العرب بين حزيرانين

بي دي ان |

07 يونيو 2022 الساعة 12:11ص

حلت قبل يومين ذكرى مناسبتين احداهما مرة مرار العلقم، وجرحها عميق في الوعي والجسد العربي، والثانية على مرارتها بيد انها كانت امتدادا لروح التراجيديا والبطولة والكرامة في اذار / مارس 1968، ولعظمة الرجال الفولاذيين في تشرين اول / أكتوبر 1973، رغم النتائج الماساوية، وبيع اولي الامر في تشرين الدم المسكوب على ثرى الوطن للعم سام، صاحب أوراق اليانصيب الرابحة، التي قدمها عربون محبة لإمته ومرتزقته المأجورين في ارض الرباط.
حزيرانان بينهما عقد ونصف من السنين العجاف، نتاج وهن العرب، وتخليهم عن ذاتهم الواحدة طوعا، وارضاءا للسيد الأبيض في البيت الأسود، واستجداءا لرضى حارس المصالح المأجور، الذي اقيمت له دولة وراية ونشيد وجيش من حديد، وزورت له رواية من الاساطير. وفي خيمة الكيلو 101 تم بيع باقي الصكوك والمواثبق والروابط وشهادات الميلاد وصلة الدم العربية. وطار زعيم القبيلة الأكبر الى وكر الإمة رافعا راية الانقسام والاستسلام.
في حزيران الأول في الخامس من حزيران 1967 تهاوت القلاع، كأنها مشهد من فيلم كرتوني، ونام العرب مكشوفي الظهر، وشربوا من كأس الهزيمة والعار يغطي رؤوسهم، ومزقوا بايديهم كتب التاريخ، بعدما غرق الملوك والامراء والشيوخ والزعماء في صراع دام لتقاسم ميراث الامة، فضاعت الامة في تيه مدن الملح، وبات كل شيخ قبيلة يغني على ليلاه، حتى زاد الشقاق والنفاق والولاء للعابرين من قطاع الطرق واللصوص الافاقين. وكلما نهض فتى راضع من حليب ام عربية، تكالب عليه اخوة يوسف، واثخنوه جراحا وغدرا، كما حصل مع الكنعاني وابن الرافدين وابن جبال الاوراس.
اما حزيران الثاني 1982 كان دم ولحم وحديد ونار ومتراس. كان طفل وامرأة وشاب وشيخ في الميدان، تعاضدوا وتعاهدوا الدفاع عن شرف الامة ببندقية وار بي جي ومدفع رشاش، قاتلوا جنبا إلى جنب 88 يوما، ولولا بيع شيوخ القبائل لهم، ونفاذ بعض اساسيات مقومات الحياة، وتعاظم الحصار على الكيلومترات الخمس لبيروت الغربية لقاتلوا الف يوم، ولم تهن عزيمتهم. كانت إرادة الثوار بين التوأم الفلسطيني اللبناني الوطني والقومي تناطح السحاب، رغم بوارج الاسطول السادس وكل جيش العصابات الصهيونية المجوقل من 165 الف قاطع طريق بقيادة المجرم شارون وبتعليمات من سيده بيغن آنذاك، ومع ان رجال المقاومة اثخنوا ذلك الجيش، واوقعوا به خسائر فادحة، وادموا قادته، وارغموهم على الاعتزال والموت كمدا، كما حصل مع بيغن، ودفعوا دولة العصابات لخلع شارون من موقعه. ومع ذلك كانت النتيجة مرة وقاسية، اضطر الابطال من بني كتعان الرحيل عن قلعة من اهم قلاع العرب الحديثة، عن مدينة الثقافة والنور العربية، وتوزعوا في سفن إلى مدن وعواصم شتى من بلاد العرب. الا انهم خرجوا مرفوعين الرأس باسلحتهم ولباسهم وراياتهم الوطنية الخفاقة.
لحزيران العربي حكاياه المؤلمة وتراجيديته، تاريخان عربيان مختلفين، رغم ان كل منهما دوَّن في سجله صفحات من البطولة والشجاعة، لكن شتان ما بين الهزيمة الخالصة، التي قصمت ظهر الامة وعنوانها، وادمت قلب بطلها القومي، وفارس مجدها المعاصر الخالد جمال عبد الناصر، وترك بصمات سوداء نتجرع سمها حتى اليوم، وبين حزيران الاخر، الذي لم يكن اختياره بذات اليوم تقريبا بعد خمسة عشر عاما صدفيا، وانما شاء زعماء العصابات الصهيونية وبالتوافق مع سادة البيت الأبيض وبالتواطؤ مع الغالبية من حكام العرب ان يسحقوا عظام وتاريخ الشعب العربي الفلسطيني وقضيته الوطنية، ومن خلاله، أرادوا شطب وتبديد كل معلم عربي مهما صغر شأنه. لكن قادة الثورة والحركة الوطنية اللبنانية وفي مقدمتهم ياسر عرفات وجورج حبش وسعد صايل الجنرال الذي هزم إسرائيل المارقة وجيشها بمئات المقاتلين الابطال من الفلسطينيين واللبنانيين، أكدوا انه في حال توفرت الإرادة والقرار الشجاع والحكمة السياسية وبالتكامل بين الشعوب ومقاتليها يمكن هزيمة العدو كائنا من كان، واي كان من يقف معه او ورائه. ومها عظمت ترسانته الحربية النووية والكلاسيكية ورغم مرور ال55 عاما على هزيمة حزيران 1967، واحتلال كل الأرض الفلسطينية وسيناء المصرية والجولان السورية، ومرور 40 عاما على اجتياح لبنان العربي، واحتلال العاصمة العربية بيروت، وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، الا ان تلك المقاومة عادت الى ارض الوطن الفلسطيني، رغما عن إسرائيل وأميركا ومن والاهم، والحرية للأرض الفلسطينية العربية آتية لا محالة، وفق كل المعايير السياسية والاقتصادية والكفاحية ومعادلات الصراع الإقليمية والدولية، والاعداء عابرون، كما جاؤوا عابرين للوطن، رغم بقائهم ما يزيد عن العقود السبعة.
[email protected]
[email protected]