ما حدث اليوم هو أن تمكن عشاق أيقونة الغناء العربى السيدة فيروز من رؤيتها والاطمئنان عليها بعد الاشاعات التى راجت خلال الأسبوعين الماضيين عن تدهور فى حالتها الصحية .. وبنحبك فيروزة لبنان. 

أستاذة علوم سياسية وعلاقات دولية