الملف الفلسطيني ليس أولوية

بي دي ان |

13 يوليو 2022 الساعة 11:55م

تأخرت كثيرا زيارة الرئيس جو بايدن للمنطقة، ليس هذا فحسب، بل ان الإدارة الديمقراطية جاءت وهي تحمل الضغينة ضد عدد من زعماء المنطقة إسرائيليين وعرب، ومع ذلك وبحكم العلاقات الاستراتيجية مع الدولة الكولونيالية الصهيونية تواصل بايدن منذ اللحظة الأولى مع رئيس الوزراء آنذاك، ينيامين نتنياهو اكثر من مرة، في حين اهمل كليا القيادات العربية بما فيهم القيادة الفلسطينية، التي كان من المفترض ان يوليها الاهتمام الزائد. لانها قطعت علاقاتها مع إدارة سلفه دونالد ترامب. بيد ان الذكاء والفطنة خانته، كما يبدو من كل تجربة رئاسته خلال ال19 شهرا الماضية.
لكنه أخيرا وفي اعقاب التطورات الدراماتيكية للحرب في أوكرانيا، وعودة صعود مكانة النفط والغاز لصدارة الأولويات العالمية عاد الرئيس وادارته لتجسير الهوة مع زعماء الاعتدال في المنظومة الرسمية العربية. ولهذا قرر زيارة المنطقة ولقاء ابرز زعماء الاعتدال العرب لتحقيق اكثر من هدف، ليس من بينها هدف التسوية السياسية بين فلسطين وإسرائيل.  ودشنها امس الأربعاء الموافق 13 تموز / يوليو الحالي بزيارة لإسرائيل تستغرق يومين، ثم يمر مرور الكرام على فلسطين المحتلة في ثلاث محطات سريعة وخاطفة، وكأن زيارته لاراضي دولة فلسطين جاءت لرفع العتب، وبحكم الجغرافيا، وليس الجيو بوليتك. وتبدأ يوم الجمعة بزيارة احد مستشفيات القدس، وبعد ذلك يلتقي الرئيس أبو مازن لمدة لا تزيد عن 45 دقيقة، وينهي زيارته لكنيسة المهد، وكل زمن الزيارة لاراضي فلسطين المحتلة لا تزيد عن ثلاث ساعات، ثم يتجه إلى المملكة السعودية للقاء الملك سلمان وولي عهده محمد بن سلمان، ويلتقي فيها زعماء مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن لمناقشة ملفات استراتيجية تتعلق بالمنظومة الأمنية الدفاعية العربية وعلاقتها بدولة الاستعمار الإسرائيلية
عادة لا ينظر للاحداث الهامة بطول او قصر الوقت، الا ان هذا المؤشر يعكس اهتماما او عدم اهتمام ارتباطا بالوقت الممنوح للقوى ذات التماس بمسألة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، ومحتوى برنامج زيارة الرئيس الأميركي، لهذا فإن زمن الوقت بالغ الأهمية في الزيارة الرئاسية الأولى للمنطقة، وقد تكون الأخيرة، ان قيض للرئيس البقاء في البيت الأبيض.
ومن المآخذ على برنامج الزيارة مما تناثر من مواقف وتصريحات سبقت ورافقت الزيارة، أولا اصدار بيان أميركي إسرائيلي بعنوان "بيان القدس" لترسيخ التعاون الأمني الثنائي بين البلدين، بالإضافة للملف النووي الإيراني، ودفع التطبيع الاستسلامي مع الدول العربية، وخاصة الضغط على العربية السعودية للانخراط بعملية التطبيع المجانية مع دولة الاستعمار الإسرائيلية، والتخلي عن محددات مبادرة السلام العربية، التي تبنتها المملكة وصادقت عليها قمة بيروت 2002. وهذا في حد ذاته مخل بمعادلة السلام الفلسطينية الإسرائيلية، ويعكس اقرارا اميركيا واضحا بأن القدس "عاصمة" لدولة إسرائيل، ويتناقض مع ملفات العملية السياسية الأساسية الستة، ومن ابرزها القدس العاصمة الفلسطينية.
ورغم انه صرح في اعقاب وصوله (بايدن) لمطار اللد (بن غوريون) انه سيتم مناقشة الدعم المستمر لحل الدولتين والسلام، وعدم تكرار أخطاء الماضي. بيد انه لم يشر كيف سيذلل العقبات، وهو القادم بالأساس لتعزيز مكانة إسرائيل في الإقليم ككل، وفي الخارطة السياسية الإسرائيلية في مواجهة زعيم المعارضة نتنياهو، ويرفض من حيث المبدأ الضغط على حكومة تسيير الاعمال برئاسة لبيد، لا بل يريد تقويتها وتعزيز مكانتها بالدعم المالي والعسكري والإقليمي. وبالتالي الحديث عن السلام شكلي، وبلا رصيد، كون الإدارة لا تملك رؤية واضحة ومحددة لتطبيق خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967، وليس لديها النية للخوض في هذا الملف عشية الانتخابات النصفية في نوفمبر القادم.
وعلى صعيد اخر، كان جاك سوليفان، مستشار الامن القومي الأميركي، صرح وهو على الطائرة الرئاسية متجها لإسرائيل يوم امس الأربعاء، ان البيت الأبيض يريد قنصلية أميركية للفلسطينيين في القدس الشرقية، ولكن هذا الامر مازال قيد البحث والحوار. بتعبير آخر، لن تفي الإدارة بتعهدها في هذا الشأن. ومع ذلك رفضت الإدارة تصريحه، مما دفع الناطق باسم البيت الأبيض، جون كيربي لتخطئة سوليفان، واعلن "ان مستشار الامن القومي اخطأ الأربعاء حين قال للصحفيين، ان الولايات المتحدة تريد إقامة قنصلية للفلسطينيين بالقدس الشرقية. وأوضح كيربي، انه لا تغيير في السياسة الأميركية المتمثلة في إعادة فتح قنصليتها للفلسطينيين في غرب المدينة، وليس في القدس الشرقية. لان الإدارة تخشى ان يفسر ذلك على انه إقرار بالعاصمة الفلسطينية في القدس الشرقية، مما يثير زوبعة وأزمة بين الإدارة والحكومة الإسرائيلية، وبالتالي يعطي أيضا زعيم المعارضة سلاحا لاستخدامه في مواجهة حكومة لبيد.
اضف الى ان لبيد، رئيس الحكومة اعلن بشكل واضح الملفات الأساسية لزيارة بايدن للمنطقة، عندما صرح في مطار اللد، انه سيتم مناقشة هيكل أمني واقتصادي جديد مع دول الشرق الأوسط بعد اتفاقيات التطبيع (المجانية). مضيفا سنناقش ضرورة تجديد تحالف عالمي قوي يوقف البرنامج النووي الإيراني. بحسب موقع "عكا" للشؤون الإسرائيلية امس الأربعاء. وبالتالي لا احد ينتظر من زيارة الرئيس الديمقراطي أي خطوة عملية مهما كانت بسيطة على صعيد التسوية.
اذا لا مكان للملف الفلسطيني الا بالثرثرة الإعلامية، وان ذكر في البيان او التصريحات، فان وروده لذر الرماد في العيون الفلسطينية، كونه لا يحمل أي دلالة سياسية جدية. الامر الذي يتطلب اتخاذ ما يلزم من الهيئات القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية لاعادة الاعتبار للقضية واولوياتها، وبيد المنظمة أوراق قوة عديدة تستطيع من خلالها فرض حضورها في المشهد الجيوبولتيكي للمنطقة والعالم.
[email protected]
[email protected]