افاق المصالحة بعد اللقاء

بي دي ان |

11 يوليو 2022 الساعة 12:17م

منذ بداية العام الحالي والجمهورية الجزائرية تولي اهتماما خاصا لملف المصالحة الفلسطينية، وشكلت القيادة الجزائرية فريقا لمتابعة الملف، والتقى تباعا من النصف الثاني من كانون ثاني/ يناير الماضي (2022) وفود القوى والفصائل والحركات الفلسطينية دشنتها حركة فتح، كبرى فصائل العمل الوطني، ثم حركة حماس، وتلاها الشعبية والجهاد الإسلامي والديمقراطية والقيادة العامة والصاعقة والنضال الشعبي وجبهة التحرير الفلسطينية وجبهة التحرير العربية والجبهة العربية الفلسطينية ووفدا مثل المستقلين، وادلت كل الوفود بوجهات نظرها، وكان الفريق الجزائري يدون ابرز ملاحظات القوى الفلسطينية، وتمثل دور الفريق المضيف في طرح الأسئلة دون الادلاء باية مواقف سوى التأكيد على رغبة الجزائر تحقيق المصالحة ووحدة الشعب الفلسطيني، والمساهمة مع الدول الشقيقة في ردم الهوة بين الفرقاء الفلسطينيين.
وقامت وفود من الجمهورية الجزائرية بجولة على الدول العربية والإسلامية ذات الصلة بالملف، ومنها: مصر وقطر والسعودية والامارات وتركيا، واستمعت لمواقف تلك الدول، وخلصت لنتائج محددة لم تعلن عنها حتى الان. ولا اعتقد ان الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون عرضها بالتفاصيل على الرئيس محمود عباس، ولا على رئيس حركة حماس إسماعيل هنية اثناء لقاءهما يوم الثلاثاء الموافق 5 تموز / يوليو الحالي مساء احتفالات بلد المليون ونصف المليون شهيد بالذكرى الستين لاستقلالها لحين اكتمال الملف من جوانبه المختلفة. وعلى أهمية اللقطة التذكارية، التي أصر الرئيس تبون عليها حين جمع أبو مازن وأبو العبد غير انها لم تكن اكثر من لقطة عابرة وذات ابعاد عاطفية، عكست رغبة الرئيس الجزائري كسر الجمود القائم بين الفرقاء الفلسطينيين.
مع ان الاخوة الجزائريين وقعوا في خطأ بروتوكولي عندما لم ينتبهوا، او لم يأخذوا بعين الاعتبار الفرق بين رئيس الشعب الفلسطيني ورئيس فصيل فلسطيني، واجلسوا أبو العبد في الصف الامامي. ورغم اني لم اكن اود نكء الجراح، بيد ان الاخوة الجزائريين اخطأوا، لانهم كان يفترض ان يتداركوا الامر، فهناك فرق بروتوكولي بكل المعايير الديبلوماسية، كان يفترض ان لا يسبب احراجا للرئاسة الفلسطينية، ولولا أهمية الجزائر، واهمية المناسبة، افترض كان يمكن ان يحدث ردود فعل يعرف ابعادها الاشقاء الجزائريين.
المهم وبالعودة لموضوع المصالحة، أولا رغبتي الشخصية ان يتمكن الاخوة الجزائريين من احداث اختراق في الجمود الحاصل؛ ثانيا لكن هناك فرق بين الرغبة، وبين الواقع. ولا اعرف ان كان الاشقاء في القيادة الجزائرية يعلمون، ان حركة حماس باشرت العمل مع عدد من بعض القوى لخلق اطار مواز لمنظمة التحرير؛ ثالثا وهذا الاطار يعكس التوجه الحقيقي لدى قيادة حماس في رفض المصالحة، رغم ان قياداتها يعلنون ما لا يبطنون؛ رابعا حركة حماس، كما اعلن توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح الأسبوع الماضي، وعشية العيد، تعمل بخطى حثيثة للسيطرة على الاتحادات والنقابات لخلق البلبة في الشارع الفلسطيني. وهذا ليس استنتاجا، وانما معلومات عن مخطط جماعة الاخوان المسلمين؛ خامسا هناك تفاهم ضمني ومباشر بين الحكومة الإسرائيلية وقيادة حماس على تقويض الامن في أراضي دولة فلسطين المحتلة وخاصة في المحافظات الشمالية. لا سيما وانها تسيطر منذ خمسة عشر عاما بانقلابها الأسود على المحافظات الجنوبية (قطاع غزة)، وإسرائيل الاستعمارية تمدها بالمال والتسهيلات مقابل الهدنة المجانية المتفق عليها بين الفريقين؛ سادسا وفق بعض المصادر الأمنية الفلسطينية سمحت أجهزة الامن الإسرائيلية الاستعمارية لعناصر حماس بشراء السلاح، والاستعراض به بين الفترة والأخرى في العديد من المحافظات لفرض الحضور على الأرض فيها، مقابل ان لا يستخدم هذا السلاح ضد دولة التطهير العرقي الإسرائيلية.
