حقيبة بايدن فارغة

بي دي ان |

31 مايو 2022 الساعة 11:51م

لعبة السياسة تفرض على اللاعبين الصغار والكبار، دولا واحزابا وحركات سياسية على حد سواء التعامل مع ابجديات السياسة المختلفة، والتعامل مع الوان طيفها وصولا لاهداف هذه الدولة او ذلك الحزب. وتسقط في كثير من المحطات المحرمات وخاصة عند أجهزة الامن المختصة، التي لا تتورع عن التشبيك مع أجهزة امنية معادية لتحقيق غايات محددة، وقرار تلك الأجهزة مرتبط مباشرة بصناع القرار هنا او هناك من الدول والقوى. لكن هذا الانفتاح ليس مجانا، ولا غباءا او لمجرد التواصل، وليس لاعتبارات شخصية خاصة، انما لتعلقها بالامن الوطني والقومي، وبما يخدم مصالح هذه الدولة او تلك القوة السياسية. بيد ان هذا الجسر المفتوح يمكن ان يغلق على المستويين السياسي والأمني في حال نكث او لم يلتزم الطرف المقابل بالاتفاقات المبرمة معه، او حاول قطب ما الاستقواء بنفوذه، واستضعف الطرف المقابل.
والقيادة الحكيمة سياسيا هي، التي تفتح أبوابها ولا تغلقها مع القوى المختلفة بهدف تحقيق مقاصدها السياسية والاقتصادية والأمنية وحماية مصالحها العليا، وتعي متى تغلق تلك الأبواب والنوافذ حرصا على تلك المصالح. لا سيما وان تلك العلاقات لا تحكمها العلاقات الشخصية بين الزعماء والحكومات، انما الأهداف القومية.
ولو توقفنا امام العلاقات الفلسطينية الأميركية وخاصة مع الإدارة الأميركية الحالية، سنجد انها عانت وتعاني من عقبات شتى، رغم عدم انقطاع التواصل بين القيادتين السياسيتين والامنيتين منذ اتفاقات أوسلو 1993، باستثناء الانقطاع الذي حصل بعد اعتراف الرئيس السابق ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل في السادس من كانون اول / ديسمبر 2017، وتلاها الإعلان عن صفقة القرن، وهو عمليا انقطاع مؤقت، لا سيما وان إدارة بايدن حرصت على مد جسور التواصل مع القيادة الفلسطينية وفق معاييرها الخاصة مع تسلمها مهامها القيادية.
ولكن رغم مضى عام ونصف من تولي الرئيس بايدن مقاليد الحكم في البيت الأبيض، لم تف الإدارة بالعديد من وعودها للشعب والقيادة الفلسطينية المتعلقة بفتح القنصلية الأميركية في القدس؛ فتح الممثلية الفلسطينية في واشنطن؛ رفع اسم منظمة التحرير من قوائم الإرهاب؛ إعادة الدعم لموازنة السلطة دون قيود؛ وإعادة الدعم المالي لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الاونروا) دون شروط مسبقة؛ ورفض صفقة القرن، ودعم خيار حل الدولتين على حدود الرابع من حزيران 1967؛ وبالتالي عمليا الإدارة مع انها فتحت الأبواب الأميركية امام القيادة الفلسطينية، غير انها تراجعت وانكفأت عن تلك الوعود. واخضعت نفسها لسقف السياسة والاملاءات الإسرائيلية العدوانية، بذريعة الحرص على الحكومة الصهيونية بقيادة بينت، وعدم انهيارها، وخشية من عودة نتنياهو، زعيم المعارضة الإسرائيلية.
نجم عن ذلك دخول العلاقات الفلسطينية الأميركية في دوامة الالتباس والغموض، ووضعها في موقف حرج، بسبب تقييد إدارة بايدن نفسها بنفسها، وعلى حساب مصالح وحقوق الشعب الفلسطيني وعملية السلام على حد سواء. في الوقت الذي تحتاج قيادة منظمة التحرير لخطوة أميركية ملموسة تجاه الوفاء بالتزاماتها، لتقدم لشعبها إنجازا ما لذر الرماد في العيون المتسائلة عن جدوى العلاقة. الا ان اميركا لم تتقدم خطوة جدية للامام، ومازالت تراوح مكانك عد.
ومع اقترب قدوم الرئيس الاميركي للمنطقة هذا الشهر، حيث من المفترض ان يزور أراضي دولة فلسطين المحتلة، ويلتقي الرئيس أبو مازن في بيت لحم، ثم يزور العاصمة الفلسطينية الأبدية القدس ويعرج على مستشفى المقاصد، وسيقدم حسب المعطيات مائة مليون دولار مساعدات للمستشفيات الفلسطينية. لكنه لا يحمل في حقيبته أي جديد على صعيد تطبيق الوعود، وخاصة بشأن فتح القنصلية الأميركية، ورفع المنظمة من قوائم الإرهاب، أي انه قادم خالي الوفاض, وكل ما سيقدمه للرئيس عباس، هو رفع سقف هادي عمرو، مساعد وزير الخارجية لمستوى منسق خاص لعملية السلام. وهذا الامر لا يقدم شيئا للفلسطينيين، وهو امر خاص بهم وباداراتهم، وسبق هادي عمرو العديد من المنسقين الاميركيين، ولم يفعلوا شيئا، وغابوا عن المشهد، وغابت أسماءهم، لانهم كما جاؤوا، كما ذهبوا، لم يبقوا اثرا واحدا لهم.
واعتقد ان صانع القرار الأميركي ما لم يحمل في حقيبته تنفيذا لوعوده، لا داعي لان يجهد نفسه ويأتي. وأيضا لا داعي للقيادة الفلسطينية اللقاء به. لان اللقاء لا يقدم شيئا لفلسطين وشعبها وحقوقه السياسية. وبالتالي قدومه سيكون لدعم حكومة بينت المتهالكة، وعلى حساب المصالح الوطنية الفلسطينية. واجزم ان الرئيس أبو مازن ليس بحاجة للقاء الرئيس بايدن، ومن الأفضل له ان يدعو القيادة وخاصة اللجنة التنفيذية للانعقاد فورا للشروع بتطبيق وتنفيذ قرارات المجلس المركزي دون انتظار عندئذ سيفكر القادة الاميركيون ان القيادة الفلسطينية الواقعة تحت نير الاستعمار الإسرائيلي، والتي تتكالب عليها العديد من القوى وعلى رأسهم دولة التطهير العرقي الإسرائيلية، قادرة ان تخلط الأوراق، وتقلب معايير المعادلة السياسية القائمة، رغم امكانياتها الضعيفة، الا انها تملك إرادة قوية وصلبة ومسؤولة وحكيمة. كون قرارها لم يأت نتاج انفعال او تطرف، بل العكس صحيح، نتاج حكمة عالية ومن منطلق الدفاع عن المصالح والحقوق الوطنية العليا للشعب العربي الفلسطيني. آن الآوان لاتخاذ موقف يليق بصانع القرار الفلسطيني، وبكفاح الشعب العظيم.