غسان الباقي فينا ابدا

بي دي ان |

11 يوليو 2022 الساعة 12:05م

يوم الثامن من تموز / يوليو الحالي، الذي يصادف الجمعة وقفة عيد الأضحى المبارك، تحل ذكرى الرحيل الخمسين لرجل من طراز رفيع. خمسون عاما انطوت، ومازال غسان واقفا وشامخا ومتابعا كل الاحداث والتطورات بعيونه الثاقبة، وفكره الاستشرافي العميق، ونبوءات رواياته ومسرحياته وكتاباته الإعلامية في الحرية والمحرر والهدف وغيرها من المنابر. لم يغادر كنفاني مسرح الكفاح والعطاء، ومازال نابضا وقابضا على جمر القضية والوطن والشعب والحرية والسلام والاستقلال.
نعم لم يمت غسان، ويخطىء من يعتقد انه مات، وان رحل جسده، وشيع بقايا رفاته مع ابنة اخته لميس في بيروت بعد تفجير سيارته في بعبدا على مشارف بيروت في العام 1972، ولم ينضب نبع الكتابة عنه. لان عبقريته التي اطلقها في فضاء الإنتاج الادبي الروائي والمسرحي والفكري السياسي والإعلامي والفن التشكيلي في الزمن القياسي الذي عاشه، ولم يتجاوز الستة والثلاثين عاما دليل ساطع على كم العطاء البديع والكثيف والغني. وكأن غسان ولد وهو حامل قلم المعرفة، وطارد الزمن القصير الذي أتيح له من العمر، وهو يكتب ويرسم، وينثر الفرح والامل بالعودة والحرية والاستقلال بين جموع الفلسطينيين والعرب وانصار السلام في العالم، والايمان بالثورة وروح المقاومة، وجمع شتات الشعب، حين كشف النقاب عن ادب المقاومة في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة، وكان له سبق القصب في هذا الحقل الحيوي والاستراتيجي في نضال الشعب العربي الفلسطيني.
وكأن الرفيق غسان كنفاني، كان يعلم ان رحلته في الحياة قصيرة، لهذا ورغم مرض السكري، الذي رافقه طيلة حياته، الا انه فجر ينابيع عطائه كلها دفعة واحدة، لم يتوقف قلمه الشجاع والراقي والنبيل، قلمه المقاوم، وفكره النير عن التدوين، وظل يدق جدران الخزان، ومازال رغم رحيله من خمسين عاما حتى يوم الدنيا هذا يدق جدران الخزان، وينادي بالعودة والاستقلال الكامل الناجز لوطنه الفلسطيني، ويصرخ فينا جميعا نحن الاحياء، لا تستسلموا، تابعوا الكفاح، لا تسقطوا الراية من ايديكم. لان أبو الخيزران وام سعد وغيرهم من ابطال رواياته أيضا لم يموتوا، ومازال هناك الاف وملايين أبو الخيزران وام سعد، وجميعهم يدقون الجدران كلها، ولن ولم تكل أيديهم، ولا حناجرهم واقلامهم وسواعدهم واناشيدهم وابداعاتهم من الطرق على جدران الحرية والاستقلال والعودة وكنس المستعمر الصهيوني، وطي صفحة الانقلاب الأسود، واستعادة الوحدة الوطنية، والارتقاء باشكال المقاومة كلها وخاصة المقاومة الشعبية، ونهوض الامة من محيطها الى خليجها، وتمردها على مصيرها البائس.
رحل غسان الجسد، ولكن الميراث الكبير والغني والدروس والعبر، التي تجذرت وتوطنت في كتاباته الأدبية الإبداعية والفكرية السياسية والتنظيمية والكفاحية مازالت حاضرة، وماثلة امام كل وطني غيور، ومعني بتحقيق الأهداف الوطنية والقومية، وستبقى نتاجات المبدع العبقري عضو المكتب السياسي للشعبية، ورئيس ومؤسس صحيفة الهدف، الصحيفة المركزية للجبهة منارة ساطعة في وسط الظلام الحالك.  
وستبقى مدرسة غسان المعرفية والفكرية السياسية واحدة من اهم المدارس الوطنية والقومية، رغم كل العثرات والهنات والانكفاءات، ولن تنحرف بوصلة الكفاح، ولن تنحني هامات الرجال امام المشاريع المشبوهة الصهيو أميركية والاسلاموية الاخوانية. لان كنفاني الرمز العالي والعظيم وضع الضوابط والاسس الراسخة لرفاقه، وتكافل مع حكيم الثورة في وضع المداميك والاساسات القوية والراسخة للمعايير الوطنية والقومية، ومن لم يميز بين الغث والسمين في المعايير الوطنية والقومية مصيره العار والسقوط.
مازال غسان كنفاني بحاجة ماسة للتنقيب في نتاجاته، ومقالاته وابحاثه ورواياته ومسرحياته، لانها غنية بدروس لم يكشف النقاب عنها، او كشف عن الكثير منها، بيد انها بحاجة ماسة للتعميق والتجذير والتطوير، وإعادة الطرح في أوساط من يدعوا انهم يعيشون في كنف مدرسته الوطنية والقومية.
مجددا لن أقول وداعا يا غسان، ولكني ساقول لنا لقاء آخر في ذكرى أخرى، لعلني أتمكن من سبر بعض اغوارك التي لم تكتشف حتى الان، ولروحك الف سلام، وستبقى حيا بيننا في اعظم صفحات الوطنية، ورمزا من رموز الثقافة الوطنية والقومية.
[email protected]
[email protected]