رغم كل ما تقدم، فإن الدور الجزائري مطلوب لتجسير الهوة بين الأطراف الفلسطينية، وكذلك لتمهيد التربة الوطنية امام الدور المصري، الراعي الأساسي لعملية المصالحة. لا سيما وان القيادة الجزائرية تعلم علم اليقين، ان الشقيقة مصر، هي المؤهلة عربيا لاتمام المصالحة، في حال تخلى فرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين عن دوره التفتيتي للساحة الفلسطينية. ولا اضيف جديدا، ان اعدت التأكيد على معطى سابق ذكرته فيما مضى، ان هناك ضوءا اخضر صهيو أميركي لفرض هيمنة حماس الانقلابية على الضفة الفلسطينية، امتدادا لما حصل في أفغانستان مع تسليم إدارة بايدن طالبان مقاليد الحكم فيها. وهذا الامر لن يحدث بذات الطريقة التي حدثت في قطاع غزة أواسط عام 2007 عندما انقلبت على الشرعية الوطنية، وانما بطريقة الدحرجة التدريجية للسيطرة على المشهد العام في الضفة الفلسطينية دون القدس العاصمة الأبدية لفلسطين، وفق الاتفاق انف الذكر وغير المعلن بين حماس وإسرائيل مباشرة ومن خلال الوسطاء العرب والمسلمين، وعبر الشركات المشتركة القائمة بين عدد من اقطاب حركة حماس منهم فتحي حماد وأصحاب رأس مال ومصانع ومنتجعات سياحية ومؤسسات استيراد وتصدير إسرائيلية، حسب ما صرح به الكاتب جون كاردشيان، اعلامي ومستثمر اميركي، الذي قال: قيادي فلسطيني غير نظرتي في حماس، وجاء في المقال المنشور في موقع اميركان أنفستمنت نيوز، ترجمة الدكتور عدنان عبد المجيد / لبناني مقيم في واشنطن " اقتربت من الطاولة التي سنجلس عليها بجانب الجدار الزجاجي (في فندق إليت وورلد بيزنس هوتل في تركيا) ... بادر صديقي باروخ فيتسمان (رجل اعمال إسرائيلي ) بتقديمي لاصحابه في الجلسة (...) ثم انتقل ليقدم لي صديقه الاخر وهو عربي أيضا، فقال هذا صديقي من غزة، اسمه السيد فتحي " نظرت اليه مبتسما وهو يبتسم ويرحب بي: فقلت له، انت فلسطيني من غزة اذا؟؟ فقال نعم "وفورا تبادر لذهني سؤال اجباري الا وهو كيف يجتمع الإسرائيلي مع رجل ملتحي من غزة لتكريس شركات استثمارية، ولم اخجل من البوح بسؤالي المتمرد، فكان سؤالا علنيا ومسموعا!!! فأجابني باروخ انه وصديقه فتحي شركاء في عدة استثمارات سياحية وصناعية في تركيا وافريقيا. وهما متفقان كثيرا ويثقان ببعضهما البعض. فقد تكرست بينهما علاقة صداقة وشراكة استراتيجية في قطاع السياحة تحديدا ويريدان الحفاظ عليها للابد.
قال باروخ، اعلم انك متفاجىء من علاقتي بصديقي فتحي، لكن ماذا ستفعل اذا علمت ان صديقي فتحي هو قائد كبير في حماس؟؟؟ وهنا نزل الخبر على رأسي كالصاعقة!!! ماذا؟؟ هل هذا صحيح؟ يا الهي" .... ألخ وكان اللقاء في شهر أيار / مايو الماضي 2022.
استطردت في الاستشهاد لابين بعض تفاصيل الخبر، الذي لم يفاجئني، ولم يفاجىء أي شخص يعرف حقيقة جماعة الاخوان المسلمين في العالم كله، وليس في فلسطين فقط. وهذا غيض من فيض. وقادم الأيام ستكشف الكثير. وبالتالي الحديث عن المصالحة، والخوض فيها عملية معقدة، لا تتوقف عند حدود اللقاءات مع ممثلي القوى وخاصة حماس، لان الاجندة والمخطط الذي يجري العمل على تنفيذه، ابعد واخطر من كل الثرثرات الشكلية والذرائع التي يجترونها باستمرار
ارجو ان تنجح الجزائر، وان كنت على يقين ان هناك فرق شاسع بين الامنيات والواقع المر، الذي تشهده الساحة الفلسطينية. لان النجاح في المصالحة يحتاج لعملية جراحية معقدة.
[email protected]
[email protected]